ليس هيّنا أن تقرأ تقريرا عالميا يصف بصورة سيئة مدينة أو قرية أو شبرا من بلادنا الغالية بما لا يقبله أي بحريني وبما لا يليق! فليس هناك (بني آدم) سليم الفطرة والانتماء، في أقصى الأرض وأدناها، يرضى بأن تكون بقعة من بلاده ضمن (مدن الخطايا) أو ما يشبه تلك المسميات المهولة من أوصاف... لكن ذلك لا يمنع من قراءة الواقع بتجرد، والاعتراف، إن استدعى الأمر، بوجود ممارسات سيئة وتهاون سيئ وإصرار على تدمير صورة المجتمع الأصيل، والاستعاضة عنه بآخر بديل مختلط الأعراق يمحي الأصالة.
«المنامة» عاصمة بلادنا أصيلة، بتاريخها وأهلها وعطائها على مرّ السنين... من الصعب أن نفقد المنامة... إن فقدنا المنامة، فقدنا هويتنا.
ذات يوم، جمعني لقاء بالحاج تقي محمد البحارنة، دار بشأن ما تتعرض له العاصمة المنامة من تضييع لهويتها، والحاج تقي، رجل أعمال وأديب ومثقف من مواليد المنامة في العام 1930، له مكانته الفكرية في البحرين والعالم العربي... فهو حين يقرع الجرس للتحذير من مغبة ضياع هوية هذه المدينة العتيدة، فإنه لا يتحدث من فراغ... وحين يطالب ويستحث النخوة الوطنية للعمل على إنقاذ المنامة، فهو يدرك جيدا ما يعني ضياع عاصمة بلادنا وطمس هويتها... في بيتين من الشعر، يجعلك البحارنة تشعر بالحزن على «منامتنا»:
أين الجوار وقد مضى
عنها الأشاوس «والنشامة»
واحتل ساحتها الأجانب
واستباحتها الرطانة
واقع حال «العاصمة» اليوم يثير القلق على هويتها، ويتطلب مبادرة حكومية وأهلية، تدفع باتجاه الحفاظ على هوية العاصمة من خلال طرح مشروع للحفاظ على ما تبقى من أصالة بحرينية بإحياء مرافق تصون هذه الهوية من خلال إحياء أشهر معالمها وبيوتها التراثية ومساجدها، تماما كما جرى مع مسجد مؤمن، لكي تبقى نابضة بأصالتها وهويتها البحرينية الشامخة.
لكن، ما الذي يجعل واحدا من أبناء البحرين، ومن عمق عاصمتها يقرع ذلك الجرس؟ لا بأس من أن نستمع إليه وهو يقول إيجازا للفكرة: «المنامة تغيرت اليوم... نعم تغيرت، وحين أذهب اليوم إلى فريق «المشبر» القريب من القلعة وفريق المخارقة، أشعر بالغربة لولا وجود مسجد مؤمن، وبقاء شخصين أو ثلاثة ممن أعرفهم هناك... لو لاهم سأشعر بأنني في بلد غريب... الجوار تغير واللهجات تغيرت، والأجانب كثروا... في السابق، ترى قلة من الناس الذين لا تعرفهم، أما اليوم، فقد تحولت بعض حواري المنامة كفريق الحطب وكانو مئة في المئة إلى حي أجنبي وهذه نقمة أصابت المنامة! والمنامة، كعاصمة، إذا لم تشهد حركة تنقذها من حالها فستخسر تاريخها، وهذا يتطلب تنفيذ مشروع للحفاظ على هويتها... في نظري يجب أن يكون في المنامة 20 مرفقا تبقى بمثابة معلم من معالم العاصمة، ومنها بيوت التجار أو العلماء أو المثقفين من كان لهم إسهام كبير في خدمة الوطن... بحيث تستقطب تلك المعالم الناس، من مواطنين ومقيمين وسواح، فالعاصمة مهددة، وهناك شوارع وطرقات يجب أن تبقى وإن كانت الطرقات ضيقة، فنحن اليوم في حاجة ماسة إلى إنقاذ عاصمتنا العزيزة.
وللحديث صلة..
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2417 - السبت 18 أبريل 2009م الموافق 22 ربيع الثاني 1430هـ