غسان ربيز - معلق عربي أميركي حول قضايا التنمية والسلام والعدالة، وهو السكرتير السابق للشرق الأوسط في
29 سبتمبر 2010
قد تأتي محادثات السلام التي بدأت في الشرق الأوسط باتفاقية، ولكن هناك حاجة للمزيد: سلام قادر على البقاء. وقّعت لبنان في العام 1983 معاهدة سلام مع إسرائيل تحت ظروف ضاغطة مماثلة. وأثناء الحرب الأهلية اللبنانية انقسم اللبنانيون إلى معسكرين سياسيين رئيسيين، واحد صديق للغرب والثاني يفتقد إلى الثقة بالغرب. لم تدم الاتفاقية التي توسطت بها الولايات المتحدة سوى أسابيع قليلة.
حتى يتسنى لها أن تنجح، يجب أن تضم محادثات السلام في الشرق الأوسط ثلاثة أطراف لها اهتمامات وعلاقة، رغم تصلّبها، وهي حماس وسورية وإيران. يبدو غريباً أن أقترح إشراك إيران، ولكن علاقة طهران بالسلام مبررة بسبب علاقتها القريبة بالقضية الفلسطينية من خلال حماس، التي تقوم بتمويلها، وبلبنان حيث يوجد 400,000 لاجئ، من خلال حليفها وشريكها الأيديولوجي، حزب الله.
تترك محادثات السلام الإسرائيلية مع السلطة الفلسطينية بغياب حماس قطاعاً كبيراً من الفلسطينيين دون تمثيل. حماس حزب سياسي ربح الانتخابات الوطنية الأخيرة بشكل شرعي، وقد سيطر على غزة منذ الانفصال عن السلطة الفلسطينية العام 2007. يقلّل هذا الاستثناء كثيراً من مصداقية السلطة الفلسطينية، وخاصة بين أربعة ملايين ونصف المليون لاجئ فلسطيني في العالم العربي.
ومن سخريات القدر أن حصار غزة المستمر منذ ثلاث سنوات لايزال يفيد صورة حماس السياسية. لقد تحولت غزة إلى مخيم كبير للاجئين من خلال عزلة مستمرة قاسية. هناك درجة معينة من الترابط المعنوي من خلال المعاناة بين الغزيين واللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسورية والأردن. ورغم الأساليب غير المجدية التي تقاوم حماس من خلالها الاحتلال توفر حماس عملية تنفيس للعديد من الفلسطينيين. ينمّ طرح حماس عن التصلب، إلا أنه من الممكن إشراك قادة حماس في دمشق وغزة في محادثات السلام، ولكن فقط إذا انضمت سورية للعملية.
واقع الأمر هو أن استثناء سورية من محادثات السلام يضّر بأي اتفاق بعيد الأمد؛ لأنه يُنظَر إليه من جانب سورية وغيرها من العرب كقبول المجتمع الدولي للاحتلال الإسرائيلي وضم مرتفعات الجولان. تبقى رغبة سورية في مبادلة الأرض (مرتفعات الجولان) بالسلام قوية. وتملك سورية من بين الدول العربية أكبر عدد من أوراق لعبة السلام. فدمشق تستضيف زعامة حماس السياسية وهي حليف ومساند حيوي لحزب الله، ولدى إيران شراكة قوية مع دمشق منذ سنوات عديدة.
تصبح إيران، نتيجة لاستثناء سورية من الاتفاقية، حرّة للاستمرار في كبس العديد من الأزرار السياسية والاستراتيجية لجعل الحياة صعبة للقدس وواشنطن. فإيران تدعم حزب الله، أقوى الفصائل السياسية في لبنان، والذي ازدادت قدرته على شن حرب غير متكافئة ضد إسرائيل منذ معارك العام 2006. وهو يعزز موقف حماس المتصلب ويبحث احتمالات تحالف مع سورية. هل يمكن تحقيق السلام مع استبعاد دولتين استراتيجيتين في المنطقة، هما سورية وإيران وفرض عقوبات عليهما وتهديدهما؟ كيف يمكن لواشنطن التي تهدف إلى التوصل إلى نتيجة ناجحة، أن تشرك مصر والأردن وتترك لاعبين مهمين خارج اللعبة؟
الوقت ينفد بسرعة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. هناك خطر من أن يجد كل من الإسرائيليين والعرب المعارضين حلاً سلمياً على شكل حل الدولتين، أساليب فاعلة للوقوف في وجه السلام والانتظار إلى أقصى حد ممكن لتحقيق أحلام كبرى ستكون مدمرة على الجانبين.
ليس لدى هؤلاء اللاعبين حالياً دور في عملية ناجحة، ويزيد إدخالهم في العملية من فرص حل طويل الأمد للنزاع الإسرائيلي العربي. وحتى يتسنى تحفيز سورية يجب أن تكون إعادة مرتفعات الجولان على الأجندة مقابل الضغط على قيادة حماس في دمشق. ولإحضار حماس إلى المفاوضات يجب رفع الحصار عن غزة وإعادة تنظيم أمن الحدود لإرضاء كل من الإسرائيليين والفلسطينيين. يمكن لانتخابات وطنية فلسطينية طال أمدها أن ينتج عنها حكومة وحدة بين فتح وحماس. عندما يلتف العالم العربي، وخاصة سورية حول عملية السلام، فإنه من المحتمل جداً أن تلطف إيران من موقفها تجاه إسرائيل والغرب، فيما يتعلق بكل من فلسطين وقضية الأسلحة النووية. بدأت العقوبات تؤثّر على قدرة أحمدي نجاد على الاحتفاظ بالسلطة، وسوف يتحرك العالم المسلم على اتساعه باتجاه الدول العربية، وستشعر إيران وقتها بالعزلة الشديدة بحيث لا تستطيع الاحتفاظ بموقعها.
تحتاج واشنطن للمساعدة في رعاية السلام في الشرق الأوسط. يتوجب على الولايات المتحدة أن تعمل عن كثب مع أوروبا لتشجيع السلام وتعزيزه مع ضمان الحفاظ على أمن إسرائيل. انضمت إسرائيل مؤخراً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وهي تطالب بعلاقات أقرب مع الاتحاد الأوروبي. تستطيع بروكسل وواشنطن معاً أن تعلنا مرة أخرى أطر السلام: العودة لحدود العام 1967 مع تعديلات تأخذ المستوطنات بالاعتبار، وقدس مشتركة وتمكين بشري واقتصادي هائل للاجئين، وإعادة مرتفعات الجولان وقوات متعددة الجنسيات وتطبيع مع جميع الدول العربية وتعاون إقليمي.
إذا أريد للسلام أن يتم، يتوجب على عملية التسوية أن تتسع في أسرع وقت ممكن لتضم جميع أصحاب المصالح والاهتمامات. يتطلب السلام الدائم طاولة مفاوضات شمولية. لن يكون السلام سهلاً، ولكنه سيكون دائماً.
العدد 2946 - الأربعاء 29 سبتمبر 2010م الموافق 20 شوال 1431هـ