العدد 2951 - الإثنين 04 أكتوبر 2010م الموافق 25 شوال 1431هـ

حول الحوار الفكري بين العرب والصينيين (1)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لقد تم عقد الدورة الرابعة للحوار العربي الصيني في بكين في أواخر سبتمبر/ أيلول 2010 وهو حوار في إطار المفكرين العرب، ومن ثم فهو حوار فيما يعرف بالمسار الثاني أي غير الرسمي وضم طرفين هما منتدى الفكر العربي الذي يرأسه سمو الأمير الحسن بن طلال ويضم مفكرين وشخصيات من دول عربية عديدة من ناحية، ومعهد الصين للدراسات الدولية، وهو معهد يضم مفكرين وأكاديميين ودبلوماسيين وهو مرتبط بوزارة الخارجية الصينية.

وشملت محاور المؤتمر تناول موضوعات التعاون في المجالات الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية، وقدمت فيه أبحاث حول السياسة الدولية والموقف في الشرق الأوسط وأحداث 11 سبتمبر وآثارها وعلاقات الصداقة والتعاون بين الصين والعالم العربي، والموقف العربي من دخول الصين في الأمم المتحدة كدراسة استراتيجية وتوقعات العرب من الصين كعضو دائم في مجلس الأمن الذي يطلق عليه مجلس إدارة العالم، والتعاون الاستراتيجي العربي الصيني، ونحو فهم دور الصين في عالم متحول والفلسفة الطاوية ومقارنتها بالفلسفة الصوفية والعرفانية في الحضارة الإسلامية، وتبادل الطلاب والباحثين والشباب والمرأة بين العرب والصين في مجالات العلوم والثقافة والفنون، فضلاً عن السياسة والاقتصاد، والأزمة الرأسمالية وأثرها على مستقبل العالم، والتعاون بين العرب والصين في مجالات النفط والتجارة والاستثمار، والدور الصيني في عملية السلام في الشرق الأوسط وموقف الصين في قضية القدس الشريف وحركة الإصلاح الصينية وآثارها والحداثة في العالم العربي والصين وغير ذلك من الموضوعات، ودار النقاش على مدى يومين في بكين ويومين في شنغهاي، كما شمل جدول أعمال الوفد زيارة مدينة يي ووي الصناعية في جنوب الصين وهي من المناطق الرئيسية في التعاون التجاري والاقتصادي العربي الصيني.

لقد افتتح مؤتمر الحوار، الذي شاركت فيه بصفة شخصية كعضو في منتدى الفكر العربي، نائب وزير خارجية الصين، حيث عرض لسياسة بلاده تجاه القضايا العربية، مؤكداً تمسك الصين بالمبادئ الأساسية والتي في مقدمتها الدفاع عن القضايا العربية وأن هذا الموقف لم يطرأ عليه أي تغيير لأنه يعد من ثوابت السياسة الصينية، واستطرد أن الذي حدث الآن في القرن الحادي والعشرين هو مزيد من تعميق هذه المواقف السياسية بإضافة مبدأ المصلحة والمنفعة المتبادلة بطريقة أكثر عملية بما يعكس المستجدات والتطورات على الساحة الدولية.

وكان من بين المتحدثين الصينيين السفير ووسيكا وهو المبعوث الرسمي للصين لعملية السلام في الشرق الأوسط، وأكد نفس المعاني، ولكن بتفصيل أكبر، وذكر صراحة أن الصين تؤيد استعادة كافة الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابها الوطني بما في ذلك القدس الشرقية، وتؤيد عملية التفاوض المباشر بين الفلسطينيين وإسرائيل وأن تشمل كافة القضايا الخاصة بالحل النهائي وأنه لا يوجد أي خلاف بين الصين والدول العربية.

وقد ترأس الوفد العربي رئيس الوزراء اليمني الأسبق عبدالكريم الأرياني وهو شخصية ذات مكانة دولية وهو حالياً مستشار الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، وضم الوفد الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي السفير عبدالله بشارة، وعبدالحسين شعبان وهو مفكر عراقي وشخصية قانونية دولية، وهمام غصيب وهو أستاذ جامعي وأمين عام منتدى الفكر العربي والسفير علي أومليل سفير المغرب في لبنان وهو أيضاً مفكر عربي مشهور وسمير الحباشتة وهو اقتصادي أردني ورئيس مركز الإمارات للبحوث الإنمائية السفير يوسف الحسن، ومحمد نعمان جلال من مصر ومحمد ربيع وهو مفكر وأكاديمي فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة وسهام مساعد من منتدى الفكر العربي، وكان في الجانب الصيني عدة سفراء صينيين عملوا في الإمارات العربية ومصر وتونس ويضم أكاديميين عديدين، وكان النقاش فكرياً وعميقاً وواضحاً وصريحاً وسادت بعض الخلافات في وجهات النظر لاختلاف الرؤية العربية عن الرؤية الصينية تجاه بعض القضايا العالمية.

وقد كانت أبرز قضية أثارت النقاش تتعلق بالدور الدولي للصين. وجهة النظر العربية أن الصين أصبحت دولة كبرى ولم تعد دولة نامية وهي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد عالمي وصاحبة أكبر احتياطي نقدي، والقوة الثالثة في التجارة الدولية وأن على الصين أن تعيد التوازن في العلاقات الدولية وتشارك في حل مشاكل العالم بقوة وبطريقة أكثر فاعلية ولا تترك الساحة فقط للهيمنة الأميركية.

أما وجهة النظر الصينية فكانت بخلاف ذلك، حيث أكد العديد من المفكرين الصينيين على أطروحة أن الصين دولة نامية، وأن العرب لا يجب أن ينخدعوا بكون الاقتصاد الصيني هو الثاني في العالم من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي لأن متوسط دخل المواطن الصيني يجعل الصين في مرتبة أكثر من المئة على المستوى الدولي، أي أنها مازالت دولة نامية، وأن الصين تركز على عملية التنمية في بلادها وأن الصين لا ترغب ولا تسعى لتصدير فكرها للخارج ولا تتدخل في شئون الدول الأخرى ولا تسعى لنشر مبادئ تطورها الداخلي ونظامها السياسي أو الاقتصادي على غرار المفاهيم التي تنشرها الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة مثل تصدير الديمقراطية ونشر مبادئ حقوق الإنسان والإصلاح السياسي، ومن وجهة نظر الصين أن هذه مسئولية كل دولة ولا يجب التدخل في شئونها.

وما عبر عنه الباحثون والمشاركون في الحوار من الجانب الصيني يكاد يكون نفس مضمون خطاب رئيس وزراء الصين وين جيا باو في الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر/ أيلول 2010.

والدرس المستفاد هنا هو أهمية الفكر والتخطيط الاستراتيجي لتقدم الأمم والشعوب وعدم الانجرار لمطالب الآخرين أو الضغوط وبناء القوة الحقيقية للدول حتى تستطيع أن يكون لها صوت مسموع على الساحة الدولية ورغم أن المفكرين العرب أعادوا تكرار مطالبتهم للصينيين أكثر من مرة، ومن أكثر من مفكر عربي بان تلعب الصين دورا أكثر فعالية في حل المشاكل الدولية ورفض بعضهم مقولة أن الصين دولة نامية، ولكن المفكرين الصينيين رفضوا المفهوم العربي بشدة، مؤكدين على احترام الصين لسيادة الدول الأخرى وعدم تدخلها في شئون الدول الأخرى، وأن الصين دولة نامية ولا تسعى لدور عالمي، ولا للتوسع ولا فرض إرادتها على الآخرين، وأن شاغلها الرئيسي هو التركيز على التنمية وتحقيق التقدم والتعامل التجاري والاقتصادي والاستثمارات وتساهم في الحفاظ على مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية.

أما الدرس الثاني فهو يتعلق بالشخصية الصينية وهي شخصية تتسم بالتواضع وعدم المبالغة ونموذجها لمن لا يعرف يقارن بين خطاب رئيس وزراء الصين المشار إليه وبين كلمات وخطابات أي زعيم في منطقة الشرق الأوسط ليجد الفارق واضحا حيث التفاخر والغرور بالانجازات التي معظمها للأسف يكون غير حقيقي مقابل التواضع والتقليل من الانجازات دون التغاضي عنها وان وضع الأمور في نصابها الحقيقي وربما اقل من الحقيقي ولعل ذلك يذكرنا بالمثل المصري (داري علي شمعتك تولع).

وسنعرض للدروس المستفادة في موضع منفرد لاحقا من زاوية أخرى.

الدرس الثالث وهو كما نقول بالعربية الفصحى إن الصين حكومة وشعبا ومثقفين على قلب رجل واحد في الفكر والعمل والانجاز وأيضا في الحديث عن العقبات والتحديات ومن ثم فهم يقدمون ما يعرف في علوم الإدارة بميزان العمل والإنتاج Balance score. كما انه لا يمكن أن تجد صينيين مثقفين في لقاء مع أجانب يشتمون حكومتهم أو يعملون على تشويه صورتها والتقليل من انجازاتها والتركيز على سلبياتها ولعل هذا من طبائع الحضارات القديمة وأهلها ولذا فان العاملة الفقيرة التي كانت بسفارتنا - أي سفارة مصر في الصين عندما كنت سفيرا هناك عندما ينتقد الأميركيون الصين وما يحدث فيها كانت تقول بتلقائية لماذا ينشغل الأميركيون بنا، إن الصين هي أمنا وأيا كانت جيدة أو سيئة فإننا نحبها وهي الأم لنا. بالطبع هذا لا يعني عدم وجود صينيين ينتقدون الصين في الداخل أو الخارج ولكن هذا من الأمور القليلة بخلاف الحال عندنا في منطقة الشرق الأوسط فيتبارى كثير من المثقفين على نقد دولهم وحكوماتهم حتى لو كانوا أعضاء في الحكومة فعندما يخرجون منها يتحولون إلى منبع الحكمة والنقد الذي كان غائبا عندما كانوا في المنصب.

الدرس الرابع هو أن الصين وكثيرا من مثقفيها ونخبها السياسية يؤمنون بالمثل القائل (أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام)، أما في منطقتنا العربية فنحن نحرص على لعن الظلام ونجلس فيه ولا نفعل شيئا سوى أن نستمر في صب اللعنات عليه وأحيانا كثيرة أيضا على من يحاولون إشعال شمعة ولو صغيرة.

وقبل أن اختتم هذا المقال أقول ثلاث كلمات الأولى: إن الصين رسمياً وعلى المستوى الفكري تصر على كونها دولة نامية وتعارض سياسات الهيمنة والتوسع وترفض الانغماس في المشاكل والصراعات إلا في أضيق نطاق وهو ما يمس الأمن الصيني مباشرة. الثانية إننا كعرب نركز كثيراً على السياسة وقضاياها وننسى التنمية وضروراتها، وهذا أحياناً يبدد الكثير من مواردنا ويشتت فكرنا ويضيع أولوياتنا. والثالثة إنه من حق كل دولة الحفاظ على تراثها وتطويره بما يتلاءم مع مفاهيم الحداثة، ويتماشى مع ظروفها ومراحل تطورها. وإن دعوتنا للصين للانغماس في القضايا الدولية هي نابعة مما نلمسه من اختلال التوازن الدولي، ولكن الصين ترفض الانجرار أو الانزلاق لمركز القوة العظمى كما حدث مع الاتحاد السوفياتي السابق وأدى إلى انهياره. والصين من حيث تاريخها وبعدها الحضاري لم تقم بأية أعمال توسعية ولذلك أقامت الصين ما يعرف بسور الصين العظيم لكي تحمي نفسها وحضارتها مما أطلق عليه الغرباء أو البرابرة، وهذا بخلاف حضارات أخرى قامت بالتوسع والاستعمار لقارات عديدة ودول مختلفة وتتدخل في شئون الدول الأخرى، وعلينا أن نحترم الفكر الصيني وندرك أن لكل منطقة ولكل شعب عقليته وثقافته وحضارته وأولوياته.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2951 - الإثنين 04 أكتوبر 2010م الموافق 25 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً