العدد 2953 - الأربعاء 06 أكتوبر 2010م الموافق 27 شوال 1431هـ

همس المجهول في فضاء الكتابة

كعادتها دار فراديس للنشر والتوزيع، وتعاملها مع كاتبات وكتاب شباب، من حيث لا تقف الدار حجراً عثرة في طريق الكتابة والنشر إلى هذه الكاتبة أو ذاك الكاتب، واضعة نصب أعينها مسئولية الكتابة تبدأ بالنشر الأول، وتحمل تبعات تلقي ما ينشر بعد لك، من هنا أكدت الدار على إصدار رواية الكاتبة السعودية نهلة الثقفي المعنونة بـ «همس المجهول» لتكون إحدى الإصدارات الكثيرة التي قامت الدار على مدار السنوات الماضية بالتعاون مع أصحابها في المملكة العربية السعودية، وحين نقف عند هذه الرواية، فإنها تأخذك إلى بعض العوالم المكانية البسيطة التي لا ترى فيها جمالية العمل الفني والإبداعي، كما تأخذك إلى عوالم الحالات الاجتماعية والدراسية بين طالبات المرحلة الثانوية. وحتى لا نظلم كاتبة هذا العمل الموسوم بالرواية، فمن خلال قراءة نص الرواية يتضح أن الكاتبة لديها استعداد داخلي للكتابة، والسير في عالم الإبداع، ولكن هذا الأمر يحتاج منها إلى المزيد من الإصرار على القراءة الواسعة والاطلاع المتواصل في فضاء السرد الروائي الإقليمي والعربي والعالمي، وبخاصة إذا كان العمل يتناول حالات مهمة في المجتمع الإنساني كما تطرقت له هذه الرواية، كالعلاقة بين الذات والوهم في مرحلة عمرية من حياة الإنسان، وهو موضوع في غاية الحساسية والدقة والعمق، ولكن يحتاج إلى فنيات وتقنيات روائية لمن سيقوم بالتصدي إلى مثل هذا النوع من الأعمال، فالرواية بكل فصولها العشرين كانت تتحدث عن فتاة تعيش في أسرة مات عائلها، وبقيت مع أمها وأختها، ولأن الفتاة وهي (تولين) أخذت بعض جينات اللون من الأب المنحدر من أصول تركية جعل لون بشرتها وملامحها محط أنظار الشباب حين الذهاب والإياب من وإلى المراكز والمجمعات التجارية، ما جعلها تصاب بالغرور فضلاً عن مستواها العقلي الذي يزيد بعض الشيء عن بقية قريناتها وصديقاتها في المدرسة.

وطوال الفصول العشرين ناقشت الكاتبة ثلاثة محاور أساسية في الرواية، يتمثل المحور الأول في حقل التعليم، ويبرز الثاني في العلاقات الاجتماعية بين الفتيات ذات الأعمار المتقاربة سناً وتفكيراً وبخاصة في عمر المراهقة وإن تباينت بين فتاة وأخرى، ويكمن المحور الثالث في علاقة المرء بذاته وذات الآخر الوهم الذي لا يعرفه. لذلك حاولت الكاتبة أن تدخل بالشخصية الرئيسة (تولين) إلى مساحة الرواية وسرديتها لتكشف علاقة تولين بنفسها وبطبيعة تكوينها السيكويولجي والسيوسيولوجي في مجتمع هو (جدة) وإن كان مختلفًا بعض الشيء عن بقية المدن والمناطق في السعودية إلا أن الأمر يحتاج إلى وقفة تأمل، وبالتحديد في علاقة طالبة المرحلة الثانوية بأدوات الماكياج والمساحيق واستخدامها في المدرسة، وهو أمر يتعلق بالبعد التربوي أكثر من بعده التعليمي.

وهكذا تكشف تولين طوال الرواية عن طبيعة التعليم ونوعية المعلمات اللائي يقمن بالتعليم لطالبات، والدور الذي تقوم به الطالبات من أجل إزعاج معلماتهن، موضحة نوعية المناهج ومستوى المعلمات وقدراتهن الثقافية، وهذه أمور لا نبالغ فيها إذا قلنا أن هناك خللاً في مناهجنا العربية، وخللاً في تكوين المعلم، وخللاً في نوعية البنية التحتية للتعليم عامة، وللأسف نرى ونسمع ونقرأ عبر مختلف الوسائط الإعلامية والتعليمية عن معرفة المسئولين بعمق هذه الفجوة بين ما هو موجود في عالمنا العربي من مستوى تعليمي وتطلع فئات المجتمع إلى مواكبة التطور، لكن وقعت الكاتبة في طرائق الطرح ومساءلة الواقع في المجتمع الجداوي بما أن أحداث الرواية قد أخذت مكان جدة لها.

وكما طرحت بعض مشكلات التعليم، طرحت طبيعة الحالة التي تتصف بها الطالبات وهن يجلسن على مقاعد الدراسة، وما يحاولن الظهور به فـ «لا يمر طابور الصباح من دون أن تتلقى تولين كلمات قاسية من معلمة، الأولى توبخها على مخالفة نظام المدرسة في ملمع الشفاه الذي تستخدمه، والكحل الذي يزين عينيها...، أما المعلمة الأخرى فتلومها على الماكياج لأنه لا يناسب عمرها... ص37». أو حين تحاول الشخصية نفسها أن تثير أو تحرج المعلمة بسؤال في ص 33، عندما طلبت معلمة اللغة العربية من الطالبات أن يضعن (حتى) في جملة، فقالت تولين بيتًا من شعر الإمام الشافعي: «سأصبر حتى يعلم الناس أنني على نائبات الدهر أقوى من الصخر، مشيرة إلى أن المعلمة تفاجأت وبدت ملامح وجهها تتغير وتظهر عليه الدهشة والاستغراب وكأنها أول مرة تسمع هذا البيت، وهذه الأمور ليست جديدة في حقل التربية والتعليم، وأعتقد من مارس مهنة التدريس والتعليم مر بهذه المواقف وإن اختلفت أو تباينت في نوعها أو شكلها أو ماهيتها.

أما المحور الثاني فهو متعلق بعلاقة الطالبات بعضهن بعضاً في المدرسة وخارجها، حين يتواعدن على زيارة مجمع تجاري هنا أو هناك، وكيف يقضين تلك الساعات متسكعات في المراكز التجارية يتطفلن على انتظار الشباب المراهق أيضاً وهو يرمي بورقة وقد سجلت عليها أرقام الهواتف. وإن كنا لا ننكر هذه الحالات المنتشرة في مجتمعاتنا الخليجية حيث تعود لعدة أسباب مثل: طبيعة العادات والتقاليد المفروضة على المجتمع عامة والمرأة على وجه الخصوص، وأيضاً طبيعة العلاقة الاجتماعية بين الذكور والإناث في مجتمع محافظ، فضلاً عن مستوى الوعي والثقافة ومحاولة تغيير الذهنية لدى الشاب والشابة في هذه المجتمعات، من هنا فالمعاكسات والمشاكسات بينهم ستبقى طالما لم ندرب أنفسنا على مفهوم الاحترام للذات وللآخر، ونوعية الحرية المسموح للفرد أن يمارسها في المجتمع، ونظرة كلا الطرفين لبعضهما بعضاً، لذلك كانت عائلة تولين قد أبرمت قانوناً فيما بينها حين الخروج إلى هذه المراكز والمجمعات، فبمجرد وصول العائلة إلى أي مجمع لابد من الافتراق حتى لا تفسد الواحدة على الأخرى، ولا ينبغي أن تظهر العائلة وكأن رابطاً يربط بينها أفرادها، فالكل ينادي الكل بالأسماء المفردة، ولا تحاول الواحدة سرقة صيد الأخرى... ص7-8، وهنا يكمن الخلل الاجتماعي في تركيب الأسرة، وفي طرائق تربية أفرادها، والمستويات الثقافية التي تكشف عن الوعي الاجتماعي والسلوكي، وإذا كان هذا الاتفاق بمعية الأم وقبولها فأي تربية ونظرة احترام للمرأة من قبل المرأة نفسها، ومن قبل الرجل والمجتمع؟!

ويأتي المحور الثالث في تلك العلاقة التي بنتها تولين الشخصية الرئيسة مع الشخص الوهم الذي أطلقت عليه اسم (وليد) معتقدة أنه يظهر لها في المرآة عندما تقف بجانبها أو ينظر لها عن قرب، أو حين تخلد إلى النوم، أو حين تجلس متأملة في شيء ما، ما أوصلها هذا الوهم إلى تعرضها لمرض نفسي لم تستطع التخلص منه على الرغم من زواجها، ومحاولات الزوج إسعادها بوسائل وسبل متعددة من الترفيه والتسلية، وقد يعود هذا إلى العلاقة التي بنتها مسبقاً مع أبيها، وحبها له، ونظرة الأب لها بوصفها بنتاً ذكية تقرأ في الكتب التي يأتي بها والدها، وسبب آخر يتمحور في جمالها الفائق قياساً بأختها أو زميلاتها.

العدد 2953 - الأربعاء 06 أكتوبر 2010م الموافق 27 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:21 ص

      همس المجهول

      رواية اعجبتني بكل المعاني ........ شكر جزيل الى الكاتبه المبدعه "نهله الثقفي"

اقرأ ايضاً