العدد 2417 - السبت 18 أبريل 2009م الموافق 22 ربيع الثاني 1430هـ

ماذا لو عاد المتنبي؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أبوالطيب أحمد بن الحسين المتنبي أكبر فحول الشعر في التاريخ العربي، ترك وراءه شعرا وسيرة مازالت تثير الكثير من الجدل، وكثيرا من أبيات الحكمة التي نردّدها في المناسبات.

من أشهر أبيات المتنبي السيّارة «عيدٌ بأية حال عدت يا عيد»، حيث لا تخلو صحيفةٌ في كلّ عيدٍ، في هذا الزمن الرديء، من مقال أو مقالين يفتتح بهذا البيت الحزين.

هذه القصيدة لم يقلها المتنبي عن العيد أصلا، وإنّما للنعي على كافور، الذي وصل بالصدفة إلى حكم مصر. ولذلك أكثَرَ من ذمّه إلى درجة أن نضحت بعض أبياتها برائحةٍ عنصريةٍ بغيضة، بعيدةٍ عن روح الإسلام، حين تكلّم عن لون كافور الأسود، وأصله وماضيه.

إلى ذلك، كانت القصيدة تعكس جوا من تلك الحقبة التاريخية، التي سيطر فيها العسكر على الحكم، فأذلّ الناس وأرجعهم القهقرى، فهو يقول:

من كلّ رخوٍ وكاءِ البطـنِ منفتـقٍ

لا في الرجالِ ولا النسوانِ معـدودُ

نامت نواطيرُ مصرٍ عـن ثعالِبِهـا

فقد بشِمْـن ومـا تفنـى العناقيـدُ

ثم يعلن ثورته على هذا الواقع الفاسد الذي يعبث فيه الثعالب والمنافقون والمتلاعبون بمصير الأمة، فيصرخ قائلا:

ويلُمِّها خطة... ويلُمِّ قابِلها

لمثلها خُلق المهرية القُودُ

فهو يلعن الخطة التي تقضي بتركيع الأمة لأعدائها، وتلاعب حكّامها الطارئون بمصيرها، ويلعن من يقبل هذه الخطة بقوله: «ويل أمّ هذه الخطة... وويل أمّ من يقبلها»! قالها في زمنٍ لم يبلغ فيه الانهيار العربي ما بلغه الآن، من خيانة الأخ وتواطؤ الصديق وظلم ذوي القربى الذي لا تحتمله العقول.

قالها المتنبي بعد هربه من مصر، ووصوله إلى فلسطين حيث أصبح آمنا من الطلب، ولم تكن خاضعة لعدوّ الأمة، الذي يستذل شعبها ويسفك دماء أبنائها وينتهك مقدساتها، ولم يكن كافور يشارك ذلك العدو بإحكام حصارها والتعاون الأمني معه.

أشعار المتنبي رغم أن أغلبها كانت تدور حول مدح الحكام والأمراء، إلا أنها كانت مليئة بالحماسة والأنَفَة والتعبير عن الشجاعة والإقدام، لكنه في هذه القصيدة يبدو ثائرا، غاضبا، حانقا، حتى أطلق صرخته المدوية الأخيرة في وجه هذا التفسّخ والانهيار:

وعندها لذّ طعم الموت شاربه

إن المنيةَ عند الذلّ قنديدُ

فهذا الشاعر الذي عاش مقرّبا من الأمراء، متنقلا من بلاطٍ إلى آخر، باحثا عن المجد والجاه والثروة، كفر بكل ذلك، فلم يعد يحتمل كل هذه الردّة عن مسلمات الأمة، وكل هذا النفاق. ليصرخ بوجه هذه الموجة التي ترفع الثعالب والجبناء، وتنال من الأبطال الذين صنعوا المجد وهزموا العدو مرتين خلال عقدٍ واحد، بينما لم تسجّل الجيوش النظامية الجرّارة خلال ستين عاما، غير الهزائم والنكسات والنكبات.

في قاموس المتنبي، تعريفٌ للكرامة والمجد الذي أصبح غريبا في زمن فضائيات «الرقص أكاديمي»:

ولا تحسبن المجدَ زقا وقينة

فما المجدُ إلا السيفُ والفتكةُ البِكرُ

وتركُك في الدنيا دويّا كأنّما

تطاول أذنَ المرءِ أنملُهُ العشرُ

فماذا لو عاد المتنبي اليوم؟ هل سيعاود الفرار بجلده مرة أخرى إلى فلسطين؟ وكم قصيدة ستجود بها قريحته عندما يدخل غزة المحاصَرة؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2417 - السبت 18 أبريل 2009م الموافق 22 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً