العدد 2417 - السبت 18 أبريل 2009م الموافق 22 ربيع الثاني 1430هـ

واقع التشريعات والممارسة لمكافحة الفساد في دول مجلس التعاون الخليجي... البحرين (1/3)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تعتبر جهود دول مجلس التعاون الخليجي الست في مكافحة الفساد جهودا حديثة ومترددة. وتعتبر التشريعات الوطنية منها أو الدولية أو الإقليمية التي يجرى الانضمام لها مؤشرات مهمة على عزم الدول والمجتمع لمكافحة الفساد والمحاباة والتمييز وتعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة.

هذه الورقة مقدمة إلى مؤتمر المساءلة والشفافية ودورها في تنميه الاقتصاد الخليجي، الذي عقد في مسقط، في الفترة (21 - 22 مارس/ آذار الماضي)، نستعرض فيها واقع التشريعات والأجهزة الرسمية المترتبة عليها والممارسة الرسمية فيما يتعلق بمكافحة الفساد، ونبدأ بالحلقة الأولى عن البحرين.

أولا: الالتزامات الدولية

تعتبر الاتفاق الدولية لمكافحة الفساد والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة من أهم الاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد. وعلى رغم أن بعض دول مجلس التعاون وقّعت عليها، إلا أن الكويت هي الوحيدة من بينها التي صدقت عليها. وتجرى محاولات في بعضها مثل البحرين لتصديق البرلمان عليها، ولكن لا يمكن الجزم بالنتيجة. وبالنسبة لكل من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية فليست هناك أية اتفاقية جماعية لمكافحة الفساد من ضمن اتفاقات كل منهما.

ثانيا: التشريعات الوطنية

تتفاوت دول مجلس التعاون في تشريعاتها الوطنية المتعلقة بمكافحة الفساد ومن ذلك الإفصاح عن الذمة المالية لكبار المسئولين وحرية الوصول إلى المعلومات، والمناقصات العامة. وتختلف دول المجلس في آلية إصدار مثل هذه التشريعات والجهة المنوط بها إصدارها، ووجود جهات الرقابة الرسمية وفعاليتها، كما تتفاوت في فعالية جهات الرقابة الأهلية من صحافة ومنظمات مجتمع مدني. ولنبدأ بعرض الحالة البحرينية.

نالت البحرين استقلالها عن بريطانيا في 14 أغسطس/ آب 1971، وصدر أول دستور لها في 10ديسمبر/ كانون الأول 1973، وعلى أساسه أجريت أول انتخابات للمجلس الوطني في 15 ديسمبر1973 والمشكل من 30 نائبا منتخبا يضاف إليهم الوزراء بحيث لا يتعدى عددهم 14 وزيرا. ويعتبر دستور 1973 مثيلا للدستور الكويتي. لكن التجربة البرلمانية سرعان ما تعرضت للانتكاس حيث جرى حلّ المجلس وتعليق العمل بمواد عديدة من الدستور في 26 أغسطس 1975 حتى صدور الدستور الجديد في 14 فبراير/ شباط 2002، في ظل العهد الجديد لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ضمن مشروع الانفتاح والإصلاح.

وهكذا لم يقدر للتجربة البرلمانية بما في ذلك البناء على الدستور في البحرين أن تترسخ. ولذا يمكن القول إن مراجعتنا لأوضاع الفساد ومكافحته تنطلق من إصدار الدستور 2002 بأمر أميري.

السلطة التشريعية

يعتبر دستور 2002 أضعف بكثير من دستور 1973، فيما يتعلق بالدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب المنتخب، حيث يتشارك في ذلك مع مجلس الشورى المعين، كما أن الملك والسلطة التنفيذية تشارك السلطة التشريعية من المجلسين في التشريع.

وبناء على اللائحة الداخلية لمجلس النواب، الصادرة بمرسوم أميري فإنه لا سلطة لمجلس النواب على استجواب أو طرح الثقة برئيس الوزراء، كما أن سلطته في مراقبة السلطة التنفيذية واستجواب الوزراء وطرح الثقة بهم والتحقيق في قضايا الفساد ضعيف. وبمراجعة الفصلين التشريعين لمجلس النواب فإنه نجح فقط في التحقيق في الفساد في هيئة التأمينات وصندوق التقاعد في الفصل التشريعي الأول، لكنه لم ينجح حتى الآن في الوصول إلى نتيجة إيجابية في التحقيقات في قضايا حيوية مثل ملكية الأراضي، وممتلكات الدولة، وخليج توبلي، ولم ينجح في أن يترتب على استجواب أي من الوزراء استقالة أو طرح الثقة بأي وزير.

لكنه يسجل لمجلس النواب في الفصل التشريعي الثاني، إنه رفض إقرار موازنة الدولة للعامين 2009 - 2010، على امتداد خمسة أشهر، بسبب نقص أو تلاعب في المعلومات.

إن من صلاحيات مجلس النواب الحصول على موازنة الدولة وطلب الوثائق التكميلية واقتراح تعديلات عليها، وإقرارها أو رفضها. لكن الحكومة تملك في النهاية الموافقة أو رفض تعديلات مجلس النواب، ورفض تقديم بعض المعلومات مثل مداخيل الدولة بالتفصيل والفائض المالي، وموازنات الشركات الحكومية بالتفصيل وبند مصروفات الديوان الملكي، والمصروفات الخاصة المتعلقة بالدفاع والأمن، وبذا فإن الموازنة التي يناقشها ويقرها مجلس النواب ليست هي الموازنة النهائية.

يستطيع مجلس النواب نظريا أن يقترح ويناقش ويقر التشريعات ويحيلها لمجلس الشورى، لكنه عمليا لا يستطيع ذلك لأن للحكومة الأفضلية في التقدم بالتشريعات. كما أن الصياغة النهائية لأي مشروع قانون مناطة بالحكومة من خلال الدائرة القانونية، وتستطيع الحكومة الاحتفاظ بهذا الحق حتى نهاية الدورة التشريعية الثانية من تاريخ تقدم المجلس باقتراح برغبة بمشروع قانون.

أما استجواب أي وزير فيتطلب طلب 5 نواب الأقل، ويتم الاستجواب في اللجنة البرلمانية المعنية وليس أمام المجلس، ويتطلب طرح الثقة بالوزير الأغلبية النسبية. أما طلب التحقيق في أي قضية فتتطلب موافقة اللجنة البرلمانية المختصة، ومكتب المجلس، وموافقة الأغلبية النسبية للنواب. وعلى رغم ما ينص عليه الدستور ولائحة المجلس عن وجوب تعاون الوزراء المعنيين مع أي تحقيق برلماني، إلا أن ذلك لا يتحقق دائما، كما في حالة التحقيق في ممتلكات الدولة.

-2 أجهزه الرقابة

-2.1 ديوان الرقابة المالية

بموجب مرسوم ملكي للعام 2002 جرى إصدار قانون بمرسوم بشأن ديوان الرقابة المالية وبموجبه يجرى تعيين رئيسه بمرسوم ملكي، ويقوم الرئيس باختيار طاقم موظفي الديوان. يختص الديوان بالقيام بعملية التدقيق المالي في موارد ومصروفات واحتياجات مختلف وزارات الدولة وشركاتها باستثناء الديوان الملكي والمصروفات الخاصة، والتى يتوجب التزامها بقواعد الديوان. ويقوم الديوان بتقديم تقرير سنوي إلى الملك ورئيس الوزراء ومجلس النواب والشورى. وقد كشفت تقارير المجلس للأعوام الثلاثة 205 - 2007 عن وجود مخالفات إدارية لكنها لم تكشف عن حالات فساد أو فاسدين، لكنه يمكن لمجلس النواب أن يستفيد من تقارير الديوان في التعمق في حالات المخالفات لأنها يمكن أن تخفي فسادا.

2.2مجلس المناقصات

هو مجلس مستقل ملحق بمجلس الوزراء. تأسس بموجب مرسوم ملكي في 9 يناير/ كانون الثاني 2003 وتم تحديد أهداف المجلس بمرسوم ملكي رقم 36 /أكتوبر 2002. ويختص بتنظيم المناقصات والمشتريات الحكومية وتعزيز المنافسة والنزاهة والكفاءة في مشتريات الحكومة. هناك حاليا تعديلات مقدمة من الحكومة إلى السلطة التشريعية لشمول مبيعات الحكومة لصلاحيات المجلس. وقد أسهم المجلس من خلال عمله طوال السنوات الماضية في تحسين سمعة البحرين والإسهام في تدفق الاستثمارات الخارجية.

-2.3 النيابة العامة

بموجب مرسوم ملكي، جرى تحويل الادعاء العام إلى النيابة العامة وفصلها عن وزارة الداخلية، واعتبارها سلطة أصيلة من القضاء. وبموجب صلاحيات النيابة العامة كونها تمثل المصلحة العامة فإن بإمكانها أن تفتح تحقيقا في أي من قضايا الفساد وتحيل المتهمين إلى المحكمة المختصة.

من خلال التجربة فإن دور النيابة العامة محدود حتى الآن. ومن أهم القضايا التي حققت فيها النيابة العامة وأحالتها إلى القضاء قضية الفساد في «ألبا» (شركة ألمنيوم البحرين)، لكنها بخلاف التحقيقات الجارية في الولايات المتحدة من قبل وزارة العدل الأميركية، فإنها لم تصل حتى الآن إلى كبار المسئولين.

-3 التشريعات

-3.1 الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد

سبق أن صدّقت مملكة البحرين على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، لكنها حتى الآن لم تصدّق عليها، ولم تحل الحكومة مشروع قانون للتصديق على الاتفاق إلى السلطة التشريعية حتى الآن.

-3.2 مشروع قانون بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد

أعدت دائرة الشئون القانونية مسودة بين مشروع قانون لسنة 2008 بإنشاء هيئة مكافحة الفساد ويتضمن 40 مادة تشمل مهمات الهيئة وآلية عملها وصلاحياتها، وقد أدخلت اللجنة التشريعية عدة تعديلات على مواد مسودة القانون وأحالها المجلس إلى الحكومة لكن الحكومة ردت بمذكرة رقم 6/2008 بتاريخ 21 مارس/ آذار 2008 فحواها أنها لا تحبذ قيام الهيئة ولا ضرورة إفشائها، وتعترض على كثير من موادها بما في ذلك التصديق على الاتفاقيه الدولية لمكافحة الفساد.

-3.3 مشروع قانون بحق الوصول للمعلومات

أعدت لجنة الخدمات بمجلس النواب مشروع قانون بحق الوصول إلى المعلومات، ويحدد مشروع القانون طريق تشكيل اللجنة الوطنية للمعلومات وصلاحياتها وآليات عملها، واستثنت من مهمات اللجنة المعلومات المتعلقة بالأمن الوطني والأمن الداخلي والديوان الملكي. وبعد إحالة المشروع إلى الحكومة، ردت الحكومة بأنها لا ترى ضرورة لصدور القانون أو تشكيل اللجنة الوطنية، والاكتفاء بتحديد مسئول في كل وزارة أو هيئة حكومية بتوفير المعلومات للمواطنين ضمن اليد ولائحة متفق عليها.

-4 الصحافة ومنظمات المجتمع المدني

في ضوء تجربة الانفتاح والإصلاح في البحرين، فقد توسع هامش حرية التعبير في البحرين، وتطورت الصحافة كمّا ونوعا. لقد أسهمت الصحافة في الكشف عن حالات فساد بمختلف أشكاله مثل تملك أراض الدولة، ومصادرة السواحل وتلوث خليج توبلي، والفساد في الشركات العامة مثل ألبا وطيران الخليج وأجهزة الدولة مثل القضاء الشرعي وديوان الخدمة المدنية. وإذا كانت الدولة قد تحملت ذلك في السنوات الماضية، فإن مزيدا من الصحافيين تتم مقاضاتهم حاليا بإحالة من النيابة العامة مما يهدد بتراجع الدور الإيجابي للصحافة الوطنية في محاربة الفساد وتعزيز النزاهة . كما أن مشروع القانون الجديد للصحافة والنشر الذي تجري مناقشته في مجلس النواب يحتوى على مواد يمكن على أساسها إحالة الصحافي إلى قانون العقوبات ومعاقبته بالحبس، ما سيشكل رادعا لعدم خوض الصحافة في قضايا الفساد.

- الجمعية البحرينية للشفافية

تأسست الجمعية البحرينية للشفافية بموجب أمر وزاري لوزير العمل والشئون الاجتماعية ونشر في الصحيفة الرسمية بتاريخ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 تحت رقم 148/ج/ث.ع كجمعية أهلية غير حكومية تختص بالعمل لنشر ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد، وذلك من خلال القيام بعملية توعية تخصصية وعامة، والعمل مع الحكومة بمختلف وزاراتها وهيئاتها والسلطة التشريعية بمجلسيها والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، من أجل مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والمساءلة بمختلف السبل من خلال التشريعات والهيئات والقضاء والوعي الوطني.

وقد قامت الجمعية لوحدها أو بالتحالف مع أطراف أخرى، بعقد الكثير من الندوات والورش والمؤتمرات، وإعداد المطبوعات، ووضع التقارير ومراقبة الانتخابات العامة للعامين 2002 - 2006 ووضع تقرير شامل لكل منهما.

ومن أبرز ما قامت به الجمعية عقد ورشة لتحليل الموازنة العامة للعامين 2009 - 2010، ترتب عليها وضع تقرير وتوصيات للجنة المالية لكل من مجلس النواب والشورى وقد أسهم ذلك في تعزيز موقف اللجنة المالية للنواب بالمساءلة للموازنة وإقناع مجلس النواب برفضها.

كما أسهمت اللجنة في طرح رأيها في مشاريع القوانين المطروحة على مجلس النواب مثل مشروع قانون حق الوصول للمعلومات، ومشروع قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وغيرها.

والجمعية عضو في هيئات وطنية مثل هيئة مراقبة حقوق الإنسان، وهيئة معهد التنمية السياسية، وعضو في منظمة الشفافية الدولية، والشبكة العربية لمراقبة الانتخابات

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2417 - السبت 18 أبريل 2009م الموافق 22 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً