العدد 2950 - الأحد 03 أكتوبر 2010م الموافق 24 شوال 1431هـ

مَنْ تَخَلَّى عَنْ مَنْ: إيران أم الحكيم؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قلتُ قبل أيام إن إيران تعمل بمسارَيْن في العراق. محور وهامش، لكن الاثنين معاً يُمثلان بُعدَيْن رئيسيين لها هناك. في المسار الأول (وهو ما يهمّنا) بدا أنه متحرّك وبراغماتي كاسِرٌ لثوابت «تاريخية» جمعت إيران بحلفائها طيلة العقود الثلاثة الماضية، وإلى ما بعد العام 2006.

فقد فضّلت طهران حليفاً «طارئاً» على حليف «أصيل». الأول كان المالكي، والثاني كان الحكيم. وهي ذات السّاقية التي أتت بمقتدى الصّدر إلى واجهة «التفضيل» الإيراني على غيره من الحلفاء التاريخيين. هذه بالضبط توليفة التحالفات الجديدة بين إيران والداخل العراقي.

كيف تعمل هذه الآلية «الإيرانية» هناك؟ لننظر جيداً. أولاً نُحقِّب للأحداث بشكل يُفضي إلى نتيجة مقروءة. لقد جَمَعَت طهران الأحزاب الشيعية في الائتلاف الوطني المُوحّد الذي نال أغلبية المقاعد النيابية في انتخابات العام 2005 فشكّل الحكومة «الجعفرية» و»المالِكيّة».

ثم عزّزت من المجلس الأعلى (للثورة الإسلامية سابقاً) في الحُكم. وسيّجَت حكومة حزب الدعوة بدعم سياسي واقتصادي قوي بوجه النفوذ العربي. ثم احتوت الصّدريين بِبُعْدَيهِما الشعبي والعسكري عبر المرجع الديني في مدينة قم آية الله العظمى السيد كاظم الحائري.

ثم أعادت تقييم وتقويم أداء جيش المهدي، فجمّدت نشاطاته لكي لا تُقلِق المرجعية ولا حكومة الدعوة ولا المجلس الأعلى ونقلت قياداته إلى أراضيها، ومَنْ تطرّف منه أحالته إلى مجاميع عسكرية «نوعيّة» كعصائب الحق ولواء اليوم الموعود لكي تضرب التواجد الأميركي فظفرت بالحُسْنَيَيْن.

أما الأطراف، كتيار الإصلاح بزعامة إبراهيم الأشيقر الجعفري، وحزب الدعوة – تنظيم العراق بزعامة عبدالكريم العنزي، وحزب الفضيلة بزعامة محمد اليعقوبي وغيرهم، فقد خصّتهم بعناية مماثلة، لكنها أذابتهم في المجموع الشيعي، تكميلاً مرة، وإعاقة مرة أخرى، لكن كلاهما في نهاية الأمر يصبّان في إناء واحد.

بعد أن استقرّت القاطرة على هكذا حال، بدأ الإيرانيون في جردة الحساب. على المستوى الشعبي قاربوا نتائج الانتخابات ما بين حليف وآخر، تارة عبر مَجَسّ القاسم الانتخابي، ومرة أخرى بغيره. وحين تبدّى لهم أن هذا الحليف أكثر حضوراً من غيره منحوه تأييدهم ودعمهم.

وهذا ما حصل بعد الانتخابات الأخيرة. فحين نال الحلفاء مقاعدهم (المالكي 89، الصدر 40، الحكيم 20، الإصلاح 1 ... إلخ) بدأت المفاضلات الإيرانية تعمل بجدّية. فهي تطمح في تسويق اسهمها بين القطاعات الشعبية التي تتوزّع على متنافرات عشائرية عصيّة على الكسر.

وما بين حكومة عراقية يترأسّها الشيعة، وبين ضم الأجزاء إلى الأجزاء، سَعَت طهران إلى جعل المالكي محوراً ولكنه مُكَمَّلاً بالهوامش الشيعية الأخرى. فضغطت على مقتدى الصّدر الذي يعتاش على أراضيها وعبر مُرشده الروحي المرجع الحائري لدعم المالكي ونجحت في ذلك.

ثم جاءت إلى حليفها التاريخي (المجلس الأعلى) وضغطت عليه لكي يدعم المالكي، لكنها لم تُفلِح فاضطرت إلى فَتِّ أحد عَضُدَيْه بقضم المجلس عبر جرّ منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري والذي يمتلك نصف مقاعد المجلس إلى تحالف دعم نوري المالكي الذي جرى قبل أيام.

كما أن طهران استخدمت نفوذها القوي داخل المرجعية الشيعية في النجف الأشرف لممارسة دور لرفع الغطاء أمام أيّ اعتراضات قد يُبديها طرف شيعي أمام ترشيح المالكي. ويُمكن رؤية هذا الموقف في خطبة الجمعة لممثل المرجع الديني السيد علي السيستاني في مدينة كربلاء.

في البُعد السياسي، فإن إيران حازت من حكومة المالكي على ثلاثة أمور هي غاية في الأهمية. الأمر الأول: هو مُناكفته (على الأقل في مرحلة سابقة) للنفوذ العربي في العراق والذي كانت طهران أصلاً قد دخلت في مواجهة إقليمية مفتوحة معه في مناطق مختلفة كلبنان وفلسطين.

الأمر الثاني، أن حكومة المالكي مَنَحَت طهران فرصة لعب دور الوسيط بينها وبين عدد من الأطراف في المنطقة، كتركيا وسورية التي ساءت العلاقات معها بشدّة، الأمر الذي منحها (أي إيران) فرصة اللعب كبوابة «حصريّة» في ملفات حسّاسة ومحدّدة في الداخل العراقي.

الأمر الثالث، أن حكومة المالكي أفردت لطهران حصّة لا تُعوّض في شئون سياسية واقتصادية وثقافية في داخل العراق وبدون مُنغّصات، وهو ما يعني مُتنفساً حيوياً لها في ظل مساعٍ غربية لخنقها بالعقوبات المتدحرجة بسبب برنامجها النووي ورؤيتها لأمن المنطقة.

هذه الأمور لا يُمكن أن تساوم عليها طهران أمام علاقات تاريخية مع المجلس الأعلى والذي بات الإيرانيون ينظرون إلى موقفه من المالكي على أنه حالة طوباويّة مُصاحبة لخلاف على المصالح كان يُمكن ترشيقه وإعادة تأهيله عبر «المجموع» المذهبي الشيعي في الحكومة.

بالنسبة للمجلس الأعلى فإنه اليوم أمام خيارين. إما أن يقِف موقف «المُقاطِع الإيجابي» عبر الابتعاد عن إجماع «أغلبية التحالف الوطني» مع إبقاء علاقته بطهران، وهو ذات المنطق الذي عبّر عنه عمّار الحكيم في الملتقى الثقافي الذي عُقِدَ في مكتبه الخاص قبل خمسة أيام، والذي أوضحه أكثر عضو المجلس الأعلى جمعة العطواني عندما قال «المجلس ليس لديه تحفظات على المالكي، فإذا استطاع تشكيل حكومة شراكة فنحن معه وسنشارك فيها، وأن عدم حضورنا الاجتماع لا يعني رفضنا المطلق أو القبول المطلق».

أما الخيار الثاني، فهو السير باتجاه «القائمة العراقية» بزعامة إياد علاوي وبالتالي المضي أكثر نحو القاطرة العربية التي تتهيّأ للدخول في العراق ولكن بتوجّس، مع أنها لم تُقدّم الدعم اللازم لكتلة علاوي رغم مناشداته المتكررة لها بعد حصوله على أكبر عدد من المقاعد النيابية.

وإذا ما عُرِفَ أن عدداً من الدول العربية تنتظر تشكيل الحكومة لإتمام اتصالاتها بالحكومة العراقية وتسمية سفراء معتمدين لها فيه ومنه لديها، فهذا يعني أن فرصة المجلس الأعلى لنيل دعم عربي ستكون ضائعة، مع إضافة كونه حليفاً طارئاً لها وغير مضمون الجانب.

في المحصّلة فإن موقف المجلس الأعلى من ترشيح المالكي هو موقف مبدئي وأخلاقي يُحسَب له برفضه التشكيل على أسس مذهبية وبغالبية سياسية، لكنه بالتأكيد لم ولن يكون «واقعياً» يُحاكي مشروعه رغم أنه بات قوياً على المستوى السياسي والأمني والعسكري، إلاّ إذا جاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى دمشق يوم السبت بجديد ولصالح القائمة العراقية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2950 - الأحد 03 أكتوبر 2010م الموافق 24 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 3:29 م

      كلام كثير يفتقر لابسط دليل

      المقال لايرتقي لمستوى التحليل العلمي الدقيق وانما يلبس الحالة العراقية ما يراه الكاتب فقد جعل من الجميع و كانهم ادوات طيعة لا عقول لها ابد فقد جعل بعض الفقهاء و الساسة و كانهم لا عقول لهم و هذا كلام فيه افترا كثير حسب رايي و ارى ان الكايب مطالب بوضع المعطيات التي قام عليها التحليل.
      لو صح ما ذهب له الكاتب فينبغي ان نسئل لماذا تاخر تشكل الحكومة اذا كان لدى ايران كل هذا النفوذ؟؟ الا يستطيع من يملك كل هذا النفوذ ان يشكل الحكومة في ثاني يوم بعد الانتخابات؟؟؟

    • زائر 15 | 2:13 م

      الى مدرس الفاشل وأبوه جنوساني وأني شاك فيكم وكأنكم شخص واحد

      الخليج الفارسي الواقع والتاريخ والجغرافيه والسياسه والديمقراطيه والزمن يقول هذا شئ ليش عندك حسد عيب أستح قليل من حياء

    • زائر 14 | 1:43 م

      إلى المدرس الثانوي ( تتمة )

      .... وتعرف جيدا أن السيد الإمام الخميني سماه الخليج الإسلامي ، لكنك تتعامى عن كل هذا وتصر على النظر إلى ما يعجبك من تصريحات بغض النظر عن قيمتها ومن تمثل ، شخصا أم كامل الجمهورية ، إن كانت هناك عنصرية نتنة فهي في تعليقاتك التي تفوح منها بغض القومية الفارسية ، القومية التي قال عنها الرسول (ص) : لو كان العلم بالثريا لناله رجال من أبناء فارس . و ارجع لكتب المحققين العظام حول غيبة الإمام (عج ) لترى كم من أنصار الإمام هم من الفرس بل أساس جيشه كالخراساني وشعيب بن صالح ( حامل لواء الإمام ) من الفرس

    • زائر 13 | 10:28 ص

      إلى المدرس الثانوي

      لا كلش إنتو الحمل الوديع والبطة البيضاء : بـــاك بـــــاك بـــــاااااك !!! تصريحات فردية تعممونها على كل إيران ، تعرف جيدا أن كل كبار الساسة في إيران رفضوا تصريحات نائب نجاد بشأن أمة فارس وهاجموها بشدة خاصة آية الله الشيخ مصباح اليزدي ( أستاذ الرئيس نجاد ومرشده السياسي والروحي بعد السيد القائد ) وعامة الصحف الإيرانية كصحيفة كيهان وغيرها ، أما الخليج الفارسي فليس سوى اختلاف تسمية تريدون جعل الحبة قبة ،...

    • زائر 12 | 9:31 ص

      الكاتب يحلل

      الكاتب يحلل الامور وكانه موجود في جميع مراحل التدخل الايراني!!! حتى الايرانيين لو ياقراون تحليله لتدخلهم لشكو في انفسهم بان احدهم كان يسرب هذه المعلومات.......

    • زائر 11 | 5:28 ص

      لصاحب المداخلة رقم 8

      الكاتب لم يتدخل في الشان العراقي ولا الإيراني هو يوصف حاله فقط

    • زائر 10 | 5:06 ص

      التدخل الايجابي

      كل دول جوار العراق لها تدخل في الداخل العراقي بطريقة أو بأخرى ولكن هناك تخلات سلبية مثل من يدعمون الارهابيين لكي يخلقوا وضعاً يخدم تطلعاتهم في العراق ومن تطلعاتهم عدم قيام نظام ديموقراطي لانه سرعان ما سوف يؤثر على دولهم ولذلك يجتهدون في دعم القائمة المتبطة بالخلايا الارهابية أما التدخل الايجابي فهو دعم النظرة الصحيحة للمحرومين حديثي العهد بالشأن السياسي وتنظيمهم قدر الامكان حتى لايكونو لقمة سائغة بيد السياسيين المتبطيين بهنا وهناك

    • مدرس ثانوي 1 | 5:03 ص

      مدرس ثانوي

      لا تظلمون بختكم يا جماعة إيران حمل وديع ليس لها علاقة بالعراق ولا تتدخل في شئونه الداخلية ولا تثير الفتن الطائفية هناك و ليس لمخابراتها أي دور يذكر في العراق ، مسكينة إيران تريد مصلحة العراق و إستقراره و تريد مصلحة جميع الدول العربية و الإسلامية ولا عندها عنصرية ولا قومية بالعكس مبدأهم الإسلام و ليس القومية الفارسية ، ما تشوفون خطب مسئوليهم يقولون أمة الإسلام و لا يقولون أمة فارس و يقولون الخليج الاسلامي ولا يقولون الخليج الفارسي .

    • زائر 9 | 4:39 ص

      استفسار

      أخ محمد عبدالله محمد ، ما هو تخصصك الاصلي.. اختصاي في الشؤون الايرانية ؟ ام العراقية أليس لديك اسطوانه اخرى غيرهم ألم ترى انك قتلت قارئيك ومن تكتب عنها .؟؟؟ لماذا لا تعرج على بلدك

    • زائر 8 | 3:05 ص

      ألا تخشى يا أستاذ محمد؟

      يا أستاذ محمد ، حفظك الله لنا . ألا تخشى أن توجه إليك تهمة اتهام الجمهورية الإسلامية بالتدخل في شئون العراق؟

    • زائر 7 | 2:21 ص

      أين الأدلة

      المشكلة يا أستاذ محمد .. مقالك يفتقر للأدلة

    • Ebrahim Ganusan | 1:21 ص

      إيران الحمل الوديع

      مَنْ تَخَلَّى عَنْ مَنْ: إيران أم الحكيم؟................ إيران ترتب الحلفاء حسب متغيرات الظروف وحسب أولويات المصالح الإيرانية .... تتم البرمجة عبر الحائري ....وتصوير المشاهد على الارض العراقية ,,, إيران حليفها الاول المالكي ولو رفع شعار الدولة المدنية المرفوض من الولي الفقية ,هذا امر لايعني شيء لإيران,, المصلحةالإيرانية فوق كل اعتبار,,,,,, آل الحكيم دورهم بالنسبة لإيران كان دور تاريخي,,,والآن تزوجت إيران من المالكي لانه يجيد غض الطرف عنهم وتوغلهم وهم بدورهم له رافعين وشافعين له عند بقية الاحزاب

    • زائر 6 | 1:00 ص

      عندي سؤال

      اذا كانت لايران كل هذه السيطرة وهي الآمر الناهي في العراق على حد زعمك ، فاين محل امريكا من الاعراب ؟

    • زائر 5 | 12:42 ص

      !!!!

      تحليل ممتاز ورصين من الكاتب العزيز .. إيران هي اللاعب الأساسي في العراق كما قال إياد علاوي ، وهذه من دورات الزمن

    • زائر 4 | 11:56 م

      ايران غالبة غالبة

      رحتوا فوق لو نزلتوا تحت ايران غالبة غالبة
      وشكرا للكاتب التي يتحفنا بمثل هذه المقالات الرائعة

    • زائر 3 | 11:43 م

      تصريحات سابقة

      قبل ايام صرح السفير الايراني في العراق بان ايران تود ان تتشكل الحكومة لكنه نفى ان يكون لبلاده تدخل في الشئون العراقية واعتقد انه صادق فيما يقول

    • زائر 2 | 11:33 م

      الساسة

      استادي الكريم
      تحليلك ممتاز ومهم ويصلح ان يقراه الساسة العراقيون لكي يعرفوا اين هم الآن

    • زائر 1 | 9:10 م

      ايران سبب المشاكل !!!

      ويش دخل ايران فى العراق ..بسكم حقد على الجمهورية , تبغون اتقولون ان سبب المشاكل فى العالم كله من ايران ؟ العراق فيها حكومة و ايران ما تقدر تسوى شى فى العراق الا باذن العراق .

اقرأ ايضاً