قد يكون غياب أي مكوّن للدين أو الزعامة الدينية هو أحد المعوقات أمام نجاح عملية أوسلو. كانت أوسلو من حيث المبدأ عبارة عن علمانيين إسرائيليين يتحاورون مع علمانيين فلسطينيين. ولكن الشرق الأوسط يشكّل منطقة مشحونة إلى حد بعيد بالدين والتقاليد. وإذا تجاهلنا هذه العناصر في مجتمعاتنا فلن نتمكن أبداً من حشد الجماهير على أي من جانبي رؤيتنا لمستقبل السلام. يجب استخدام الأديان والحوار الديني في خدمة السعي لتحقيق السلام. يتوجب علينا استخدام الرموز والنصوص والممارسات الدينية والزعماء الدينيين.
يتوجب علينا أولاً، عند الأخذ بالاعتبار ما إذا كان، وكيف باستطاعة القادة الدينيين المساهمة بشكل إيجابي بحوار السلام، أن نوضّح أولاً نوع الزعامة التي نتحدث عنها.
يعمل القادة الدينيون ضمن مجموعات ثلاث: الأولى رسمية، هي القيادة الممأسسة كالحاخامات والأئمة والقساوسة. ويدفع سلطتهم أحياناً هيكل كنسي هرمي أو رئاسة حاخامات.
أما المجموعة الثانية فهي القيادة الأولية على مستوى الجذور داخل الجاليات الدينية. وتضم المجموعة الثالثة القيادة المهنية والعادية داخل المنظمات غير الحكومية المختلفة وغيرها من أطر الحوار والتعايش.
وتملك كل مجموعة أصولاً ومطلوبات تأتي بها إلى الحوار. وفي حالة المجموعة الأولى، في هذه المنطقة على الأقل، يميل هؤلاء لأن يكونوا رجالاً يمثلون القوى المحافظة داخل مجموعاتهم الدينية. ويخلع وجودهم جواً من الشرعية على محاولات الحوار، ولكن تكون لهم أحياناً مصالح في الوضع الراهن، أو على الأقل، يجدون صعوبة في التفكير خارج العلبة، وهو أمر أساسي إذا أريد تحقيق التقدم.
وقد تكون المجموعات الأخرى أكثر شمولية ولكن يتم أحياناً تهميشها داخل دياناتها. وقد يشكل السؤال «من الذي تمثلونه في الواقع؟» تحدياً. وهم نادراً ما يصلون إلى عناوين الأخبار. ويؤثر فيهم حوارهم كمشاركين، وربما يؤثر بأفراد آخرين من عائلاتهم ومجتمعاتهم، ولكنه يفتقر عادة إلى تأثير أوسع. ويشعر المشاركون في الحوار أحياناً بنوع من «الانفصال» بين ما يفكرون به وما يفكر به صانعو القرار.
يجب أن ينخرط جميع أنواع القادة في العملية، بشكل مثالي.
سمعت في مايو/ أيار العام 2008، في مؤتمر بين الديانات عقد في مدينة هيروشيما في اليابان، سمعت الأمين العام لمنظمة الأديان من أجل السلام، ويليان فندلي، يقول إن ما تشترك به جميع الديانات العالمية هو أنها أجرت نقاشات معمقة عبر مئات بل أحياناً آلاف السنين من التاريخ البشري، حول سؤالين مهمين: ما معنى أن تكون إنساناً؟ وما معنى أن نعيش في مجتمع؟ برأيي يمكن للآراء المعمّقة المستنبطة من هذه الحوارات أن تكون حاسمة في إيجاد ثقافة السلام والحفاظ عليها.
يتشارك حوار الأديان مع أشكال الحوار العلماني بين الجماعات بسمات معينة قد يكون أبرزها التأكيد على رؤية إنسانية «الآخر». ولكنه يأتي بأبعاد أخرى كذلك. تؤكد معظم الديانات على موضوع تواضع الإنسان، مقابل خلفية من الواقع المتسامي، كحصن يقي من الهيمنة. وفي الوقت نفسه يمكن للأديان أن توفر حصناً ضد اليأس من خلال افتراض أن بني البشر خلقوا على صورة الله تعالى ووضعهم في مركز «يقل قليلاً عن الملائكة». هناك العديد من القيم الدينية المشتركة، بدءاً من الإيمان والتقاليد وانتهاءً بفرضيات العمل من أجل العدالة والسلام. ولدى العديد من الديانات تقاليد في التفسير يمكن تطبيقها على النصوص الخلافية. ويتمتع الزعماء الدينيون بخبرة كبيرة في محاولات تسوية وجهات نظر مختلفة داخل مجتمعاتهم، أحياناً حول قضايا ذات أهمية كبرى.
طالما كان عضو الكنيست والوزير السابق الحاخام مايكل ملكيور رائداً في حوار الأديان من أجل السلام. وقد تكلّم أحياناً عن الحاجة لـِ «دبلوماسية المسارين». فهناك المسار الرسمي للدبلوماسيين والسياسيين. ويسمى العمل الذي من المفترض أن ينخرطوا فيه بعملية «صنع السلام». ولكن المسار الموازي، المكون من الزعماء الدينيين والتربويين ومجموعات الحوار على مستوى الجذور، رجالاً ونساءً وشباباً... إلخ. يسمى «بناء السلام». وينطوي ذلك على تطوير جو ثقافي يستطيع إنعاش سلام عميق دائم والحفاظ عليه.
أعتقد أن الزعماء الدينيين لديهم مسئولية خاصة في إيجاد هذه الثقافة. قد يرون قاعدتهم الانتخابية على أسس منتظمة قد تكون يومية. يعطونهم الدعم الديني في منعطفات حاسمة من حياتهم، عند الولادة والبلوغ والزواج والمرض والوفاة. يقدّمون المواعظ والرسائل التربوية في المناسبات لأفراد جالياتهم. إذا أمكن إعداد وتكييف هذه الرسائل نحو تحقيق بناء السلام، نكون قد خطونا خطوة مهمة إلى الأمام نحو هدفنا. وكما كتب حاخام عظيم في القرن العشرين: «يجب على المرء ألا يفقد الأمل معتقداً أنه لا يستطيع تحقيق السلام، بل يجب أن يسعى المرء للسلام اليوم وكذلك غداً وفي اليوم التالي، حتى يحققه».
* تربوية يهودية مركزها القدس، ورئيسة المجلس العالمي للمسيحيين واليهود (www.iccj.org). هذا المقال جزء من سلسلة خاصة عن القيادات الدينية ودورها في النزاع العربي الإسرائيلي، وينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2954 - الخميس 07 أكتوبر 2010م الموافق 28 شوال 1431هـ