عندما انهار حائط برلين العام 1989، قال المستشار الألماني، ويلي براندت، الذي يمثل رمزاً، في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية «الآن ينمو معاً، ما ينتمي لبعضه البعض». وها هي حقيقة أن الشطرين السابقين - الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي - ينتميان معاً صارت واضحة للعيان أمام غالبية المواطنين بعد مرور عقدين على إعادة الوحدة رسمياً يوم الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 1990. لكن الأمر الذي ليس واضحاً تماماً هو إلى أي حد نمت البلاد معاً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً منذ ذلك الحين.
ففي الوقت الذي تمضي فيه الاحتفالات الرسمية على قدم وساق، لا تزال قضية «الهوية الألمانية» تثير جدلاً مطولاً وحامي الوطيس. لعبت بطولتا كأس العالم لكرة القدم عامي 2006 و2010 دوراً في إشعال ما وصفه الكاتب، ديرك شويمر، صاحب أكثر المؤلفات مبيعاً، بـ «الوطنية الخفيفة»، أي وجود وطنية بمظاهر بسيطة بينها أن رفع علم واحد صار أمراً مقبولاً اجتماعياً بعد أن ظل من المحرمات طيلة عقود. في هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة هاله - فيتنبرغ، البروفيسور إيفرهارد هولتمان إنه تأسيساً على هذه العوامل «هناك الكثير من الشواهد على وجود هوية مشتركة للشرق والغرب في ألمانيا والتي يمكن تعريفها بأنها مجموعة من المواقف والقناعات المشتركة». وأضاف، نقلاً عن استطلاعات أخيرة للرأي، «لقد زاد عدد المواطنين الذين يقولون (نحن شعب واحد) من 45 في المئة منتصف التسعينيات (من القرن العشرين) إلى 49 في المئة حالياً». يبدو أن هذا الإحساس المتنامي بالهوية منح ألمانيا قدراً من الثقة التي تتسم بالحذر، فيما يتعلق بوضعها على الساحة الدولية. فقد صارت ألمانيا تضغط الآن من أجل الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، كما أرسلت قوات إلى أفغانستان، وإلى المحيط الهندي للمشاركة في مهام مكافحة القرصنة، وهي بذلك تستخدم قواتها المسلحة في القيام بمهام في الخارج حتى وإن كان ذلك لا يصادف قبولاً لدى الكثير من أفراد الشعب في الداخل. وعلى المستوى الدبلوماسي، تحظى البلاد بالتقدير بوصفها الوسيط الأمين في الصراعات، في حين تفتقر القوى الأكثر منها باعاً في هذا المجال للمصداقية. وعلى الصعيد الاقتصادي، تعلن ألمانيا عن نفسها كونها «القاطرة الاقتصادية» لأوروبا وتشعر برلين بعد أن سجلت أسرع نمو ربع سنوي منذ عشرين عاماً، خلال الربع الثاني من 2010، أنها تستطيع أن تملي شروطها على باقي دول القارة، مالياً على الأقل. ويرى العالم الخارجي أن الوحدة الألمانية تمثل نجاحاً هائلاً في ضوء القدرة على دمج مجتمع واقتصاد قائم على الفكر الشيوعي بالكامل في مجتمع رأسمالي، وهو نجاح غير مسبوق، أو على الأقل لم تكن هناك محاولة لتحقيقه بالطريقة نفسها. غير أن هذا لا يعني من وجهة نظر الألمان أن هذه الصفحة من التاريخ قد طويت. الواقع هو أن السرعة والقناعة السياسية التي استطاع بهما المستشار الألماني ذو البصيرة النافذة، هيلموت كول الذي كان يجلس على سدة الحكم في البلاد خلال ثمانينيات القرن الماضي إنجاز حلم الوحدة خلال 11 شهراً، بين نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 أكتوبر 1990 جعلت الكثيرين في الشرق يشعرون ببساطة كما لو كانت قوة أجنبية «فتحت» بلادهم. يقول البرفيسور هولتمان «هناك غالبية من الألمان في الشرق يعتبرون أن الألمان في الغرب ينظرون إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية». هذا الشعور الذي يصعب تحديده تقترن به بعض الأرقام الصعبة. ففي الولايات الشرقية الخمس السابقة يتراوح معدل البطالة بين 11 وأكثر 13 في المئة أي أعلى بـ 3 في المئة، على الأقل، من المتوسط الاتحادي. وبالإضافة إلى ذلك، هناك مؤشرات مثل مستوى الدخل و الإنتاجية ونسبة الإقبال على التصويت، وكلها مؤشرات يفترض أنها تدل على وجود مجتمع ناجح، ولكنها جميعاً أقل في الشطر الشرقي عن الشطر الغربي. وبلغ ما أنفق على إعادة هيكلة اقتصاد الشطر الشرقي من ألمانيا والذي ساهم في تدهوره تطبيق النهج الاشتراكي، زهاء 3ر1 تريليون يورو وهو رقم يثير استياء الجانبين لأسباب مختلفة. لقد خلقت هذه ا لمشاكل المستمرة نظرة سلبية لدى البعض بصفة عامة تجاه العملية برمتها. يقول كلاوس شرويدر، من الجامعة الحرة في برلين، «لا تزال تجربة نظامين متعارضين تلقي بأثرها... يجعل ذلك بناء هوية مشتركة أمراً صعباً». لذا يمكن القول إنه عندما تنطلق الألعاب النارية في الثالث من الشهر المقبل، سيحاول المعلقون السياسيون ومراكز استطلاع الرأي إجراء تقييم مؤقت الوحدة الألمانية لأنه بات واضحاً للجميع أن الأمر لم ينته بعد. ويقول جيرد لانجوث وهو من أشهر المعلقين السياسيين في البلاد، وكاتب السيرة الذاتية للمستشارة أنجيلا ميركل، إن نمو ألمانيا داخلياً معاً» هو عملية لا تستطيع أن تقوم بها الدولة رغم كل المليارات التي تنفق على الدعم».
العدد 2946 - الأربعاء 29 سبتمبر 2010م الموافق 20 شوال 1431هـ