الكلام الذي صدر عن هيئات ومنظمات حقوق الإنسان عن حفلة التزوير والرشوة والتلاعب بصناديق الاقتراع التي جرت بمناسبة الانتخابات الأفغانية يؤكد مجدداً مدى هشاشة الأنظمة «الديمقراطية» في بلد لايزال في طور النمط القبائلي - الأقوامي في الحياة والمعاش والسلوك اليومي. فالكلام عن تعديل نسب التصويت ترافق مع اتهامات صدرت عن اللجان الدولية (الأمم المتحدة) المكلفة بالإشراف على تنظيم العملية الانتخابية تدين حكومة حامد قرضاي بالفساد.
الإجماع الدولي على وجود طرق احتيال تعتمدها كابول لتمرير الصفقات وترتيب قنوات للتهريب (المخدرات) يطرح السؤال بشأن معنى «الديمقراطية» في بلدان نامية (مختلفة) لا تحترم الإنسان وحقوقه ولا تلتزم بالحد الأدنى من المعايير الأخلاقية المتوافق عليها في الشرائع والمعاهدات؟
إعادة تعريف «الديمقراطية» باتت مسألة ملحّة لكونها ترسم خطوط تماس تفصل بين الفكرة والواقع أو بين النظرية والتطبيق. فالنظرية العامة تعرف مفهوم الديمقراطية وفق معايير ضبابية تعتمد مصطلحات عمومية يمكن تطويعها والتحايل عليها وتفسيرها في إطارات تناقض المعنى الأصلي للكلمة المترجمة عن اليونانية. أما التطبيق العملي فهو يعطي الكلمة مجموعة محمولات اجتماعية وتاريخية تؤدي إلى انحراف المفهوم عن مساره العمومي اللفظي وتدفعه عنوة باتجاه التكيف مع شروط الواقع وما يمثله ميدانياً من انقسامات وتشرذمات وهويات صغيرة وعصبيات ضيقة.
الاختلاف بين الفكرة والواقع يعكس في النهاية الافتراق بين النظرية (المفهوم) وميدان التطبيق. وبسبب وجود هذه الهوة التاريخية (الفجوة الزمنية) تبدأ الديمقراطية بالترنح والاهتزاز حين تأخذ الدول الكبرى في تمويل احتفالات التصويت وتصوير صناديق الاقتراع بذريعة تلقين الناس مبدأ الاختيار وحرية المفاضلة بين مترشح وآخر، كما هو الحال في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول أوروبية.
المشهد التصويري (المسرحي) لمهرجان الديمقراطية في بلدان القبيلة والعشيرة والطائفة والمذهب والقوم (الإثنية) واللون الذي تحتاجه دائماً دول المصنع والشركة والجامعة والكمبيوتر والتكنولوجيا ومعاهد الدراسات والبحوث للإشارة إلى وجود نوع من التقدم الديمقراطي في العالم الآخر (القريب أو البعيد) يحتاج فعلاً إلى إعادة تصوير مقلوبة حتى يمكن فرز السلبيات عن الإيجابيات وتبيان الوقائع كما هي لا كما يريدها أصحاب القرار السياسي في واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي.
السؤال هل هناك فعلاً «ديمقراطية» في أفغانستان أو العراق حتى تتخذ منها تلك الإدارات ذريعة للكلام عن نجاحات معينة في بلدان احتلتها لأسباب أخرى لا علاقة لها بالإنجازات التي تتحدث عنها؟ وهل الولايات المتحدة مقتنعة فعلاً أنها حققت اختراقات سياسية على صعيد تمرير معجزة الديمقراطية في كابول وبغداد؟
الوقائع تؤكد العكس، لأن حرية الاختيار في البلدان التي لاتزال تمر في طور ما قبل الدولة محكومة بمجموعة شروط تحدد عناوينها انتماءات قبلية أو طائفية أو مذهبية أو أقوامية أو لونية. وهذه الشروط تمثل في مجالها الميداني قنوات تقليدية تحدد الاختيار قبل توجه الناخب للتصويت.
الصندوق هو مجرد علبة لتمرير لعبة تساقط أو إسقاط الأوراق في دائرة انتخابية تتحكم في اختياراتها السياسية مجموعة عوامل لا صلة لها بالديمقراطية وحق الاختيار والمفاضلة بين مترشح ومنافس له. فالتمييز في السياق المذكور لا معنى له لأن الاختيار لا يتم على أساس البرنامج وإنما على قاعدة الولاء المسبق والانتماء المتوارث والمحددات المرسومة سلفاً في قنوات وإطارات ما قبل الدولة أو ما قبل الديمقراطية.
التصويت (إسقاط الورقة في الصندوق) صورة عن المشهد التصويري لجانب من الديمقراطية، ولكن الواقع يؤشر إلى جوانب أخرى أتت على ذكرها بيانات منظمات وهيئات حقوق الإنسان بشأن مجريات حفلة الانتخابات في أفغانستان. فالكلام عن التزوير والتلاعب والرشوة والفساد والسرقة والتحايل واستخدام المال العام لشراء الأصوات يؤكد الحاجة فعلاً إلى إعادة تعريف «الديمقراطية» حتى توضع العملية السلمية في إطارها الصحيح.
إعادة تعريف المفهوم تكشف بوضوح واعتماداً على الوقائع والتجارب أن ما هو معمول به في أفغانستان أو العراق ليس ديمقراطية في المعنى التاريخي - الاجتماعي للكلمة وإنما مجرد صورة نمطية عن مظهر يتكرر في مشاهد الصندوق وإسقاط الأوراق في جوفه. والفرز الذي يحصل بعد انتهاء العملية بناء على كشوفات بالأسماء والعناوين والتوقيعات لا يدل بالضرورة على تقدم تم إنجازه في الميدان، بقدر ما يشير إلى خيارات ليس لها علاقة بالإرادة والحرية والحق بالمفاضلة وإنما بالتوجيهات والتعليمات الصادرة سلفاً عن جهات عليا تتحكم بمفاصل القبيلة أو الطائفة أو المذهب وغيرها من تشعبات وهويات صغيرة وعصبيات ضيقة.
المشاهد التي تتناقلها الكاميرات عن عمليات التصويت في أفغانستان والعراق للدلالة على مدى نجاح الاحتلال الأميركي في تصدير إنجازات وتحقيق اختراقات ليست ديمقراطية في المعنى التاريخي - الاجتماعي للمفردة وإنما هي «ديمقراطية» في إطارها الأفغاني أوالعراقي، أي أنها ديمقراطية قبيلة أو قوم أو طائفة أو مذهب أو غيرها من تسميات تشير إلى الخرائط الأهلية التي تتكون منها الجماعات في بلدان نامية (متخلفة سياسياً) لاتزال تعيش في طور ما قبل الدولة (المؤسسات).
الحديث الأميركي الساذج عن نجاح الاحتلال في ترسيخ معجزة «الديمقراطية» في أفغانستان والعراق لا معنى له وهو في مضمونه الاجتماعي ومنطوقه التاريخي يعادل التوصيف الذي ذكرته منظمات وهيئات حقوق الإنسان عن التحايل والتزوير والتلاعب والرشوة. وحين تكون الديمقراطية في مجال التطبيق فاسدة فإنها تكون فقدت صلاحيتها للتصدير أو التصديق. النوع المذكور من الديمقراطية لا وظيفة له سوى إعطاء ذريعة لتبرير الاحتلال وتوضيح أسباب إنفاق ملايين الدولارات من موازنة دافع الضرائب الأميركي... والنتيجة العامة تكون ديمقراطية فاسدة تولد أنظمة فاسدة. وهذا ما يمكن رؤيته في المشهدين الأفغاني والعراقي.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2945 - الثلثاء 28 سبتمبر 2010م الموافق 19 شوال 1431هـ
عبد علي عباس البصري
بس اسمع اخي انويهض ان التغيرات الحادثه في افغانستان وايران او وادي السطوات او الهلال الشيعي ليس بالمثل التغير الي حدث في تونس قام الشاذلي وقعد زين العابدين ؟ التغير في الاولى هو تغير اديولوجي وهذا الصراع سيتولد يوما ما بأطروحه عربيه اسلاميه جديده وبقرآن جديد وبسنه نبويه لم يعرفها العرب والمسلمين من قبل .
عبد علي عباس البصري
؟ بس من جهة القشمره والمزاح اقول لك يا اخي نويهض ليش ما قلت لبنان لا بالامس ولا اليوم وبالخصوص انها تعاني كما تعاني العراق ؟ بس العراق وافغانستان والسودان ليش مو لبنان وياهم ؟
عبد علي عباس البصري
أفغانستان وإيران والعراق والشام كل هذا الامتداد الجغرافي يتقاسم التاريخ فيها إحداثه فمن واقعه ذي قار إلى واقعه التتار وقبلها الأمين والمأمون ووووو إلى يومنا هذا حرب ضروس بين الأمريكان وأفغانستان وإيران والعراق من جهة أخرى كل هذه الإحداث له دلاله واحده إلى وهي وحده المصير ، فهذه الدول الثلاث تعاني من لاحتالا الأمريكي أو التهديد ، فماذا سيكون الحال لو أطيح بالسلاح الأمريكي في المنطقة ، أقول وبكل ثقة إن الساعة ستدور في الشرق إلى ا لغرب ؟
عبد علي عباس البصري
التغير السياسي في ا لعراق كان مرتقب ومطلوب ، وبالخصوص في مثل بلد الحضارات ، منه يتغير العالم العربي ومنه تتحرر فلسطين ، والإمام علي وكذلك الإمام الحسين لم يختارا العراق غبائا ولا سذاجتا بأن تكون منطقه الحكم العربي ، ومصدرا للثورات ،لو لم يكن لها من الاهميه بمكان. فيها ثمانيه من أئمه الشيعه .
صحيح اقول واقول بأن النظام الحالي في العراق فيه الكثير من التعقيدات والتناقضات ولاكن خير من النظام السابق . بالحديد والنار .
عبد علي عباس البصري
في العراق وفي أفغانستان لا دوله مستقلة أصلا فهي تحتاج للاستقلال أولا قبل أن تكون محتاجه إلى ديمقراطيه . هذه الدولتان محتاجتان لنظام يقوم على الاستقلالية التامة والمشاركة التامة بين أطياف الشعب لا على أساس الفئوية ولا العرقية وإنما على أساس تنظيم شؤون البلاد إنسانيا على الأقل .يأخذ كل ذي حق حقه كما قال الإمام علي. ويكون الحاكم من اهل الكفائه والخبره والدرايه ، ومن اهل الايمان والتقوى والعفه لا من اهل الطمع والسلطه كما قال الامام على ان شسع نعلي هذا خير لي من خلافتكم الى ان آمر بمعروف وانهي عن منك
عبد علي عباس ا لبصري
الغريب أخي العزيز نويهض أن هناك نظم في العالم يطلق عليها جمهوريه او ولا تحمل أصلا أي عنان من عناوين النظم ألجمهوريه ؟ فهي اقرب للقيصرية أو الملكية ؟ يعني اسم على غير مسمى .؟
عبد علي عباس البصري(اين المنطق في العنوان)
اصلا لا يكون ديموقراطيه وفاسده في آن واحد ، فالديموقراطيه صفه توصف بها بعض النظم الاداريه او السلطويه فما معنى ان توصف الصفه بصفه أخرى وهي فاسده ؟ ولم توصف اصلا في أي من الادبيات العالميه بهذا الوصف المقزز بالفاسده ؟ فهي ديموقراطيه شورويه فمتى ما فقدت أي من شروطها خرجت من كونها ديموقراطيه الى مسمى آخر فوضويه او دكتاتوريه أو ما شابه ذلك .