العدد 2950 - الأحد 03 أكتوبر 2010م الموافق 24 شوال 1431هـ

دور الإعـلام البنـاء

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تلقيت مكالمة هاتفية حملت نوعاً من العتاب الممزوج باللوعة، على عدم تناولي موضوع الإعلام من زاوية شمولية. حرصت على الإنصات، دون الدخول في أي شكل من أشكال الحوار، رغبة مني في الوصول إلى أقصى ما تريده المتصلة التي أسهبت في الحديث عن «عدم رضاها» مما يسود الإعلام اليوم من تشويهات.

بعد مراجعة سريعة للذات، ولما تركه ذلك الصوت النسائي «الناعم» المحتج، من صدى داخلي في نفسي، قررت أن أتناول الموضوع، رغم قناعتي بوعورة أرضه، وصعوبة تناول قضاياه، في الوقت الراهن، نظراً للظروف السياسية الاستثنائية التي تمر بها البحرين، والتي تنعكس في التوتر السياسي، والاحتقان الاجتماعي الذي يسود مسرح صراعاتها.

وقبل البدء في الحديث، لابد من الإشارة إلى أن المقصود بالإعلام هنا، هو ما تتلقاه الساحة البحرينية من مواد إعلامية محلية، سواء كان المرسل الذي يقف وراءها أجهزة رسمية، أو الجهات المعارضة بمختلف فئاتها، فما يلاحظه المشاهد، من بعيد، اليوم، هو سيادة الإعلام المتوتر المنفعل لدى الأطراف كافة، وهو أمر يحول دون تحقيق مسألتين أساسيتين:

الأولى هي قدرة أي من الطرفين على الإصغاء للآخر، فبقدر ما يجري سوء تلقي إعلام السلطة، بقدر ما ترفض السلطة الإصغاء لإعلام المعارضة. كلاهما قرر أن يضع وغراً في أذنيه، فتحولت، جراء ذلك، قنوات الإرسال إلى طريق في اتجاه واحد فقط، الأمر الذي يفقد المادة الإعلامية الكثير من دورها وجدواها.

أما الثانية، فهي الحيلولة دون انحراف المادة الإعلامية ذاتها، عن دورها الإستراتيجي التنموي/ السياسي البناء، إلى التكتيكي التحريضي المحدود الأفق أحياناً، والهدام في أحيان كثيرة. ومن هنا فالمطلوب اليوم التمرد على هذه الحالة السائدة، والتحول نحو إعلام لمادته قيمة «معرفية»، تحمل في أحشائها أهدافاً تنموية.

وللانتقال من الخانة السلبية التي يترنح فيها إعلامنا اليوم، إلى المربع الإيجابي الذي نريده أن يصل إليه، ينبغي الاتفاق على الحقائق التالية:

1. على المستوى العالمي، وفي النطاق السياسي، أعطت ثورة الاتصالات والمعلومات، وبتزاوجها مع قوانين ومتطلبات العولمة، بعداً جديداً للإعلام، يقوم على تهشيم الحواجز القطرية، بل وحتى الإقليمية، بما يقوده هذا الهدم من تزاوج القضايا المحلية مع تلك الدولية.

هذا الربط «القسري»، الذي فرضته تلك الثورة، يجعل الإعلام مطالباً هو الآخر أن يحسن العمل وفق أطر ذلك التزاوج، ويراعي انعكاساته، عند اختيار المادة الإعلامية، وطرق صياغتها، وقنوات وتوقيت بثها، مع أهمية تحديد مواصفات الجهة المتلقية لها. لم يعد هناك مكان للفصل القديم، بين ما هو محلي وما هو عالمي، فقد تزايدت مساحة الرقعة المشتركة بينهما.

2. على المستوى العالمي أيضاً، وفي النطاق التشريعي، قبرت تلك الثورة، تلك القوانين التي كانت تسير المجتمعات التقليدية، بما فيها آليات وسائل الإعلام في تلك المجتمعات، ووضعت الأطراف جميعها أمام متطلبات جديدة، ذات علاقة بالمسئولية والإجراءات.

فبقدر ما حرمت تلك الثورة أجهزة القمع من تصرفاتها غير الشرعية في مصادرة حق المعارضة في التعبير عن آرائها، بقدر ما طالبت هذه الأخيرة باحترام القانون، والتقيد بالأنظمة الشرعية المتحضرة المعمول بها في البلد المعني. لقد سلطت تلك الثورة الأضواء على سلوكيات الأطراف كافة، ولم يعد في وسع أحد تبرير ما لا تقبل به قوانين المجتمعات المتحضرة.

3. على الصعيد المحلي، أطاح المشروع الإصلاحي وإفرازاته، ذلك الحاجز النفسي، الذي كان شبيهاً بسور الصين العظيم، في فصله بين المعارضة، ومن ثم فلم تعد قنوات الإعلام الرسمي، محظورة على أطراف المعارضة، التي بات من حقها، وإن كان بشكل محدود، وفي نطاق ضيق، أن توصل صوتها إلى جمهورها من خلال تلك القنوات. هذه الحالة، شجعت الكثيرين، ممن كانوا يتحاشون التعامل مع مؤسسات الدولة، على مغادرة هذه الذهنية، وولوج تجربة مخاطبة المواطن، من تلك القنوات من أجل إيصال صوتهم إليه.

4. على الصعيد المحلي أيضاً، ولدت تلك الثورة نمطاً مختلفاً من أشكال التنافس المهني القائم على الابتكار، دون الحاجة إلى رساميل ضخمة لم تكن متوفرة إلا بين أيدي مؤسسات الدولة، أو الشركات العملاقة، إذ تضع الذهنية الابتكارية بين يدي من يمتلكها قدرة فائقة على الوصول إلى الجمهور الذي يخاطبه، بكلفة ضئيلة نسبياً، تمكنه، متى ما أحسن تهيئة تلك القنوات وأحسن استخدامها، من منافسة تلك المؤسسات أو الشركات على حد سواء.

على هذا الأساس، ربما آن الأوان كي ينزع الإعلام البحريني، بشقيه الرسمي والمعارض نظارته القديمة السوداء التقليدية، ويضع مكانها واحدة معاصرة، وشتان بين «المعاصر»، و»الجديد». فبينما يحصر الأخير نفسه في العنصر الزمني، والمواصفات الشكلية، يصرّ الأول على التحول الجذري، والأخذ بما يلائم التطورات التي يشهدها المجتمع البشري.

ولعل أكثر ما نحن بحاجة إليه اليوم في البحرين هو ذلك الإعلام المعاصر الجريء القادر على التأقلم والتعايش في آنٍ مع قوانين العولمة وأنظمتها، دون التضحية بالقضايا المحلية أو التقليل من أهميتها. وفي غياب ذلك، لا ينبغي أن نتوقع، ارتخاء التوتر، أو تحول الإعلام من خانته السلبية إلى موقعه الإيجابي.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2950 - الأحد 03 أكتوبر 2010م الموافق 24 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 8:07 ص

      مجموعة النخبة الإلكترونية

      يجب تشكيل مجموعة النخبة الإلكترونية ... لمتابعة الحدث \\\\ تحياتي حماني بوصبانه

    • زائر 2 | 5:12 ص

      الاعلام لايستطيع أن ينفتح

      الاعلام لايستطيع أن ينفتح الا أدا حصل أنفراج سياسي عام أد كيف يتفاعل أعلامي مع مواضيع ميتة

    • زائر 1 | 11:19 م

      الإعلام طيب وعلى نياته ... ولكن

      الإعلام طيب وعلى نياته فقط يحتاج الى مخلصين معه وهم غير موجودين للأسف الشديد... خاصة بأن سوسة النخيل بدأت تدب في بعض المؤسسات والطفيليات تنمو وتتكاثر \\\\أخوكم عموري بوكابون

اقرأ ايضاً