العدد 2417 - السبت 18 أبريل 2009م الموافق 22 ربيع الثاني 1430هـ

صبر «هافانا» يؤتي أُكله

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في خطابه الذي ألقاه أمام القمة الخامسة للأميركتين، كشف الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن سعي الولايات المتحدة إلى «بداية جديدة في علاقاتها مع كوبا الشيوعية». مؤكدا أن هناك «مشوار أطول يتعين القيام به للتغلب على عقود من انعدام الثقة ولكن توجد خطوات سريعة نستطيع القيام بها في اتجاه يوم جديد».

وكان أوباما قد مهد لذلك بخطوة أبدى فيها حسن نوايا واشنطن، حينما خفف في الأسبوع الماضي من أشكال الحظر التجاري الذي تفرضه أميركا على كوبا منذ 47 عاما، «عبر نزع بعض القيود المتعلقة بالسفر والتحويلات المالية مع الدولة الشيوعية بالنسبة للكوبيين من أصل أميركي».

الانطباع السائد حول تاريخ الخلاف الكوبي - الأميركي، أنه يعود إلى بداية الستينيات من القرن الماضي، إثر انتصار الثورة الكوبية والإطاحة بحكم باتيستا، وتصاعد ذلك بعد انحياز هافانا إلى الجناح السوفياتي في المعسكر الاشتراكي. لكن جذور الخلاف تعود إلى أبكر من ذلك بكثير كما يرد في موقع السفارة الكوبية في لبنان، الذي يرجعه إلى العام 1805، عندما أبدى الرئيس الأميركي في ذلك الوقت توماس جيفرسون في أحد الرسائل الموجهة إلى الوزير الإنجليزي في واشنطن عن نية الولايات المتحدة في «السيطرة على كوبا لاعتبارات استراتيجية من أجل الدفاع عن لويزيانا وفلوريدا في حال اندلعت الحرب بين بريطانية وأسبانيا». ثم جاء العام 1810، كي يطلب الرئيس الأميركي جيمس ميدسون من وزيره في لندن ويليام بكنوي «إطلاع إدارة ذلك البلد على أن موقع كوبا يعطي الولايات المتحدة الأمريكية أهمية كبيرة جداَ في مصير هذه الجزيرة، وحتى لو بقيت غير نشطة، فلن تقف متفرجة ومقتنعة بوقوعها تحت سيطرة أية حكومة أوروبية».

ويسرد الموقع الكثير من التصريحات المنسوبة للرؤساء الأمريكيين الذين يؤكدون فيها الأهمية الإستراتيجية للجزر الكوبية إلى درجة أن ثلاثة رؤساء منهم: «بولك في عام 1848، وبيرس في عام 1853 وبوشانان في عام 1857»، وصل بهم الأمر إلى أن يبدو استعدادهم لشراء كوبا في حال اضطرارهم لذلك. أما أول احتلال أميركي لكوبا فقد تم في يناير/ كانون الثاني من العام 1899، حينما «تسلم الجنرال جون بروكي السلطة على جزيرة كوبا باسم الولايات المتحدة الأميركية. واستمرت السيطرة العسكرية لمدة 4 سنوات». ثم تتالت الأحداث بعد انتصار الثورة الكوبية، فطبق القوانين الأميركية الجائرة بحقها مثل قانون توريسيلي. في العام 1992، وقانون هيلمز بورتون في العام 1996.

لذلك فإن ما يزيحه أوباما اليوم هو غبار راكمته العنجهية الأميركية، تجاه دولة صغيرة مجاورة لها على مدى قرنين من الزمان، تعترف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بفشله، وترحب في الوقت ذاته بالانفتاح الذي أبداه الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، مشيرة إلى أن واشنطن تواصل «البحث عن سبل أكثر نجاعة لدفع العلاقات الأميركية الكوبية، لأن الرئيس أوباما وأنا شخصيا والإدارة نرى أن السياسة الحالية تجاه كوبا فشلت».

هذه الخطوة الأميركية تتناقض تماما مع السياسة العدوانية التي اتبعتها واشنطن تجاه كوبا، ووصلت ذروتها خلال الحقبة البوشية، نسبة إلى «جورج بوش « والتي كان آخر علاماتها ذلك الموقف الأميركي الرسمي الذي تجاهل دعوة هافانا واشنطن في يوليو/ تموز 2008، إلى «تخفيف الحصار التجاري المفروض على بلادهم منذ عقود» من أجل مساعدتها على الوقوف في وجه الدمار الذي خلفته الفيضانات التي اجتاحت كوبا حينها، جراء الأعاصير القوية التي عصفت بها.

في هذه الخطوة الأميركية الأخيرة المتفتحة الكثير من العبر والدروس، فقد قاسى الشعب الكوبي الأمرين من الحصار الأميركي، بل لعل السياسة الأميركية المجحفة كانت أحد الأسباب الرئيسية التي عجلت بدفع كوبا نحو أحضان الاتحاد السوفياتي في الستينيات من القرن الماضي. لكن صبر هافانا يؤتي أكله اليوم، فنجد واشنطن، مرغمة بالتطورات التي تعصف بها داخليا، وبالتحولات التي تمر بها العلاقات بين الدول عالميا، على الاعتراف بخطأ سياستها التي مارستها تجاه كوبا ولما يزيد على ستة عقود أولا، ورغبتها في تصحيح ذلك ثانيا وليس أخيرا.

إن مصالح واشنطن قبل أي شيء آخر هي التي دفعت أوباما، ومعه وزيرة خارجيته، إلى الإصرار على فتح صفحة جديدة في سفر العلاقات الكوبية - الأميركية، لكن ذلك لم يكن ليتم لولا صمود كوبا وتضحيات شعبها، المؤمن بقيادته والسائر خلفها. لا أحد ينكر أن في التجربة الكوبية الكثير من الأخطاء، لكن الشيء الثابت الصحيح فيها دائما كان موقفها المبدئي الصارم من الولايات المتحدة.

ربما في الموقف الكوبي الثابت على رأيه، وفي التنازل الأميركي المضطر إلى الرضوخ للواقع، عبرة لنا نحن العرب في كيفية إدارة الصراع مع القوى الخارجية، وتحديد المواقف منها، سواء كانت تلك القوى حليفة لنا أم معادية. وأن تكون مواقفنا ذات رؤية استراتيجية طويلة المدى بدلا من التذبذب الذي تسيره بعض المواقف التكتيكية الآنية، كالتي نشهدها كل يوم.

بود المواطن العربي أن يرى موقفا ناضجا متكاملا من قوة معادية، ليس بالضرورة هنا الولايات المتحدة، مثل «إسرائيل»، التي ربما آن الأوان أن تحكم موقفنا منها خطة طويلة الأمد تنتهي في نهاية المطاف، ولو بعد ربع قرن، بإعادة الحق لأصحابه، بدلا من ضياعه على دفعات كما حصل منذ العام 1948.

متى تأتي السياسة العربية أُكلها، بعد أن أضاعت الكثير من حقوقها على امتداد، السنوات الخمسين الأخيرة، إن لم نقل القرنين الماضيين؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2417 - السبت 18 أبريل 2009م الموافق 22 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً