العدد 2953 - الأربعاء 06 أكتوبر 2010م الموافق 27 شوال 1431هـ

اجتماعُ الضّدَّيْن

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا يستغربَنَّ أحد إنْ جَمَعَتْ الأمم بين ضِدَّيْن في آن واحد. الربح/ الخسارة. الهزيمة/ الانتصار. العِلم/ الجهل. كثيرة هي الأمم التي كانت تمخرُ في الضعف، لكن جانباً منها كان يعمل كرافعة لها ولغيرها أيضاً. أحسب أن هذا هو حالنا نحن العرب حين اهترأت قوانا تحت وابل الانقسامات، لكن قوماً منا أخذوا براية النصر وريادته في ميادين مختلفة سواء في العلم (زويل/ الصالحي/ القليني مثالاً) أو في سجال المعارك مع المحتل (فلسطين/ لبنان/ العراق مثالاً).

لنا في التاريخ أمثلة حول ذلك. ففي أُتُون الحروب الأوروبيّة وثوراتها الدّامية كان العالم مبهوراً بإفاضات أشخاص أوروبيين كـ ووردزورث وكوليريدج وبريستلي ويلكنسون. وعندما كانت أوروبا تَنْهَشُ لحمها، وتتمنّى شعوبٌ بها لو أنها لم تُخلَق لِغزارة الدّم المُرَاق وهول الفجيعة، كانت أرضها ترفل في مقاومة الكهنوت وإرساء قواعد الفكر على يد هيردر وفيخته وشيللنغ وهويلدرلن وبستالوتزي وفويسلي وفيلاند. كما أن اشتداد عود فرنسا (الثورة) على يد اليعاقبة، كان يجري في ظلّ وجود الرجعية في مواطن أخرى من القارة.

هنا يستقيم الحال بين الضِّدَّيْن سواء في النّص أو في العبارة أو حتى في المعنى فضلاً عن التزامن. بالتأكيد لا يختلف أحد على صلاح الأول وفساد الثاني، لكن الأكيد أيضاً هو أن هذا الصلاح وموجة التنوير التي بها نهضت أوروبا بدأت جنينية تحثّ الخطى بين فَرْثِ الجهل ودم الحروب لكن خواتيمها بيّنت أنها تعاظمت لاحقاً وأصبحت فتحاً إنسانياً عارماً.

أضِف إلى ذلك فإن هبَّات التجديد الاجتماعية والسياسية التي اجتاحت أوروبا، سواء في فرنسا أو بلجيكا أو إسبانيا أو نابولي كانت تندلِع في أوج الانحطاط الأوروبي وترهّله. بل إن ثورة كالتي جرت في إسبانيا أدّت إلى بداية التحرّر في أميركا اللاتينية واستقلال المكسيك بعد انضمام الجنرال الإسباني إيتوربيد إلى صفوف الثوّار (راجع عصر الثورة - هوبزباوم).

وعندما قُمِعَت الثورات الأوروبية لم يَقُل أحد حينها إن بقاياها بات عَبَثِيَّاً، بل إن ذلك الكلام لم يُتَحدَّث به طيلة السنوات العشرين التي استهلكتها الدول الأوروبية لقمع الثورة الفرنسية الأولى، وفي ظل سيطرة الكنيسة وقسوة الأنظمة على البلاد الأوروبية بأسرها، واستئساد الطبقات البرجوازية ضد الفلاحين والكَسَبَة.

أمر آخر أجترّه من التجربة الأوروبية التي يتناسب استحضارها في واقعنا اليوم مع خوف البعض من قيام مقاومة للمحتل الصهيوني وتعمير السّلاح لقتاله كعدو مشترك. فمن حَمِلَ السلاح التحريري في أوروبا، كان قد وَضَعَ للعالَم تأصيلاً للوطنية. حدث ذلك غربي منطقة الرّاين، حين تمّ الاصطفاف خلف الليبرالية المعتدلة سواء في فرنسا أو بلجيكا.

لقد أدّى اليعقابة دوراً محورياً في الثورة الفرنسية. ورغم راديكاليّتهم السياسية المفرطة إلاّ أن شعار التحرير في أوروبا كان يحنُّ إلى مجيء فرنسا يقودها مثل هؤلاء مرة أخرى إبّان عهد الانحسار، وبعد الضغط الذي كانت تُمارسه الأنظمة، ووقوف جماعات المعتدلين ضد قيام جمهورية ديمقراطيّة خوفاً من مدّ اليسار (راجع نفس المصدر).

اليوم وفي عالمنا العربي، يُخشَى من بعض الحركات والتيارات السياسية بمُسَبَّق ذهني غير مُبرّر. فالنتيجة الجاهزة بحقهم هي استحالة قبولهم للآخر كدينيين، في حين أن هذا الآخر وقبله الأول باتا أكثر تماهياً في بُنيتهما الصّلبة رغم المتنافرات الآيدلوجية.

كما أن الجميع يتذكر أن البابا بيوس التاسع قاد مشروع البابويّة الليبرالية وحالات التصحيح في أوروبا رغم الفكرة السيئة عن الكنيسة. قصارى القول، إن أمتنا العربية ليست في حالة موت سريري، رغم ما بها من إحباطات وهزائم. كما أن استفحال أدوائها لم يحُل دون بروز انتصارات علمية في الداخل أو سياسية ضد المعتدي الخارجي.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2953 - الأربعاء 06 أكتوبر 2010م الموافق 27 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:58 م

      شكرا

      لكن قوماً منا أخذوا براية النصر وريادته في ميادين مختلفة سواء في العلم (زويل/ الصالحي/ القليني مثالاً) أو في سجال المعارك مع المحتل (فلسطين/ لبنان/ العراق مثالاً)
      هذا هو المهم شكرا

    • زائر 2 | 11:51 م

      الي مو عاجبنه يشرب من البحر الميت

      الامة العربية والاسلامية إدا عندها رأس ينرفع فهو بسبب المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية والي مو عاجبنه يشرب من ماي البحر الميت

    • زائر 1 | 11:49 م

      مقارنات

      مقارنات معقولة استاد محمد

اقرأ ايضاً