نظمت جمعية الصداقة للمكفوفين السبت الماضي ندوة هادئة بنادي المهندسين لمناقشة «الحقوق المؤسسية والاجتماعية للمعوقين»، بحضور عدد نائب واحد وثلاث شوريات، ووكيلة وزارة واحدة... وسفير عربي، وعددٍ من الضيوف من عمان وقطر والإمارات والسعودية وسورية ولبنان.
الندوة شارك فيها بعض الكوادر البحرينية للحديث عن العمل المؤسسي والحقوق الاجتماعية للمعاق، بينما تحدّث عماد الخضراء (سورية) عن «بناء الشخصية القيادية»، ووليد حمود (لبنان) عن «الدمج الاجتماعي للمعاق».
من يتابع موضوع الدمج يشعر بأننا نخطو خطوة للأمام، وأخرى للوراء، في ظلّ تعثّر تجارب الدمج من ناحيةٍ، وعدم تبلور رؤية وطنية أو قومية واضحة في هذا المجال، ربما لأننا أمةٌ لا تنتج الأفكار، وإنما تعيش على فتات تجارب وعلوم الأمم الأخرى.
عندما نتكلم عن حقوق المعاقين، فإننا لا نتكلم عن ستين فردا، وإنما عن ستة آلاف شخص، من مختلف الإعاقات (حركية وبصرية وسمعية وعقلية)، وهو مجتمعٌ يعيش في الظلّ، قلّما نسمع همسه إلاّ في مثل هذه الندوات التي يريد من خلالها إيصال صوته الخجول إلينا، دولة ومسئولين ومجتمعا. من هنا فإن النقاشات لها أهمية خاصة في مخاطبة الرأي العام.
هؤلاء أحيانا تكون مشاكلهم صغيرة، ولكن عندما لا نلتفت إليها تصبح مرهقة، وتحملهم أعباء ينوءون تحتها. إحدى المعاقات حركيا التحقت بالجامعة، وكانت تعاني من صعوبة التنقل بين مبانيها، وكان يتعذر عليها الوصول للإدارة عند حدوث مشكلة بسبب عدم وجود منحدرات. وحين كانت تطلب سيارة الأجرة يرفض بعض السواق نقلها بكرسيها النقال، وهي مآسٍ لا تخطر على بالنا قط.
هناك خطواتٌ وإجراءات رسمية جيّدة، من بينها المرسوم الملكي الأخير بتزويد الوحدات السكنية بتسهيلات لعوائل المعوقين، وتزويد وزارة التنمية الاجتماعية المكفوفين بأجهزة حاسوب ناطقة. وهناك محاولات وزارة التربية والتعليم دمج المعوقين بالمدارس النظامية، وهي سياسةٌ جيّدة بشرط تهيئة البيئة المدرسية الحاضنة والمساعدة للدمج، وإلاّ سنكرر الخطأ السابق الذي ذكره غازي عاشير، وهو محاضرٌ كفيفٌ بجامعة البحرين، إذ قال: إننا خسرنا كثيرا من الشباب الأذكياء لم يواصلوا الدراسة، بسبب عشوائية الدمج، وعدم تهيئة المعاق أو الوسط المدرسي نفسه لقبوله، فلم تنفعنا حقيقة كوننا أول دولة خليجية تطبّق سياسة الدمج.
وسائل الإعلام بدورها يمكن أن تلعب دورا أساسيا في تعديل الاتجاهات لدى الرأي العام، فلم يعد مقبولا التعامل مع المعاقين من منطلق العطف والشفقة، رغم نبل هذه العواطف، ولابد من الاعتماد على الجانب الحقوقي والإنساني الذي يحفظ كرامة البشر. فمن بين 6500 معاق، هناك 500 عاطل عن العمل، تمثل الإعاقة عاملا إضافيا لاستبعادهم، وحرمانهم من حقّهم في العمل والحياة الطبيعية وتكوين أسرةٍ كبقية المواطنين. أضف إلى ذلك الصورة النمطية في أذهاننا أن المعاق لا يصلح إلا عاملا على البدالة أو جمع تعرفة مواقف السيارات، وننسى أن الكثير منهم لديه مؤهلات جامعية، ولا ينقصه شيء غير الاعتراف به وبكفاءته ليعطي ويثبت وجوده في الحياة. كما أن شكوى الصم بأن أبواب الدراسة تنتهي بهم عند المرحلة الإعدادية.
أخيرا... هناك الوضع المادي، أحد الشباب قال إنه يستلم 50 دينارا شهريا من الشئون، وهي لا تكفي لسدّ احتياجاته الشخصية فكيف يمكنه أن يكوّن أسرة كبقية خلق الله. ومجلس النواب طالب مؤخرا برفع مخصّصات المعاق إلى مئة دينار، ولكن الحكومة ماطلت وتعذّرت.
إنه مجتمع يعيش في الظل، يحتاج إلى من يسمعه ويحتضنه، فالدمج مبدأ اجتماعي وديني وإنساني نبيل.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2418 - الأحد 19 أبريل 2009م الموافق 23 ربيع الثاني 1430هـ