العدد 2418 - الأحد 19 أبريل 2009م الموافق 23 ربيع الثاني 1430هـ

استجواب وزير الصحة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح!

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

دعونا نتفق أن الاستجواب هو حق أصيل للسلطة التشريعية، ولا يجوز في أي ظرف من الظروف الاعتراض على ممارسته بصفته حق دستوري وأداة مهمة لإصلاح المعوج في أي جزء من أجزاء السلطة التنفيذية المتمثلة في الحكومة بأجهزتها التنفيذية كافة.

غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يتفق الرأي العام مع أي استجواب يقدّم من أية كتلة ولأية دواعٍ وفي أي توقيت، ومناسبة الحديث هو الاستجواب الذي تعتزم كتلة الوفاق تقديمه لوزير الصحة فيصل الحمر الأسبوع الجاري.

لا مجال للاختلاف مع «الوفاق» أن الكثير من أوضاع وزارة الصحة تحتاج إلى تصحيح، وربما حتى الوزير الحمر يشاطرنا الرأي ذاته، خصوصا أن عملية التصحيح إن كانت موجودة فهي تسير سير السلحفاة، ولكن في الجزء الآخر من الصورة ينبغي لمقدمي الاستجواب الالتفات إلى مجموعة حقائق:

أولا: المشكلات الكبرى في وزارة الصحة هي نتاج تراكم عشرات السنين، ومر الكثير من الوزراء المتعاقبين على الوزارة من دون أن تتحسن تلك الأوضاع، ولكن في الوقت ذاته فإن وزارة الصحة تقدم خدمات كبيرة للمواطنين وفق طاقتها الاستيعابية، وليس كل ما تقوم به هو أخطاء أو محض تقصير، فهناك جهود كبيرة تبذلها الوزارة وهي تستحق الإشادة والتقدير.

ثانيا: ازداد عدد السكان في البحرين حتى وصل الضعف بفعل عوامل الزيادة الطبيعية وغير الطبيعية، وأصبحت الوزارة تقدم خدماتها لمليون مواطن ووافد وأجنبي يتقاسمون الخدمات الصحية بضعف ما كان عليه الوضع سابقا، ولكن موازنة الوزارة لم تواكب هذه الزيادة الهائلة في عدد السكان، وبالتالي فإن توقع تدني الخدمات المقدمة سيكون حينها أمرا بديهيا، وكان دور النواب أن يضغطوا على الحكومة لرفع موازنة الصحة بالقدر الذي يسمح لها بتطوير قدراتها.

مع إدراكنا بأن الوضع ليس صحيا في بعض أرجاء وزارة الصحة، ولكن وزارة الصحة بالتأكيد ليست الأكثر سوءا بين الوزارات والمؤسسات الحكومية، وهناك وزراء أولى بالاستجواب إذا كان المعيار درجة المخالفة للقانون، لأن القوانين تنتهك في كل يوم، وسرقات تمت وصفقات أبرمت وجميع النواب كانوا في سبات عميق، هذا إذا برّأنا ساحتهم من التواطؤ.

ثالثا: هناك مجموعة ليست قليلة من السرقات الكبرى جهارا عيانا وأثرها امتد ليشمل الوطن كله، ولم نر استجوابا من أية كتلة ليحمي حق الشعب عموما والمغلوب على أمرهم خصوصا. كنا ننتظر من «الوفاق» وبقية الكتل أن يقدّموا استجوابات في سرقة الأراضي التي شملت البحرين من أقصاها إلى أقصاها، حتى أصبح المواطن عاجزا عن شراء قطعة أرض أو عقار لمسكنه، ورغم تقديرنا للجهد المشكور الذي قام به النواب بتشكيل لجنة تحقيق في أملاك الدولة فإن السرقات لم تتوقف، والناس تعرف من يسرق، وهناك سؤال كبير لم يجب عليه النواب: ألم يحن الأوان لأن تتوقف هذه الجريمة الكبرى بحق الوطن؟

رابعا: لم يتبق من عمر الدور النيابي الحالي إلا أسابيع ثلاث، وهذه الأسابيع مؤكدا أنها ليست كافية لإدارة استجواب بحرفية ومهنية ونجاح، فالحكومة من المرجح أن تستخدم حقها في طلب التأجيل لأسبوعين، وهو ما يعني أن الاستجواب سيدخل نفقا مجهولا في كل الأحوال وسيسقط مع فض دور الانعقاد الحالي.

خامسا: لا نعلم ما الضرورة القصوى التي استدعت تقدم طلب الاستجواب في هذا الظرف: لماذا الآن وليس غدا. هل غدت أحوال الوزارة الآن أكثر سوءا من أي وقت مضى؟

سادسا: وزارة الصحة تحتاج إلى بعض الهدوء، لأن تكرار تغيير الوزراء سيحرم الوزارة من الاستقرار المطلوب والضروري، والوزارة بحاجة لرفد الطاقم القيادي الحالي للوقوف على مواطن الخلل، والوزارة عليها أن تقدم قيدا زمنيا لجدولة مشكلاتها، ولابد من القيام بجرعات لاذعة ومؤلمة حتى لا تستمر قافلة الأخطاء. وليس خافيا أن شريحة واسعة من الرأي العام لا تزال تعتبر أن «الوفاق» لم تكن موفقة في التعاطي مع وزيرة الصحة السابقة ندى حفاظ.

سابعا: رغم اتفاقنا مع الوفاقيين بأن الوزارة لم تقدم ما يقنع حتى الآن في شأن تصحيح الأوضاع الأكثر حاجة للتصحيح، ولكن أعتقد أن من الصعوبة بمكان تحميل الوزير الحالي جل المسئوليات بعد أقل من عامين على تسلمه عهدة الوزارة، وهذا بالطبع لا يعفي الوزير من مسئولياته ولكن هو بحاجة لمزيدٍ من الوقت حتى يوقف النزيف، ولكن ذلك يتطلب مجموعة من الخطوات الملموسة.

يا سعادة الوزير بادر للتغيير والتصحيح ويا وفاق: ليس هذا أوان الاستجواب، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 2418 - الأحد 19 أبريل 2009م الموافق 23 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً