العدد 2953 - الأربعاء 06 أكتوبر 2010م الموافق 27 شوال 1431هـ

كتاب يرصد نقد أحمد المناعي للحركة الأدبية الجديدة في البحرين

إبراهيم غلوم يوقع «المسافة وإنتاج الوعي النقدي»

وقع الناقد والأستاذ الأكاديمي بجامعة البحرين إبراهيم عبدالله غلوم كتابه الجديد «المسافة وإنتاج الوعي النقدي: أحمد المناعي والوعي بالحركة الأدبية الجديدة في البحرين» وذلك في معرض الكتاب بمركز المعارض وخلال التوقيع قدم غلوم شهادة حول قراءته لتجربة أحمد المناعي النقدية والمسافة التي اتخذها المناعي من الحركة الشعرية الجديدة، متتبعا فكرة الكتاب وأهم محاوره.


التأسيس الفلسفي لنقد النقد

في البداية تطرّق إبراهيم غلوم إلى فكرة نقد النقد فأشار إلى أنه حين نتحدث عن نقد النقد فلاشك أننا نذهب للفلسفة وإلى الجذور الأولى التي يتم بواسطتها استنباط الأحكام وفحص الواقع والنظر إلى الحياة، وعلى هامش هذا الكتاب كان بودي أن أتحدث بعمق أكثر عن الوعي النقدي وعن الأسس التي استطاعت الحركة الأدبية الجديدة في البحرين أن تضعها لهذا المفهوم في فترة تعتبر من أحلك وأدق الفترات التاريخية التي مر بها المجتمع البحريني الحديث، وهي الفترة الواقعة منذ 58 حتى نهاية الثمانينيات، هذه الفترة دقيقة جدا وصاخبة ومتنوعة وقد أطلقت عليها في بعض فضاءات الكتاب بأنها فترة العقل الجماعي الناقد، وهي فترة لم يمر بها المجتمع البحريني بنفس الحميا التي مر بها في هذين العقدين اللذين حاولت أن أرسم خارطتهما في هذا الكتاب، وقد رأيت حقيقة أن مهمة كهذه ليست سهلة وأن الوقوف معها يحتاج إلى مسئولية فكرية ومعرفية دقيقة جدا.

وأضاف غلوم لم يكن من السهل اختيار النماذج التأسيسية الصميمة التي تذهب في صميم هذا التأسيس لم يكن من السهل اختيار هذه النماذج بدون وعي وبدون معايشة للتجربة استمرت أكثر من ثلاثة عقود من الزمن إذن الكتاب يقف مع مسألة حيوية جداً، وأرى أننا في هذه اللحظة الراهنة نفتقر للعودة لهذا الوعي ومناقشته وتفحصه ونقد ما تم تركيبه في ذلك الوعي بمنظور عقلي ونقد آخر لما تم التأسيس له،


الإنسان أولاً ثم العقل ثم النقد

وتساءل غلوم يا ترى هل استمر الوعي النقدي الذي تأسس على مدى عقدين دون انقطاعات، ودون أن يواجه هوة كبيرة من الانكسارات فيما بعد؟ في البدء سأقول إن الوعي الذي ينطلق هذا الكتاب نحو تأسيسه واستجلائه لن يحدث إلا بعد هوة ولحظات انكسار وذلك عندما انتهت حقبة الخمسينيات وبدأ يتأسس المجتمع المدني والعقل النقدي، وكان من أكثر ما يميّز هذه الحقبة هو أنها أخذت من تيارات فلسفية متعددة ومزجت التحولات التي قد تكون متناقضة، مزجتها في مقولة جديدة استطاعت الحركة الأدبية الجديدة أن تبلورها في مسار واضح يؤكد مقولة الإنسان أولا والعقل ثانيا والنقد ثالثا.

وحول تتبعه للحركة الأدبية الجديدة أضاف غلوم ومن تتبع كل حقب تاريخ الأدب في البحرين أو منطقة الخليج لم تظهر حركة أسست لهذه الأسس الثلاثة (الإنسان، العقل، النقد) بمثل ما وضعته الحركة الأدبية الجديدة منذ الستينيات وحتى الثمانينيات لقد كانت هناك رؤية نقدية واضحة، ولقد كانت هناك رؤية عقلية واضحة، ولقد كان هناك الإنسان شامخاً في هذه الرؤية وحاضراً ويقف وراء كل عتبة تخطوها هذه التجربة بهذا الشكل، وفي غضون أقل من عقد من الزمن منذ بداية الستينيات وحتى 69 تأسس ما أسميته بالاستباقات الأولى للحركة الأدبية عبر الحركة الشعرية نفسها، ثم عبر تحرك نقدي عقلي ديناميكي قام به الأنصاري وعدد من الأدباء الشباب الذين بدؤوا يكتبون مع ظهور جريدة الأضواء وانتهت هذه الحقبة الأولى بتأسيس كيان أسرة الأدباء والكتاب، هذا الكيان بلور له نهجاً ورؤية وكان العامل الحيوي في تجربة هذا الكيان ليس أنه بدأ يطرح قصيدة جديدة وقصة واقعية جديدة، ولكن لأن هذا الكيان كان في قلب تصور للوعي النقدي لم يكن مألوفا من قبل، وهذا الوعي النقدي تجلى في سياقين الأول في النص نفسه وقد استمر هذا التجلي في تجارب عديدة، وأبرز التجارب الإبداعية التي شكلت أولى بوادر هذا الوعي تجربة قاسم حداد، وعلي عبدالله خليفة، ثم تجربة الشعراء من الصف الذي بدأ يراكم هذا الوعي داخل النص الشعري من خلال تجارب مجموعة من شعراء الحركة الأدبية الجديدة كعلوي الهاشمي، وعلي الشرقاوي، وفي القصة القصيرة أمين صالح، وخلف أحمد خلف وغيرهم إذ إن الوعي بفكرة التجربة ونقدها في آن واحد كان مكنونا في النص الإبداعي، لكن الأكثر أهمية أنه كان يوازي هذا الوعي داخل النص وعي نقدي مباشر تمثل في الحركة النقدية التي بدأت ومثلّها ويكاد يكون نموذجها المباشر هي تجربة الأخ والصديق أحمد المناعي في متابعته وفي رصده لهذه الحركة الأدبية الجديدة وقد بدأ من العام1970 وهي الفترة الحقيقية التي انطلق فيها كيان أسرة الأدباء والكتاب، وانطلقت الحركة الأدبية الجديدة، وبدأ النص النقدي ها هنا يوازي ذات الوعي الذي صورته داخل النص النقدي.


المناعي كان الصوت النقدي الواضح منذ البداية

وأضاف وحدث أن اقترنت مسيرة النقد مع مسيرة الوعي الإبداعي داخل النص فأحدثت الحركة الأدبية الجديدة رؤية مختلفة قد نسميها رؤية ثورية بالفعل، وهي تصدق في توصيف هذه الحركة، وقد نسميها حركة طليعية أو حركة نقدية أو حركة عقل نقدي جماعي قائمة على فحص المعاينات والتأملات والملاحظات، ولم يكن من الممكن إطلاقا أن تنطلق هذه التجربة دون تحدٍ ودون مواجهة، ودون أن تخترق جدراناً صلبة هي جدران التقليدية الجامدة والرومانسية البليدة الميتة التي تمثلت في تجارب كثيرة طوال حقبة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، كل هذه التركة في الحقيقة واجهتها الحركة الأدبية بقوة وكان الصوت النقدي الواضح وضوحا مباشرا في هذه المواجهة هو صوت أحمد المناعي في كتابته النقدية.


بواكير النقد عند الأنصاري والمناعي وحداد

وحول الرؤية المنهجية في الكتاب أكد غلوم أنه كان من الضروري منهجيا ونقديا أن يؤسس لهذا التصور فكرة فلسفية فليس من السهل الذهاب إلى نقد تجربة نقدية ونقضها وفحصها دون هذا الأساس الفلسفي، ولذلك تصورت بأنه لابد لي من أن اختار طريقا يستطيع أن يطور لي بعض المفاهيم الإجرائية في معالجة هذه التجربة النقدية مثل تجربة محمد الأنصاري وتجربة أحمد المناعي، وتجربة قاسم حداد في كتاباته النقدية التي كانت توازي وتكاد تكون تناظر حتى الكثير مما انتهى إليه أحمد المناعي في بعض الأمثلة وخاصة عندما تناول تجربة الشاعر علي عبدالله خليفة، وقد وصل الكتاب بالفعل إلى هذا التقاطع بين رؤية الشاعر الواعي وبين رؤية الناقد الذي يرى بواسطة المثال الشعري إلى ذات اللحظة المتحققة في التجربة، وهي تجربة علي عبدالله خليفة في ديواني (أنين الصواري)، (وإضاءة لذاكرة الوطن).

وتابع غلوم لكي أؤسس لمدخل منهجي يستطيع أن يفحص المقومات الفلسفية لهذه الأحكام كلها رأيت من الضرورة أن أقيم وأفترض واحدد خارطة تجربة متحققة قبل أن يبدأ احمد المناعي تجربته وهذا يردنا إلى المقولة الفلسفية التي ترى أنه لا يكفي استخلاص معرفة مبنية على الافتراض والذهن المجرد وهذا ليس إلا من قبيل الوهم، إذ لابد من الحسية التجريبية ولكي أضع قائمة لتجربة حسية ذهبت مباشرة في الفصل الأول لتأسيس هذه التجربة الحسية التي استطاعت فترة الستينيات أن تضعها قبل أن يتأسس كيان أسرة الأدباء والكتاب وحتى قبل أن يبدأ أحمد المناعي تجربته وقبل أن يطلق قاسم حداد أيضا ملاحظاته النقدية، وذلك في الوقت الذي بدأ محمد جابر الأنصاري ينسحب عن التجربة الأدبية، ويقيم له مسافة جديدة مع الحركة الفكرية العربية.


الوعي بالحركة الأدبية الجديدة

وتابع غلوم كان من الضروري أن أقيم بنيانا لهذه التجربة الحسية التي سيرتبط بها عقل أحمد المناعي ووعيه ونقده لهذا العقل والوعي، فكانت فكرة التأسيس لهذه الحركة الأدبية الجديدة، متسائلا: كيف تأسست؟ ما هي مقولاتها الأساسية؟ ما الفلسفات التي تأثرت بها؟ من أين انحدرت هذه التجربة بوصفها معاينات في الأدب والإبداع؟ من أين انحدرت؟ ولقد كان من الضروري أن أضع هذه التجربة التي هي في الحقيقة عقل وتجربة استطاعت أن تشكل وعيا وأن تشكل عقلاً كامنا في المجتمع البحريني، ومجتمع الخليج، والجزيرة العربية.

وأضاف غلوم وبعد أن وضحت صورة هذه التجربة بوصفها وعيا يذهب في تصور الكتاب لإقامة تأسيس مفهوم المسافة بين وعي ووعي، الأول استطاع أن ينقد ويفحص، والآخر يرصد ذات الوعي لكي ينقده ويفحصه مرة أخرى وبذلك أتحرى هذه الثنائية التي لم تهدأ طوال ثلاثة عقود في عقل الحركة الأدبية لأنها لم تهدأ في عقل أحمد المناعي، ولا في عقل قاسم حداد أو عقل علوي الهاشمي أو علي الشرقاوي، ولا في ذهن الكثير من الذين شكلوا روح هذا الوعي على مدى هذه العقود.

وحول مفهوم المسافة الذي يقيمه الكتاب أكد غلوم أنه لا يذهب إلى ذلك من خلال التأويل فقط إذ إن فلسفة التأويل وحدها تنتهي إلى أوهام ما لم يتم إخضاعها إلى عقل ناقد متمرس بالفعل بمعاينات مستمرة للتجارب نقدها، وهذا ما بنيته في هذا الكتاب فقد أقمت علاقة بين وعي أحمد المناعي ووعي التجربة بوصفها وعياً آخر يحاول أحمد المناعي أن يحميه وفي نفس الوقت أن ينقده وينقضه، وهذا التقاطع ليس من السهل أن يقف عليه ناقد عادي إذ لابد أن تكون وراء هذه الرؤية، وهذا التقاطع، وهذه البنية عقلية تركيبية، بمعنى أنها ترى التجربة وتنقدها في آن واحد، تبنيها وتحاول أن تنقدها في آن واحد.


مسافة: التحول/ السجال/ المقاربة

وأضاف غلوم ولكي أدير هذه الصورة للمسافة بشكل عملي وليس بشكل افتراضي يسبق الموضوعات أو التجارب، وضعت التوظيفات الثلاث لفكرة المسافة، وهي التحول السجال المقاربة، فلحظة التحول هي الحركة نحو مسافة متفاوتة نسبيا وكانت تتيح لناقدها أن يتحكم في المسافة حسب نسبية التقاطع بين الوعي بالتجربة والوعي الناقد.

أما التوظيف الثاني وهو السجال فهو حركة مرتدة بمعنى أنه يعود إلى نفس المواقع المختلفة التي اتخذها في التحول يعود إليها ولكن بوعي مختلف وبمعاينات مختلفة أما المقاربة وهو الفصل الأخير فهو عبارة عن محاولة لتوظيف المسافات البعيدة واستنطاق المسافات القريبة من خلالها.

وأضاف غلوم لعل هذه الصورة طورت لي مفهوم المسافة ولم يعد هذا المفهوم مفهوما تأويليا، وإنما أصبح أقرب ما يكون إلى فكرة البنية، ومن هنا اعتقد أن خلاصة الكتاب تعطي صورة واضحة لأهمية حضور هذا النمط من العقل في التجربة النقدية والذي أعني به العقل الذي لا يكف عن التقاطع بين الوعي ونقد الوعي، وعندما يكف هذا الوعي عن نقد الوعي نفسه في الحقيقة نصبح في حالة أشبه ما تكون بالجمود وتتعطل أمور كثيرة وتتجه أشكال الخطاب كلها إلى ذات الجمود.

وختم غلوم شهادته بأن هذا النمط من العقل النقدي هو النمط الذي ينبغي أن يظهر الآن وفي هذه الحقبة بالذات إذ لابد من مأسسة هذا العقل النقدي وأن نعيد مأسسة ما سميناه من قبل بأسرة الأدباء والكتاب في نطاق عقل نقدي كبير مختلف تماما عن نطاق المأسسة التي بدأناها وقمنا نراكم عليها. وتابع أنا لا أقول أن نقيم قطيعة كاملة معها وإنما لابد أن نراكم عليها مراكمة دقيقة وأن يظهر في وجودنا الفكري اليوم في هذه المرحلة التي تعطل فيها نقد العقل ونقد الوعي ونقد التجربة ونقد الخطابات الخرافية التي تهيمن على حياتنا إذ تعطلت هذه الأمور بسبب تعطل هذا العقل النقدي الذي مثلته تجربة الستينيات والسبعينات والثمانينات.

العدد 2953 - الأربعاء 06 أكتوبر 2010م الموافق 27 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً