العدد 2418 - الأحد 19 أبريل 2009م الموافق 23 ربيع الثاني 1430هـ

مَن يشترِي السُّمَّ الأبيض؟ فرص للاستثمار القَذر!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أسابيع أعلن قائد الشرطة في إيران إسماعيل أحمدي مُقدّم، أن الجمهورية الإسلامية ضبطت في العام المنصرف 713 طنا من المُخدرات المُهرّبة من الحدود الأفغانية، وأن هذه الكمية المضبوطة هي (فقط) ثلث الكمية التي دخلت إيران فعليا. ما يعني أن 1426 طنا قد دخل البلاد!

وإذا ما عُرِفَ أن الطن الواحد من المُخدرات يُساوي مليون ونصف المليون دولار (في الشرق) فإن الأمر يعني ما تمّ ضبطه يساوي مليار وتسعة وستون مليون وخمسمئة ألف دولار! وإن سعر الكمية التي استطاع المُهرّبون إدخالها لإيران تبلغ مليارين ومئة وتسعة وثلاثين مليون دولار!

بطبيعة الحال فإن هذه الأسعار ترتفع لأضعاف مضاعفة كلما وصلت إلى نقاط جغرافية أبعد، واستُخدمت فيها عمليات التوريق المالية. فحالها كحال العديد من النشاطات الاقتصادية (كالعقار) التي تجري بشأنها المضاربات.

هذه الأرقام تبدو مهولة. وهي تُؤشّر إلى عالم غير مرئي من التجارة الدولية القذرة. وهي تجارة لم يعُد يتورّط فيها المُدمنون فحسب والذين هم آخر مُكعّب في المشهد، وإنما يُديرها بارونات سياسية ومالية كبرى. وربما أدركت هذه الجماعات أن استحصال مزيد من الربح قد يأتي من خلال توريط أبناء الطبقة المخملية وأصحاب الذوات في الاستهلاك المباشر والشخصي، فهم الأقدر على الشراء بشكل دائم وبأي ثمن.


المثلث الذهبي

تُنتج أفغانستان حاليا عشرة آلاف طن من المُخدرات سنويا. وهو ضعف ما كان يُنتَج أيام حركة طالبان بأربعين ضعف. ويوجد في أفغانستان اليوم ما بين 350 - 400 مختبر لتجهيز هذه الكمية، وتحويلها إلى منتجات أكثر نقاء.

يحصل زارعو المخدرات والمُسوّقون في أفغانستان على أربعة مليارات دولار (فقط!) من أصل 100 مليار دولار (ربع هذا المبلغ يبذله أميركيون) هي حجم التجارة العالمية في سوق المُخدرات، رغم أنها (أي أفغانستان) تُنتج تسعين في المئة من الاستهلاك العالمي. (راجع ما كتبته نوفوستي بتاريخ 11 إبريل/ نيسان الجاري).

تتجاور إيران مع أفغانستان بتسعمئة كيلومتر مربع من الحدود. تحاول العصابات النشطة في أفغانستان تهريب بضاعتها من المخدرات عبر الأراضي الإيرانية للوصول إلى الشمال الغربي حيث العراق وتركيا كمحطة أولى للوصول إلى مسارين مهمّين.

الأول يصل بهذه الكمية العملاقة بكارتلات المخدرات في روسيا ودول القوقاز، والثاني يواصل الطريق نحو وسط وشمال أوروبا ومن ثم إلى الأميركيتين الشمالية والجنوبية، حيث المفرزة العملياتية والمالية الأم «المكسيك وكولومبيا». مجموع البلدان التي تصلها الكمية مئة وسبعون بلدا حول العالم.

وربما اختارت العصابات في أفغانستان المسار الإيراني لقربه إلى مناطق الإنتاج والاستهلاك معا (منطقة هلمند مثالا) وإيصالها إلى الشمال والشمال الغربي. وتفاديا لعبور رأس الرجاء الصالح، أو البحر الأحمر حيث قناة السويس.

هذه المهمّة تبدو تحديا كبيرا للإيرانيين. ففي العام الواحد تُنفق طهران ستمئة مليون دولار لمكافحة المخدرات، في حين يبذل المجتمع الدولي ستين مليون دولار فقط. إنها إحدى المعارك الخفيّة لإيران تُساوي مع ما يجري في أميركا اللاتينية.


رايات لاتينية

في الضفة الأخرى من العالم حيث المفرزة المالية كما أسلفنا تبدو القضية أعقد من حيث الإمكانيات المادية واللوجستية. ففي بلد كالمكسيك بات القتل المتصل بالمخدرات يلامس المئة وسبعة وستين قتيلا في الأسبوع الواحد كما يفيد الصحافي سام كوينونيس.

عصابات المُخدرات هناك باتت تستخدم «نظارات الرؤية الليلية وأجهزة الاعتراض الإلكتروني والاتصالات المُشفّرة، وغواصات حربية ومروحيات وطائرات شحن وأسلحة أتوماتيكية وقذائف (آر بي جي) وصواريخ مضادة للدبابات 66 ملم وألغاما وأشراكا مُفخّخة وبنادق قناصة عيار 50 والقنابل اليدوية وقاذفات القنابل 40 ملم» (راجع تقرير الـ Foreign Policy العدد 45).

هذا يعني أن الأمور لم تعد في متناول السيطرة أبدا. وبدا أن الحال يأخذنا إلى ظروف أعقد وللتفكير في متداولين سريين لا يظهرون في صورة شخصية أو تفاعلية. بل إن مصانع للسلاح ومسئولين سياسيين كبارا باتوا متورطين فيها. فقد قيل إن زعيم عصابة السينالو خواكين إل شابو غوزمان لويرا يتمتّع بحماية شخصية من الرئيس المكسيكي فيليب كالديرون الذي يُطبّل البيت الأبيض لجهوده في مكافحة المخدرات! وإذا ما صحّ هذا الأمر فإن مليار ونصف المليار دولار من المساعدات الأميركية للمكسيك باتت محلّ شك هي الأخرى.

في الامتداد الجغرافي لهذه العصابات، تستوطن هذه الكارتلات وتُطوّق منطقة جبال الأنديز وحوض الأمازون حيث تنمو أشجار الكوكا، المُولّد الرئيس للكوكائين، لينتقل الصراع صوب كولومبيا وبوليفيا أيضا.

وهنا يكفي أن نعرف أن عصابات كولومبيا تهرب إلى الولايات المتحدة ستمئة طن من الكوكايين عبر المكسيك. وبدا أن الموضوع قد أصبح بالنسبة للولايات المتحدة تحديا استراتيجيا عندما اكتُشِف أن جنديا أميركيا واحدا من أصل سبعة جنود هو مُدمن على أحد أنواع المخدرات! أما بالنسبة للبلدان المئة والسبعين الأخرى فقد أصبح الحديث عن 180 مليون مدمن أمرا مخيفا.

في كلّ ما يجري يظهر أن ماورائيات المشهد يكتنف العديد من العلاقات الغامضة. إذ كيف يُفهم أن الاحتلال الأميركي الأوروبي لأفغانستان لم يستطع أن يقضي أو يحد من هذه التجارة القذرة على الأرض الأفغانية. في حين أننا نجد دولا كتايلند والبيرو ولاوس والهند وتركيا قد استطاعت أن تحد من حركة تنقّل العصابات وزراعة المخدرات على أراضيها. إن الموضوع حقا يحتاج إلى فكّ وتفسير، فما وراء الأكمة ما وراءها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2418 - الأحد 19 أبريل 2009م الموافق 23 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً