بعد وفاة كاتبنا الكبير غازي القصيبي تمنّينا من شاعر البحرين الأوّل الوالد عبدالرحمن رفيع الرد على صاحبه في آخر قصيدة له، وبعد مرور مدّة من الزمن لملم فيها الوالد رفيع ألمه وجراحه، قام بإرسال قصيدته مصحوبة بقصيدتين له ولغازي القصيبي لم تُنشرا بعد في الوطن العربي.
قصيدة القصيبي في آخر أيّامه كانت كالآتي:
ماذا تريد من السبعين يا رجل؟
لا أنتَ أنتَ ولا أيامك الأوّلُ
جاءتك حاسرةَ الأنياب كالحةً
كأنما هي وجهٌ سله الأجلُ
أوّاه! سيّدتي السبعونَ! معذرةً
إذا التقينا ولم يعصف بي الجذلُ
قد كنتُ أحسبُ أنّ الدرب منقطعٌ
وأنني قبل لقيانا سأرتحلُ
أبالشباب الذي شابت حدائقهُ؟
أم بالأماني التي باليأس تشتعلُ؟
أم بالحياة التي ولّت نضارتها؟
أم بالعزيمة أصمَت قبلها العِللُ؟
أم بالرفاقِ الأحباءِ الأُولى ذهبوا
وخلّفوني لعيشٍ أنسه مللُ؟
تبارك الله! قد شاءت إرادته
لي البقاءَ فهذا العبدُ ممتثلُ!
واللهُ يعلم ما يلقى وفي يدهِ
أودعت نفسي وفيه وحده الأملُ
وقد قالها القصيبي ولكأنّه ينعى نفسه، ولكأنّه لم يصدّق بأنه سيبلغ السبعين يوماً، فردّ عليه صاحب العمر عبدالرحمن رفيع قائلاً:
إنّ غازي.. كينونةٌ هو وحده
صِنوهُ لم يكن، وهيهات بعده
وكتاب لا تسألن عن مداه
فمداه لم يبلُغ الناس حدّه
شِيَم العبقري تسكن فيه
وجدته لها ملاذاً وعُدّه
شاعرٌ كاتبٌ فنونُ بديعٍ
الكثيرون لا يملّون سرده
قلَمٌ: طيِّب النفوس نداه
مثلما الروض، حين يرسل وردَه
هيّنٌ ليّن، فإن هبّ يوماً
فمحالٌ خصومه أن تصدّه
كلُّ ساحٍ يخوضها، يتمنى
ندُّه لو أتى ليخطب ودّه
فارس القول، سحره في يديه
قاصمٌ ردّه لمن حام ضدّه
أيها الطائر المحلّق دوماً
في سماء النجوم، يشرح وجده
أنت من طينة العلا والأعالي
منذ عهد الصِّبا، تجاوز رشده
لا ألوم الملوك تُدنيك منها
كلّ ملك بكم، يؤسّس مجده
ومزايا ابن القصيبي كُثرٌ
درُّ بحرٍ، مَنْ قادرٌ أن يعُدّه!؟
والعطايا.. من الكريم العطايا
هو أدري فيمن سيودع رفده
انتهت القصيدتان على حياة القصيبي في آخر أيّامه، ولمّا سمع بها القصيبي بكى وقبّل صاحب العمر رفيع على وجنتيه، وقال: أبكي فراقك وفراق الأحباب وما أشدّه من فراق.
هذه العلاقة لا يمكن أن تموت بعد وفاة القصيبي، فالصاحب يتبع صاحبه مهما طال الزمان، وهي حقيقة مرّة بعد العمر الطويل بينهما والفراق الأليم بين الاثنين، وهما حقيقة يُحسدان على هذا الحب والصداقة التي جمعتهما قرابة 50 عاماً.
وهاهي القصيدة التي أعطانا إيّاها الوالد عبدالرحمن رفيع لـ «الوسط»، يردّ على صاحبه بعد وفاته رثاء وحزناً وحنيناً، يقول فيها:
من للمحافل والقلم؟
ذهب الفتى الفذ العلم
والساح أصبح خالياً
كم خاض فيه ثمّ كم
لا لن يموتَ أبو سهيل
سيظل مصباح الظُلَم
سيظل سِفراً عامراً
بالعلم يزخر والشمم
باقٍ على مر القرون
كتاب شِعرٍ بل نغم
وروايةً فواّحةً.....
بشميمها الزاكي النسم
غازي.. سيبقى قطعةً
منّي ومن لحم ودم
بين الأضالع، ها هنا
حيٌ معي.. لافي الرمم
حتى أموت وتلتقي
أرواحنا بعد العَدَم
هو صاحبي في هذه الـ
دُّنيا وفي دار النعم
انتهت قصيدة الفاضل عبدالرحمن رفيع، وكلّها معانٍ لمعنى الأخوّة والصداقة التي جمعت بين الاثنين، فهنيئاً لهما هذا الحب وهذا العطاء الشعري، وإننا نسعد اليوم بمشاركة الأب رفيع لقرّاء «الوسط» الأعزاء، عما اختلج في قلبه اتجاه صاحبه، وهنيئاً لكل من بقى وفيّاً للصديق الصدوق الذي لا يُنسى كغازي القصيبي رحمه الله. فلقد كان صاحب الوالد عبدالرحمن رفيع في هذه الدنيا وفي دار النعم بإذن الله.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2959 - الثلثاء 12 أكتوبر 2010م الموافق 04 ذي القعدة 1431هـ
ام علاء
الوفاء والصداقه اصبحت عمله نادره في هذا الزمان فهنيئا لمن اجتمعت قلوبهم على المحبه وتعانقت ارواحهم على الصدق والوفاء اللهم ارحمنا واياه برحمتك الواسعه
بنت النيادة
و نعم الأخوة و الصداقة ,,,,,و الله أبكتني القصيدة اللي تدل على عمق الصداقة اللي كانت بينهم ,,,,الله يرحم القصيبي و يطول بعمر رفيع .