يوديت نيورينك صَحافيّة هولندية بارعة. كَتَبَت سِفْراً غاية في الأهميّة. «الشُّهداء الضَّالّون» هذا هو اسم كتابها الذي يحكي قصّة منظمة مجاهدي خَلْق الإيرانية المعارضة برصد تحقيقي مُحكَم. الكتاب صّادر عن منشورات الجمل وترجمه إلى العربية عوف عبدالرحمن عبدالله وهو أكاديمي كُردي وصحافي ترجَم العديد من الكتب الأجنبية إلى اللغة العربية.
الكتاب يقع في 394 صفحة من الحجم المتوسّط، ويضم عشرة فصول، تتحدّث جميعها عن بدايات تأسيس منظمة مجاهدي خلق (سازمان مجاهدين خلق إيران) ومشوارها في الصراع مع حكومة الثورة الإسلامية، ثم نشاطها السياسي والعسكري خارج إيران، وقراءة في يوميات منتسبيها وآلية التفكير والتنفيذ القاسية التي تفرضها المنظمة على أعضائها.
في حقيقة الأمر، فإنني ومن خلال متابعتي للشأن الدولي وبالتحديد شئون المنطقة، فإنني حاولت ومنذ زَمَن أن ألجأ إلى العديد من الدراسات التي تحدّثت عن منظمة خَلق الإيرانية، ومن أهمها ما كتبه «جزئياً» إحسان نراقي في كتابه «من بلاط الشاه إلى سجون الثورة» فضلاً عن متابعة أدبياتهم المنشورة في أجهزتهم الإعلامية، وخصوصاً المقروء منها بالتحديد.
كثيرٌ مما كُتِب كان اجتراراً لنمنمات سابقة قِيْلَت في مواضع مختلفة. لكن ما كتبته يوديت نيورينك مثَّل مخزوناً مهماً من المعلومات حول هذه المنظمة التي ارتبط مشروعها السياسي والعسكري بمناهضة نظام الثورة. فنيورينك اعتمدت على شهادات منتسبين سابقين بالمنظمة، وعلى وثائق مُتَاحَة، ولقاءات وزيارات خارجيّة قامت بها في سبيل إتمام عملها.
وللعِلم فإن الكتاب مُنِعَ من دخول الجمهورية الإسلامية، رغم أن الحكومة الإيرانية لم تَمنَع يوديت نيورينك في العام 2004 من دخول إيران والالتقاء بأشخاص كانوا منتسبين إلى منظمة مجاهدي خلق بعضهم مازالوا في السجون. وحسب إفادة هذه الصحافيّة الهولندية فإن ذلك كان يجري دون وجود أيٍّ من ضبّاط جهاز الأمن الإيراني أو أيّ جهاز حكومي آخر.
لكن وفي نفس الوقت لا يُعَدّ الكتاب تسويقاً لصالح نظام الحكم في طهران مُطلقاً رغم حديثه عن منظمة خلق وانتقاده لها بطريقة لاذعة. وخصوصاً أنه (أي الكتاب) يُوجّه انتقادات «تاريخية» حادّة للثورة الإسلامية في إيران، ليس كرأي من الكاتبة، وإنما بعرضها التاريخي المبني على شهادات أولئك الخارجين عن المنظمة واختيارهم العيش في إيران.
باعتقادي فإن أهم الأفكار التي تدور حولها الأحداث والقراءات في الكتاب تحوّل منظمة مجاهدي خلق إلى «طائفة» لها معبودها وكتابها المقدّس وثقافتها الخاصة. المعبود هو زعيمها مسعود رَجَوي، وكتابها المقدّس هو أعمال ذلك الزعيم وخطاباته، وثقافتها هي إنتاج أقصى درجات البُغض والحقد للتجربة الإيرانية ولزعاماتها، والانتقام لضحاياها منذ الثورة.
وربما تعود المشكلة في ذلك كما أتصور إلى أمرين. الأول: هو التزاوج الغريب والمتنافر ما بين الفكر الماركسي والدين الإسلامي. فالمنظمة التي بدأت غارقة في الشيوعية انتهت إلى مزج ذلك بالدين الإسلامي، وبالتحديد استدعاء صرامته في النظام القِيمي الأخلاقي وموضوع الظلم/ العدل، ثم العيش على تينَك الأرجوحتين بشكل غريب وغير متناسب بالمرّة.
الأمر الثاني، هو تحوّل مشروع المنظمة وبسبب الظروف الإقليمية والدولية وكأنها تمارس السياسة ومُوجباتها في بقعة ما بالصحراء. فعدم تحقيقها لأهدافها والمتلخّصة في إسقاط حكومة الثورة وفي سبيل إبقاء تلك الروح حاضرة بين منتسبيها قادها لأن تُنتج ذاتها بطريقة لا تتناسب لا مع القومية الإيرانية ولا مع إيجاد حياة مدنية ناجزة لأعضائها.
ففي سبيل أن تبقى محاذية لمعركتها مع حكومة الجمهورية الإسلامية اختارت التحالف مع نظام صدام حسين وهو في أوج صراعه العسكري المفتوح معها خلال الحرب العراقية الإيرانية. وقد تسببت الأحداث المُصاحِبة للحرب، وخصوصاً تقديم المنظمة لقيادة الأركان العراقية حينها معلومات عن أماكن تواجد قوات الحرس الثوري وقيام الجيش العراقي لاحقاً بإبادتهم بالغاز السّام إلى تدهور تنظيمي بين الأعضاء الذين اعتبروا ذلك خيانة في حق الوطن. (راجع ص 58).
أما الحديث عن غياب حياة مدنية بين أعضاء المنظمة (وهو الأهم) فهو أمر قد لا تجده حتى في الأفلام. ففي سبيل إبقاء قيادة المنظمة كافة الأعضاء في معادلة «عدم التفكير» في أيّ شيء آخر إلاّ المعركة ومعبوداتها الثلاثة، فقد أصبحت العوائل مُلزَمة بتقديم أطفالها حديثي الولادة إلى جهاز خاص بالمنظمة يقوم بعزلهم في بيوتات خاصة وبين مُربيّات يعمَلن خصيصاً لذلك. وعندما يكبر الأبناء المعزولون تبدأ العملية مرة أخرى، وهي الهَوَس بأدبيات المنظمة.
كانت مقاسات الزمن بالنسبة لهؤلاء الأطفال قاسية. فبالرغم من أنهم بعيدون عن آبائهم وأمهاتهم، إلاّ أن قيادة المنظمة فرضت عليهم ثقافة عسكرية «مَنْ سيفعل ماذا ومتى سيفعله؟ كما أن مواعيد وجبات الطعام مُحدّدة وكذلك الوقت المسموح به للتفرج على محطة تلفزيون مجاهدي خلق، ومتى بإمكانهم ممارسة الألعاب الرياضية» (راجع ص 21).
لقد أدّت تلك السياسة والتي صاحبتها أيضاً تعليمات صارمة بعدم ممارسة الجنس إلى تصدّع النظام القِيمي للمنتسبين بعد تفشّي حالات الاغتصاب الذكوري/ الذكوري. بل إن المنظمة أحالت إلى الأفراد مهمّة الدفاع عن أنفسهم عندما يتعرضون لمحاولة اغتصاب من أعضاء آخرين. كانت تلك عبارة عن «رجال يبحثون عن متنفّس لحاجاتهم الجنسية».
لقد قَضَت المنظمة (فضلاً عن ذلك) عن أيّ فرص للعلاقات الإنسانية العاطفية. وبات شاب من شباب المنظمة يُدعَى ياسر عزّتي يقبع في أحد سجون المنظمة في حين أن سجّانه المباشر هو أبوه حسن عزّتي. وكان الأبوان يتصدَّيان لأبنائهما عند أيّ انتقاد يُوجّهونه لقيادة المنظمة، وكان الأخ يقف بالمرصاد لأخيه، والزّوج لزوجته والعكس. وهكذا باتت المنظمة كالثكنة.
لقد أدّت تلك السياسات إلى وجود شعور أن ما يجري هو «ضد منطق الأشياء». وقد أسفرت تلك التعليمات إلى تفسّخ على أعلى المستويات داخل المنظمة، وبالخصوص مشروع فسوخات الزواج الذي أعقب خسارة المنظمة في عمليات الضياء الخالد ضد الجيش الإيراني وما تمّ بين مسعود رجوي وزجته مريم والثورة الأيدلوجية، وهو الأمر الذي قاد إلى انشقاق بين أوساط المنظمة، من بينهم قريبين وقريبات للقيادة (انشقاق رابي أخت زوجة رجوي).
بالتأكيد فإن الحالة التي وصلت إليها منظمة خلق هي ظاهرة باتت العديد من المنظمات والجماعات والأحزاب المعارِضة لأنظمة سياسية متورّطة في ذات النتائج. فمشروع المعارضات السياسية، وعندما يأخذ مساراً غاية في التطرف، فإنه يُصبح لاحقاً خطراً على ذاته وعلى لحمه. فاعتماد السقوف العالية، والاستغراق خارج الواقع لا يُنتج أبداً حياة سياسية.
وكم هي الجماعات التي تحوّلت إلى أشبه ما تكون بالممالك أو البيوتات السياسية، وبدأت في الالتفات إلى قيم حزبية جديدة لكي تستطيع من خلالها مجاراة متطلباتها الخاصة بعيداً عن مشروعها الأم. وربما لا ينحصر ذلك على جماعات عالمنا العربي والإسلامي، وإنما حتى داخل جماعات وثنية، وأخرى مسيحية، بل وحتى جماعات الجريمة المنظمة في أميركا اللاتينية.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2957 - الأحد 10 أكتوبر 2010م الموافق 02 ذي القعدة 1431هـ
مجاهدي خلق والشيعة
من خلال قراءة التعقيبات على مقال الكاتب جرى التركيز على ان مجاهدي خلق الايرانية وكأن شغلها الشاغل قتل الشيعة يا اخوان انا من الطائفة الشيعبة واختلف مع تاويلاتكم التي لا تستند الى حقائق وسواء اختلفنا ام اتفقنا على المنهج الذي اتبعته وانا من الناس الذين يختلفون مع اسلوبها ومنهجها وحتى فكرها الا انني اود ان اقول لكم ان معظم اعضاء هذا التنظيم من الشيعة وهناك من هم ابناء لرجال دين معروفين فارجوا منكم القراءة والتمحيص في تاريخ هذه الجماعة لكي تدلوا بدلوكم في شانها
وأكثر
في الجنوب كانت هذه المنظمة تبث مجموعاتها المكونة من ثلاثة اشخاص لرصد تحركات الشيعة واعطاء الجيش العراقي كافة المعلومات حولهم وقد ادى ذلك إلى إعدام الالاف من الأبرياء بعد وشاية هذه المنظمة الإرهابية بهم
معلومات اضافية
فيما يتعلق بمنظمة خلق الارهابية فانها لم تتورط فقط في قتل الشيعة في جنوب العراق بل انها قتل الأكراد بعد إخراج صدام من الكويت وفي إحدى المعارك كان الاكراد فد فقدوا 1000 قتيل في منطقة الشمال كما ان هذه المنظمة كانت تقيم مناطق تفتيش في منطقة ديالى القريبة من معسكر اشرف
شكر على المعلومات
اخى الكاتب تعيرنى الكتاب افراه والرجعه اليكاو ارشدنا على موقع يمكن الاطلاع عليه فان ما كتبت لايشفى الغليل
الارهابيين
هذه المنظمة الارهابية ساهمت في قتل الألاف من العراقيين خلال الانتفاضة الشعبانية الباسلة
مقالك
شكرا لبو عبدالله على هذا المقال واتمنى منه المزيد للفائدة