وتبقى فلسطين المحتلة أمّ القضايا العربية والإسلامية، ويحاول العدوّ في هذه المرحلة بالذات، تضييق الخناق على هذه القضية، معتمداً كلّ أساليب الإرهاب والتهويد والتهويل والاستباحة.
وما نشهده في هذه الأيام بالذات، تكرارٌ من الصهاينة لأساليبهم العدوانية والوحشية، في إحراق المساجد في فلسطين المحتلة، كما فعلوا بمسجد الأنبياء في بيت لحم، الذي أحرقوه وانتهكوا حرمته، إلى جانب إحراقهم لنسخ من القرآن الكريم، فيما يتلهى العرب بمشاكلهم، ويغطّ المسلمون في سبات عميق أمام خطر العدوّ، بينما يشحذون السكاكين للفتنة الداخلية لتهيئة مناخات الفتنة المذهبية في أكثر من موقع.
هذا إلى جانب القصف المتكرر على غزة، وما ينتجه من قتل ودمار، والتصرّفات المخزية مع الأسرى في السجون، على النحو الذي ظهر في شريط مسجَّل مؤخَّراً، في إساءة من الجندي الصهيوني مع سجينة فلسطينية، وهي أنموذج للوحشية الصهيونية... كلّ ذلك فوق نار المفاوضات الهادئة، أو على هدير جرّافات المستوطنين التي تستبيح المزيد من الأراضي، فيما يتحدّث العدوّ مجدّداً عن ملهاة التجميد لعملية الاستيطان، لتستمرّ اللعبة الدولية التي تراقبها الأنظمة العربية، فتتبرّع بتأييدها، أو توحي للفلسطينيين بضرورة الانضباط عند شروطها ومعطياتها... إنَّ الحرب على فلسطين قد دخلت في آخر المراحل، ولذلك فإنَّ إشاعة مناخات الفتنة في البلدان والمواقع المحيطة بها، هي الشرارات التي يُراد لها أن تسمح بتمرير السيطرة على القدس وكل تاريخ فلسطين، على وقع الفتن المتنقلة هنا وهناك.
وإلى جانب ذلك، تتوالى الأخبار حول تحذيرات متواصلة من الإدارات الغربية المتعدّدة حول تفجيرات قد تقع في هذه الدولة الأوروبية أو تلك الأميركية، ليتقدَّم عنوان «الإرهاب الإسلامي» إلى الواجهة الإعلامية والسياسية الغربية، في سياق خطة مدروسة للتخويف من الإسلام، ولتطويق حركة الهجرة العربية أو الإسلامية باتجاه هذه الدول، ولتقديم الإسلام كهاجس أمنيٍّ يؤرق الغربيين دائماً...
إننا في الوقت الذي نرفض فيه أيَّ اعتداء على الآمنين، أو على وسائل النقل والنظام العام في البلدان الغربية وغيرها، ونعتبر ذلك حكماً شرعياً، نرفض زجّ اسم الإسلام في ذلك أو التخويف منه، أو القيام بحملات عنصريّة تستهدف المسلمين في بلاد الغرب، تحت هذه الحجج والذرائع التي باتت مكشوفةً ومعروفة الأهداف والغايات...
وبموازاة ذلك، نلتقي في هذه الأيام بذكرى حرب تشرين (أكتوبر)، التي أطلقت إشارةً حاسمةً في إمكانية قهر العدوّ، على الرّغم من سعي الكثيرين لجعلها تجربةً محدودة، أو لمنعها من أن تكتمل وتصل إلى نتائجها الكبيرة، وقد أظهرت وثائق هذه الحرب التي نشرتها وسائل إعلام العدوّ مؤخّراً، مدى الخوف الذي هزّ الصهاينة وكيان العدوّ عند انكسار جيشهم، وكيف صرخ وزير حرب العدوّ يومها، موشيه دايان، قائلاً: إنّهم يريدون القضاء على اليهود...
إننا نريد لهذه الذكرى التي يتحدّث العدوّ عن مرارتها، ويربطها بإخفاقاته اللاحقة في لبنان، وخصوصاً حرب تمّوز (يوليو)، أن تبقى في الذاكرة علّها تعيد الثقة للحكومات والجيوش العربية أن بالإمكان أن يُهزم الجيش الصهيوني، فكيف إذا تلاحمت الجيوش والحكومات مع المقاومة التي تتوق الشعوب العربية والإسلامية للمشاركة فيها.
أمّا الإدارة الأميركية التي تتباكى في هذه الأيّام على لبنان، وتدعو سورية إلى احترام سيادته، فهي لا تنبس ببنت شفة حول الانتهاكات الصهيونية اليومية لهذه السيادة، وهي التي كانت ولا تزال تتدخّل في الشؤون اللبنانية الداخلية، وفي التفاصيل السياسية والانتخابية، وليست زيارة نائب الرئيس الأميركي «بايدن» إلى لبنان، وما جرى خلالها، ببعيدة عن أذهان اللبنانيين، ولذلك ننصح المتباكين وذارفي دموع السيادة على أبواب زيارة الرئيس الإيراني للبنان، أن ينظروا إلى الواقع بعيون مفتوحة، بعيدة عن كل العناوين الطائفية والمذهبية والخلفيات السياسية، ليبصروا مدى حرص إيران وسورية على سيادة لبنان وقوته ومنعته، وأن لا يبقى الحديث حديث السلبيات دون الإيجابيات، فيما يعمل العدوّ بالتعاون مع أميركا لهتك هذه السيادة وإضعافها...
إننا نقول للبنانيين: لقد دخل لبنان في المرحلة الصعبة والخطرة، بفعل الخطة الدولية الساعية لاستخدامه كورقة في الصفقات الدولية والإقليمية التي تسعى الإدارة الأميركية لعقدها مع أكثر من محور في المنطقة، والتي تعمل من خلالها لسحب كلِّ عناصر القوَّة والممانعة من أيدي العرب والمسلمين، وخصوصاً سلاح المقاومة في لبنان، حيث يُراد أن يسقط الأمن اللبناني العربي كثمرة ناضجة بيد أميركا والعدوّ، لحساب «يهودية الدولة» التي يعمل المبعوث الأميركي على الوصول إليها من نافذة المفاوضات المباشرة.
ولذلك، فإنَّ المطلوب هو الدفع بحركة لبنانية ميدانية وسياسية واعية، لإغلاق المنافذ على الخطة الأميركية الداعمة للعدوّ الصهيوني. وعلى اللبنانيين أن يأخذوا بزمام المبادرة، لتعطيل اللغم الكبير الذي قد ينفجر من خلال نتائج المحكمة الدولية، وبالتالي، لا بدَّ من الانتقال من مرحلة التراشق الكلامي، إلى مرحلة العمل الجدّي والسريع من أجل إزالة الالتباسات المطروحة، سواء من خلال شهود الزور أو من خلال دخول العدوّ الصهيوني على خط الاغتيال، أو تسييس المحكمة وقراراتها، ليكون الصوت بعد ذلك واحداً في ضرورة كشف حقيقة الاغتيالات التي حصلت في لبنان، والتحرك قبل أن تداهمنا ظروف المنطقة ومعطيات الخطة الاستكبارية الدولية، فيسقط الهيكل اللبناني على رؤوس الجميع، ويقع الوطن في قبضة الاغتيال والملاحقة والمصادرة.
أيها المسئولون: أشعروا اللبنانيين بأنكم جادون في بناء وطن يشعر فيه الإنسان بأمنه واستقراره ومستقبل أولاده، وأنكم تمثلونه في كل مواقفكم النيابية والوزارية وفي مجالسكم... أزيلوا من داخله الخوف على مستقبله ومصيره عندما يراكم وأنتم جادون بالعمل من أجله.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد حسين فضل الله"العدد 2955 - الجمعة 08 أكتوبر 2010م الموافق 29 شوال 1431هـ