لم يثق سائق الميني كوبر في قدرتي على ركن سيارتي إلى جانب سيارته بموقف أحد المجمعات، بدا قلقاً متوتراً. سألته إن كان هناك خطأ ما، رد بابتسامة خجلة ومضى لشأنه.
أزعجني ذلك، لكنني التمست للفتى الصغير عذراً، ربما تكون هذه أول سيارة يمتلكها، ثم إن هناك إشكالية النساء اللواتي لا يحسنَّ القيادة، قيادة السيارات خصوصاً، وهذا موسم انتخابات؛ ما يعني أن العودة إلى هذا المربَّع حتمية واجبة لازمة. إنه مفهوم جماعي، لا بأس بعدم الثقة إذن.
كان ذلك في أيام العيد، وكنت في طريقي لدخول أحد المجمَّعات أملاً في قضاء وقت جيد، قد ينسيني لون العيد الحزين في الخارج. على عكس ما نقلته شقيقتي، كان المجمَّع ممتلئاً عن بكرة أبيه. إنه قصْر نظر، لا بأس، لكنني لن أثق بتقديراتها بعد اليوم، ولا بالمجمَّعات، ولا حتى الأعياد.
لا يمكن دخول سينما المجمَّع، فلننتقل لفرع آخر، ولنشاهد الفيلم ذاته، لكن لا! لا يمكن أن أثق بالتيار الكهربائي هناك. أخبرني زميل أن الأنوار أطفأت فجأة فيما كان يستمتع ورفاقه بفيلم ما. إدارة السينما لم تقصِّر، عوَّضت المتضررين بتذاكر مجانية. ربما كان تماساً كهربائياً وربما كانت عيدية هيئة الكهرباء. مهما يكن السبب، لن أتمكن من أن أثق في ذلك الفرع، ولا في الكهرباء أو هيئتها.
مجبرة أنا إذن على قضاء الوقت وسط هذا الزحام البشري المهول. لكن مهلاً، للمرة الرابعة أجدني أفقد الثقة، وعدني أحدهم بأن يعرض فيلم أحمد حلمي الأخير في فترة العيد، لكنني الآن لا أجد سوى مجموعة بائسة من الأفلام، لا يظهر اسم حلمي وسطها. حتى أحمد حلمي لن أثق به ولا بمن يعد بعرض فيلمه. حسناً، ما دام كل شيء بائساً و«غير أهل للثقة» وما دامت انعكاسات ألوان العيد الكئيبة تظهر بوضوح في داخل المجمَّع كما في خارجه، لأبحث عما يعيد لي شيئاً من الثقة بأي شيء.
تذكرت نصيحة أحدهم بأن ألجأ لأسوأ الأفلام وأتفهها حين تشتد الضغوط وتقفل الأبواب وتكفهر الوجوه. هكذا كان فيلم ياسمين عبدالعزيز «الثلاثة يشتغلونها» فيلم العيد بالنسبة لي. سأتحمل كثيراً من سطحية وغباء بعض الأفلام المصرية لأنني واثقة من أن ياسمين بخفة ظلها المتناهية ستأخذني إلى جو آخر. ربما سيكون فيلمها مسكناً ينسيني الصورة القاتمة القابعة في انتظاري، المتربِّصة بي، خارج صالة العرض أو ربما في أعماق أعماقي.
لكن ياسمين أبت هي الأخرى إلا أن تفسد عيدي، هي أيضاً اهتزت ثقتها بكل شيء، بالسياسية، والدين، و«أثرياء القوم!!» خرجت من العرض وقلبي يمتلئ بخيبة الأمل، لا أريد صورة أخرى تضعني في مواجهة مع ما أعيشه من خيبة أمل ومرارة، لا أريد لجرحي البحريني أن ينكأ بفعل عبارات هنا أو هناك. ربما أصبحت أكثر حساسية أو جنوناً مما يجب، لكن من منا لم يصبح كذلك في ظل عواصف التخوين والاتهامات وفي ظل الجو الماكارثي الغادر اللامسئول الذي تعيشه البحرين.
أجواء العيد كانت محمومة، مهمومة، ومجنونة، كان عيد «اللاثقة» التي بدأت تنتشر بجنون في كل الأرجاء. جنون انتقل لكل شيء، وأصبح كفيروس يهدد قوانا العقلية وصحتنا النفسية ومفاهيمنا المهتزة منذ زمن. إننا بالفعل بحاجة إلى عيد آخر، ربما يضاف إلى قائمة أعيادنا الوطنية، عيد نستعيد فيه جميعنا الثقة بكل شيء، أو بأي شيء.
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 2946 - الأربعاء 29 سبتمبر 2010م الموافق 20 شوال 1431هـ
بنت الحداد
هلا ومرحبا منصوره إشتقت إليك ، يا ليت أقرأ إليك كل يوم ففي هذه القرأات تشويق إليك ، شوق السنين
الثقة أين هي؟؟!!
ثقتي بالناس أو نفسي!! أو حتى الهواء الذي نتنفس لا أدري بمن أثق إلا بالله ونعم بالله
الاخت منصورة نتمنى كتابات اكثر
ما تكتب الا عن السينما لكن اخيرا شفنالها كم كلمة اضافية و الغريب انه حلوة كتابتها بس ما ادري ليش بس سينما.
حقا إنه عيد مجنون
الكاتبه المحترمه ياريت يكون إسمك منصورة الشيخ عبدالأمير الجمري - والدك بل والدنا أكبر من نسميه بإسمه حافيا ,
تشرفت وسعدت وشعرت براحه نفسيه وأنا في يوم العيد أجلس القرفصاء وأتلو سورة الفاتحة وماتيسر على قبر والدنا الغالي جناب الشيخ عبدالأمير الجمري وفعلا جاء في بالي بيت الشعر وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ماأحوجنا إليك شيخنا والأمواج تتقادفنا مضيت ومضت معك العزة والكرامة رحمك الله أباجميل .