رحل جد ابن خلدون بعد وقت من إصابته بحال من القنوط من السياسة فلجأ إلى الزهد والتعبد لكنه، كما نفهم من كتاب «التعريف» لم يقطع صلته بالسلطة إذ بقي السلطان يستشيره ويأخذ برأيه في القضايا الكبيرة. ويبدو أن المرحلة الأخيرة من حياة الجد انعكست بثقلها على ابنه محمد أبو بكر والد ابن خلدون إذ نزعه «عن طريقة السيف والخدمة، إلى طريقة العلم والرباط»، فنشأ في حجر الفقيه الكبير وصاحب الفتيا وطرق الولاية أبو عبدالله الزبيدي فقرأ عليه وتفقه ودرس العربية وفنون الشعر.
في فضاء العلم والفقه نشأ عبدالرحمن وتربى في حجر والده فقرأ القرآن الكريم على أبو عبدالله محمد بن سعد بن بُرَّال الأنصاري و«كان إماماً في القراءات» فحفظه على القراءات السبع وحفظه «أفراداً وجمعاً في إحدى وعشرين ختمة، ثم جمعتها في ختمة واحدة أخرى» ثم عاد وقرأه «برواية يعقوب ختمة واحدة جمعاً بين الروايتين عنه». وعرض عليه قصيدتي اللامية في القراءات والرائية في الرسم للشاطبي. وقرأ كتاب التقصي لأحاديث الموطأ لابن عبدالبر. ودرس كتاب التسهيل لابن مالك ومختصر ابن الحاجب في الفقه وتعلم كتابة العربية على يد والده، وإمام النحو الشيخ أبو عبدالله بن العربي الحصايري، وأبو عبدالله محمد بن الشواش الزرزالي، وأبو العباس أحمد بن القصار. ولازم مجلس إمام العربية والأدب وعلوم اللسان أبو عبدالله محمد بن بحر. وحفظ الشعر من كتاب الأشعار الستة، والحماسة للأعلم، وشعر حبيب، وطائفة من شعر المتنبي ومن أشعار كتاب الأغاني. ولازم مجلس إمام المحدثين وصاحب الرحلتين شمس الدين أبي عبدالله بن جابر بن سلطان القيسي الوداياشي وسمع منه كتاب مسلم بن الحجاج وكتاب الموطأ وبعضاً من الأمهات الخمس و«ناولني كتباً كثيرة في العربية والفقه» (التعريف، ص 458) وأجازه إجازة عامة. ثم أخذ الفقه في تونس عن جماعة منهم أبو عبدالله بن عبدالله الجياني وأبو القاسم محمد القصير فقرأ كتاب التهذيب لأبي سعيد البرادعي ومختصر المدونة وكتاب المالكية. وحضر مع شقيقه محمد مجلس قاضي الجماعة الشيخ أبو عبدالله بن عبدالسلام وغيره من مشيخة تونس وكلهم ماتوا «في الطاعون الجارف».
قدم إلى تونس عندما ملك «السلطان أبي الحسن إفريقيا» سنة 748 هجرية (1347م) جماعة من أهل العلم فأخذ ابن خلدون يتردد على مجالسهم منهم شيخ الفتيا وإمام المالكية في المغرب أبو عبدالله محمد بن سليمان السطي، وكاتب السلطان وإمام المحدثين والنحاة في المغرب أبو محمد بن عبدالمهيمن الحضرمي فأخذ عنه سماعاً وإجازة الأمهات الست وكتاب الموطأ والسير لابن اسحق وكتاب ابن صلاح في الحديث و«كتباً كثيرة شذت عن حفظي» (التعريف، ص 458). وعاد عبدالرحمن وقرأ القرآن الكريم بالجمع الكبير بين القراءات السبع على إمام المقرئين في المغرب الشيخ أبو العباس أحمد الزواوي و«سمعت عليه عدة كتب وأجازني بالإجازة العامة» (التعريف، ص 459)
إلى هؤلاء درس العلوم العقلية بإشراف أستاذه الذي سيترك عليه تأثيراً بالغاً أبو عبدالله محمد بن إبراهيم الأبلي. وكان الأبلي قدم إلى تونس مع السلطان أبو الحسن و«نظمه في حملة العلماء بمجلسه» فلزمه صاحب المقدمة وأخذ عنه الأصلين والمنطق وسائر الفنون الحكمية والتعليمية وشهد له «بالتبريز في ذلك». (التعريف، ص 459). وأخذ البلاغة والشعر والخطابة و«فقه الوثائق» والخط على يد أبو القاسم عبدالله بن يوسف بن رضوان المالقي.
هكذا عاش ابن خلدون في فضاء ثري من مجالس العلوم والفقه واللغة بفضل علاقات والده واهتمامه بالمعرفة والثقافة إلى صلته بالسلطة واشتغاله بالسياسة. وظل الأمر كذلك إلى أن كانت واقعة القيروان في سنة 749 هجرية (1348م) فثار أهل تونس فهرب الشيخ أبو محمد عبدالمهيمن ولجأ إلى بيت والد ابن خلدون و«أقام مختفياً عندنا نحواً من ثلاثة أشهر» (التعريف، ص 462) إلى أن نجا السلطان وعاد إلى تونس و«خرج عبدالمهيمن من الاختفاء، وأعاده السلطان إلى ما كان عليه من وظيفة العلامة والكتابة» (التعريف، ص 462).
يذكر ابن خلدون تفاصيل حياة ستة أساتذة وهم ابنا إمام مساجد برشك أبو زيد عبدالرحمن وأبو موسى عيسى. والسطي محمد بن علي بن سليمان من قبيلة سطة من بطون أوربة في نواحي فاس. وأستاذه في العلوم العقلية الأبلي محمد بن إبراهيم من تلسمان وأصله من جالية الأندلس من أهل أبلة. وهناك الكثير من القصص عن الأستاذ الأخير (الأبلي) ودوره في التأثير عليه ورحلات الأبلي إلى مصر والشام والعراق وزيارته كربلاء واتصالاته بكبار «فرسان المعقول والمنقول» في الديار المصرية (التعريف، ص 466). وحصلت بينه وبين والد صاحب المقدمة صداقة بعد قدومه مع السلطان إلى تونس «فلزمت مجلسه وأخذت عنه. وافتتحت العلوم العقلية بالتعاليم. ثم قرأت المنطق وما بعده من الأصلين وعلوم الحكمة» (التعريف، ص 467). وكاتب السلطان عبدالمهيمن (أصله من سبتة وكان أبوه قاضيها أيام بني العزفي). وابن رضوان (أبو القاسم عبدالله بن يوسف بن رضوان النجاري أصله من الأندلس ونشأ في مالقة وأخذ عن مشيختها) وحذق «في العربية والأدب وتفنن في العلوم ونظم ونثر. وكان مجيداً في الترسيل ومحسناً في كتابة الوثائق» (التعريف، ص 468).
يأتي ابن خلدون على أسماء كثيرة «من فضلاء المغرب وأعيانه» كانت تشارك في مجلس السلطان أبو الحسن في تونس، التي برزت لاحقاً، مثل الفقيه أبو عبدالله محمد بن محمد بن الصباغ (من أهل مكناسة) والقاضي أبو عبدالله محمد بن النور (من أعمال ندرومة) وشيخ التعاليم أبو عبدالله محمد بن النجار (من أهل تلمسان) وأستاذ اللسان والأدب والعلوم العقلية من الفلسفة والطب والتعاليم وغيرها أبو العباس أحمد بن شعيب (من أهل فاس) والخطيب أبو عبدالله بن أحمد بن مرزوق (من أهل تلمسان).
تنبه ابن خلدون أنه أطال الحديث عن أساتذته ومعارف والده وشيوخ وعلماء مجلس السلطان أبو الحسن فتوقف عن الاسترسال وعاد ليكتب أخبار قصة حياته منوهاً أن كثيرين من هؤلاء جرفهم الطاعون في تونس (سنة 749 هجرية) ومن عاش عاد وغرق جماعة منهم في أساطيل السلطان أبو الحسن عندما حاول استعادة ملكه في المغرب، بعد ورود أخبار عن استيلاء ابنه أبو عنان على فاس ومحاولة تنظيم انقلاب عليه. وركب من تونس سنة 750 هجرية و«مر ببجاية، فأدركه الغرق في سواحلها، فغرقت أساطيله وغرق أهله وأكثر من كان معه من هؤلاء الفضلاء وغيرهم» (التعريف، ص 464).
لماذا استفاض ابن خلدون في شرح علومه ومعارفه ودروسه وثقافته واطلاعاته؟ ولماذا تعمد تدوين ترجمات أساتذته وشيوخه وأهل الفضل والعلم في «التعريف» الذي كتبه في القاهرة؟ هل كان يرد على حملة اتهامات ضده تقلل من علومه ودراساته؟ هل كان يرد على اتهامات تقول إنه يعرف العلوم العقلية لكنه ضعيف في علوم القرآن والفقه؟ هل سرد كل تلك المعلومات ووثقها ليؤكد أنه سليل «أهل نسب» وبيت علم وسياسة وحضر مجالس السلاطين وشارك والده في سهرات ضمت أشهر العلماء والفقهاء والرجال؟
أسئلة مؤجلة ليس سهلاً الإجابة عنها قبل استكمال حياته وأعماله. فقراءة أخباره عن تحصيله العلمي في كتاب السيرة (التعريف) تظهره في غاية السعادة والسرور بينما أفكاره عن أساليب التربية والتعليم في «المقدمة» تظهره غير مرتاح وعنده الكثير من الملاحظات السلبية إلى بعض الاقتراحات الإصلاحية لتعديل مناهج التثقيف والدراسة. وجرياً على عادته لا يكشف ابن خلدون عن مشاعره الخاصة في كتاب «التعريف» لأنه حاول أن يحتفظ بمسافة بين شخصه وحياته. ونستطيع أن نستدل على مشاعره النفسية من خلال تحليلاته الفكرية في كتاب «المقدمة». فنظرياته عن مناهج التربية والتعليم تعكس انزعاج الشاب الصغير من كثرة الحشو والضغط النفسي الذي يفوق قدرة طفل ينمو على الاستيعاب والحفظ، إذ يقول في فصل «في وجه الصواب في تعليم العلوم وطرق إفادته» الآتي: «أعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً، إذا كان على التدريج، شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً، يلقى عليه أولاً مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب. ويقرب له في شرحها على سبيل الإجمال ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يورد عليه، حتى ينتهي إلى آخر الفن...». ويقترح طريقة لإصلاح أسلوب التعليم بإعادة قراءة المسائل «في ثلاث تكرارات». وينتقد الطرق المتبعة في عهده إذ «يحضرون للمتعلم في أول تعليمه المسائل المقفلة من العلم ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها (...) فيخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها وقبل أن يستعد لفهمها...». ويكرر رأيه أن «قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجياً. ويكون المتعلم أول الأمر عاجزاً عن الفهم بالجملة إلا في الأقل وعلى سبيل التقريب والإجمال وبالأمثال الحسية». كذلك ينبغي «ألا تطول على المتعلم في الفن الواحد والكتاب الواحد بتقطيع المجالس وتفريق ما بينها، لأنه ذريعة إلى النسيان وانقطاع مسائل الفن بعضها من بعض، فيعسر حصول الملكة بتفريقها». ويقترح «أن لا يخلط على المتعلم علمان معاً، فإنه حينئذ قل أن يظفر بواحد منهما (...) ويعود منهما بالخيبة» (المقدمة، صفحة 618 – 619).
بعد أن يقدم ابن خلدون معلومات مهمة عن اختلاف طرق التعليم ومناهج التدريس بين أهل المغرب وإفريقيا (تونس) والمشرق والأندلس ويشرح طريقة القاضي أبو بكر بن العربي في التعليم والتدريس كما وردت في كتاب رحلته، يعود إلى توجيه ملاحظات قاسية على الأساليب المعتمدة في فصل «في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم». ويذكر الآتي «أن إرهاف الحد في التعليم مضر بالمتعلم، سيما في أصاغر الولد، لأنه من سوء الملكة. ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقاً، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله (...) فارتكس وعاد في أسفل السافلين» (المقدمة، ص 625 – 626). فابن خلدون يرى أن البشر «يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلونه به من المذاهب والفضائل: تارة علماً وتعليماً وإلقاء، وتارة محاكاة وتلقيناً بالمباشرة» لذلك يفضل تعدد الطرق والأساليب وتنوع المعلمين لأن لقاء «أهل العلوم وتعدد المشايخ، يفيده تمييز الاصطلاحات، بما يراه من اختلاف طرقهم فيها، فيجرد العلم عنها ويعلم أنها أنحاء تعليم وطرق توصيل. وتنهض قواه إلى الرسوخ والاستحكام في الملكات» (المقدمة، ص 627).
تكشف تحليلات ابن خلدون لمناهج التعليم وملاحظاته على طرق التدريس والتلقين في «المقدمة» عن انزعاج الطفل والشاب الصغير من الأسلوب الذي عاشه بإشراف والده في فضاء العلماء والفقهاء ومجالس كبار رجال الدولة والسياسة والأدب. لكنه لا يخفي استفادته من تنوع أساتذته وتعدد مشايخه وتعرفه على اختلاف أساليبهم الأمر الذي جعله يطلع باكراً على استخدامات مصطلحاتهم ومفرداتهم.
تبقى المشكلة الأساسية وهي أن الطفل عبدالرحمن لم يعش طفولة عادية إذ دخل عالم السياسة والفكر وهو يافع في بيت والده وكان ينتقل معه إلى مجالس السلطان ليتعلم عادة الاستماع والمشاهدة والاتصال بعلية القوم وكبار رجال العصر. ويبدو أن الجانب الأخير (الاتصال والتعارف) أفاد عبدالرحمن الشاب كثيراً لكنه أضره نفسياً لأنه لم يتدرج في العلوم «شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً» كما ذكر مراراً.
لا يعكس ابن خلدون (العجوز الآن) هذه المسألة في كتاب «التعريف» ولا يشير إلى هذه النقطة لا سلباً ولا إيجاباً، ويكتفي بسرد عشرات الكتب اطلع عليها وتسمية عشرات الشيوخ والأساتذة تتلمذ عليهم من دون أن يقول رأيه الحقيقي بهم. وما تجاهله في «التعريف» لم يهمله نظرياً في تحليلاته الفكرية عندما كتب الرجل الشاب مقدمته الشهيرة، إذ أوضح موقفه من التعليم جملة وتفصيلاً. ويمكن التقاط مفارقة شخصية في حياة صاحب المقدمة. فهو عرف بحدة ذاكرته التي أسعفته في تسجيل حوادث التاريخ، لكنه أيضاً عرف بضعف حافظته وهي التي خانته عند تسلم منصب قضاء المالكية في مصر. فالقاضي يحتاج إلى حافظة قوية تساعده على الرد على الأسئلة والمسائل ولا تكفي الذاكرة في الحقل المذكور. وربما يفسر الأمر اضطراب حياته المهنية.
ليس بالضرورة أن يكون كلامه في المقدمة يعكس رأيه للطريقة التي تعرض لها في التعليم والتلقين لكنه الكلام الوحيد المتوافر لدينا لقراءة التفاعلات النفسية لمرحلة طفولته من خلال استنتاج المسائل الضمنية التي أتى على ذكرها في سياق تحليلي منهجي وبعيداً عن المشاعر الشخصية التي تكونت في داخله في تلك اللحظات الصعبة والمضنية في طفولته ونضجه المبكر. فهل تعرض عبدالرحمن إلى ضغوط نفسية وربما الضرب لتلقينه وتحفيظه؟ سؤال لا جواب محدداً عنه.
إلا أن نضج الطفل الصغير المبكر فكرياً لم يسعفه كثيراً في شبابه إذ أصيب بنكسة كبيرة في لحظة دقيقة وحساسة في تطوره. فمات والده وهو في أمس الحاجة إليه وهو أمر شكل له صدمة نفسية كان من الصعب أن يتحملها بسهولة فأخذت تتقاذفه الأقدار من مكان لآخر. فوالد عبدالرحمن ليس عادياً فهو يجمع السياسة إلى العلم، ورجل الدولة إلى طالب الدين، ويتميز بعلاقات رفيعة المستوى وعلى صلة يومية بالسلطان ومجالسه ورجال الفقه والأدب والمنطق والفلسفة. ووالده لم يكتف بتربيته تربية عادية تقوم على تأمين الرزق والمعاش كما هو حال معظم الآباء بل أشرف شخصياً على تعليم أولاده وتلقينهم مبادئ العربية وحفظ القرآن. فهو أب وأستاذ في الآن وهو صاحب «الجاه الضائع» وصديق صاحب الجاه (السلطان). ولابد أن غياب والد من هذا الصنف، والولد في سن الشباب المبكر، سيترك أثره الدفين في داخل الابن وسيدفعه إلى بذل المزيد من الجهد لتعبئة الفراغ وأخذ القرارات بمفرده ومن دون اعتماد على الأكبر سناً.
الغريب أن ابن خلدون لا يبالغ كثيراً في مدح والده فهو يتحدث عنه في الكثير من المواضع بصفته صاحب البيت الذي يستقبل كبار الرجال من علماء وفقهاء وساسة. كذلك عندما توفي أشار إليه إشارات سريعة وكأنه يريد أن يخفي ألماً داخلياً بسبب حرمانه من طفولة عادية يحلم بها كل طفل كاللعب مع أصحابه وجيرانه. فابن خلدون لم يعرف اللهو والتسلية في طفولته وهو أمر حاول تعويضه عندما بلغ سن الشباب والرجولة.
يأتي ابن خلدون على صدمة وفاة والده في سياق حديثه عن نفسه وعلومه وكأن الأب في ذهن الطفل هو أستاذ من أساتذته حين يقول: «لم أزل منذ نشأت وناهزت مكباً على تحصيل العلم، حريصاً على اقتناء الفضائل، متنقلاً بين دروس العلم وحلقاته، إلى أن كان الطاعون الجارف، وذهب بالأعيان والصدور وجميع المشيخة وهلك أبواي، رحمهما الله» (التعريف، ص 476). وذكر موته في صفحات سابقة عندما أشار إليه أنه في «عهدي بأهل الأدب يتحاكمون إليه فيه، ويعرضون حَوكَهم عليه، وهلك في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعمئة» (التعريف، ص 457).
مات والده ووالدته معاً في سنة 479 هجرية (1348م) وعبدالرحمن في سن الـ 17 من عمره وهو أمر وضعه في مواجهة مع أقدار المستقبل وأستاذه في العلوم العقلية الشيخ أبو عبدالله الأبلي الذي كان يعد من أبرع وألمع رجال عصره في حقول الفلسفة والمنطق. وبذلك انتقل الشاب عبدالرحمن من مرحلة الإعجاب الدفين بالأب إلى مرحلة التعلق المعلن بالأستاذ. وهي حال أقرب إلى التعويض النفسي منها إلى النضج الفكري.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2954 - الخميس 07 أكتوبر 2010م الموافق 28 شوال 1431هـ
محب100
بارك الله فيك