أعرب بيل غيتس عن سعادته لتواجده في قطر. جاء ذلك في كلمته التي ألقاها أمام المشاركين في المؤتمر الدولي الثالث لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتطوير الذي احتضنته الدوحة يوم السبت الماضي، الثامن عشر من أبريل /نيسان 2008.
وبخلاف توقعات الكثيرين ممن حضروا المؤتمر، ومن بينهم صاحبة السمو، حرم سمو أمير قطر، الشيخة موزة بنت ناصر المسند، لم يتطرق غيتس إلى التكنولوجيا، أو مشروعات شركة مايكروسوفت المستقبلية، ودورها في تطوير التقدم التكنولوجي في العالم. تحاشى غيتس الحديث عن نظام التشغيل «ويندوز»، وعوضا عن ذلك ركّز غيتس في كلمته على ما يعانيه الفقراء المحرومون من حق الوصول إلى تلك التكنولوجيا وضرورة مساعدتهم على حق استخدامها والاستفادة من تطبيقاتها، وعلى وجه الخصوص في ميدان الخدمات الصحية، منوها بجهود مؤسسته لإنقاذ ملايين الأرواح حول العالم.
واستعان غيتس في تأكيد أقواله بالاحصائيات التي رسمت صورة إيجابية فيما حققته التكنولوجيا في حياة الشعوب، قائلا إن «عدد الأطفال الذين يموتون في سن الخامسة لم يتجاوز 30 في المئة في الثمانينيات في أغني بلدان العالم مثل أميركا وأفغانستان، وفي عام 1900 تم تحقيق تقدم كبير بالعودة فوصل المعدل إلى20 في المئة بالقليل حتي تراجعت مؤخرا النسبة إلي 10 ملايين طفل في سن الخامسة. وقد تضاعف عدد المواليد في محاولة لتقليص ارتفاع معدل الوفيات كما زاد معدل الدخل بواقع 40 في المئة، ما أدى إلي تحسن كبير في مستويات المعيشة. وفي عام 1970 ارتفع معدل تعاطي الأمصال تحت سن الخامسة، وقد استخدمت الآن على نطاق واسع يصل إلى 80 في المئة وقال إنه من المستهدف أن نصل في 2025 لتقليص الرقم إلى النصف، ليصل إلى 5 ملايين فقط». وهنا أشار غيتس إلى أن شركة مايكروسوفت واحدة من أكبر المساهمين في الأعمال الخيرية في العالم.
الكثير منا يعرف بيل غيتس بأنه أغنى أغنياء العالم، وأن ثروته تراوحت بين 21 مليار دولار في العام 2001، في عز أزمة شركات تقنية المعلومات، وبين 85 مليار دولار في أوج ارتفاع سعر أسهم الشركات ذاتها. كما يعرف العالم الحرب التي دارت رحاها بين مايكروسوفت مع الاتحاد الأوروبي، وقبل ذلك مع المحاكم الأميركية بشأن «قوانين الاحتكار». حينها كانت أصابع الاتهام تشير نحو بيل غيتس على أنه النهم الذي يكدّس مليارات الدولارات من بيع منتجات مايكروسوفت، وفي المقدمة منها نظام التشغيل «ويندوز» وتطبيقات حزم «أوفيس».
ومن النوادر التي تتداول حول الأرباح التي تحققها شركة مايكروسوفت تلك التي تقول إنها تربح «بالثانية الواحدة مبلغ 250 دولار، وفي اليوم 12 مليون و600 ألف دولار».
لكن غيتس خلع في قطر قبعة مايكروسوفت وارتدى مكانها قبعة مؤسسته التي تشاركه فيها زوجته ليندا. لقد تحدّث غيتس في المؤتمر بوصفه الرئيس المساعد لمؤسسة بيل وميليندا الخيرية (Bill & Melinda Gates Foundation) والتي هي المؤسسة الخيرية التي أسسها في العام 2000 ثم تضاعف رأسمالها بعد انضمام المليادير العالمي إليها في العام 2006 . وتتمحور أهداف المؤسسة حول تعزيز الرعاية الصحية والحد من الفقر المدقع. وقدرت أملاك المؤسسة في العام 2007 بحوالي 37.6 مليار، بعد أن كانت موجوداتها لا تتجاوز 126 مليون دولار في العام 2000.
وكما هو معروف عن هذه المؤسسة، وكما جاء في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أنها «سننفق كل مواردها خلال 50 عاما من وفاة بيل وميليندا، من خلال تركيز كل مواردها في العمل في القرن21».
وكان غيتس قد أعلن في وقت سابق أنه «سيتخلى عن مهام عمله اليومية وسيركز على عمله في المؤسسة الخيرية، التي من بين أهدافها تطوير وصول التكنولوجيا للمكتبات العامة في الولايات المتحدة. كما تركز على مكافحة الأمراض، مثل الإيدز والملاريا والسل».
ويقترب غيتس في شخصيته الإنسانية من شخصية روبن هود (Robin Hood)، تلك الشخصية الإنجليزية، التي شاعت قصصها في القرن الثالث عشر الميلادي، والتي تعكس صورة فارس مقدام، يتحدى القوانين ويبدو وكأنه خارج عليها، لكنه في حقيقة الأمر فارس نبيل يوزع بيمناه على الفقراء المحتاجين، ما تنتشله يسراه من أموال المتخمين من الأثرياء الذين، كان يرى فيهم روبن هود الجشع واللامساوة.
لقد تحوّل روبن هود إلى أسطورة ترسم معالم العدالة التي كانت مفقودة حينها، والتي تقوم على «سلب» و»سرقة» الأغنياء وإطعام الفقراء. لذا أسس غيتس مع زوجته ميليندا هذه الشركة، التي لا تسلب الأغنياء، بقدر ما هي تطرح النموذج الصحيح أمامهم، والذي يشجعهم اليوم، على تخصيص نسبة، ربما تكون ضئيلة، مقارنة مع ما تحققه شركاتهم من أرباح يجري إعادة توزيعها على المحتاجين، دولا كانوا أم مؤسسات.
وغيتس وزوجته ليسا الوحيدين في هذا الاتجاه الخيري في الغرب، فقد سبقهما إليها غوردون مور وزوجته بيتي. ومور بالإضافة إلى كونه مؤسس شركة «إنتل» العملاقة، هو الرجل الذي يقف خلف «قانون مور» الذي تنبأ في العام 1965 «بتضاعف عدد الأدوات الإلكترونية البالغة الصغر، والتي تعرف بالترانزستور مرة كل 12 شهرا». وقد تبرّع مور وزوجته في العام2000 بما يقارب «نصف حصته في انتل إلى مؤسسة غوردون وبيتي مور التي يبلغ حجمها 5 مليارات دولار لتمويل مشروعات ذات علاقة بالبيئة».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2418 - الأحد 19 أبريل 2009م الموافق 23 ربيع الثاني 1430هـ