يتوجّب على القادة الدينيين أن يدعوا إلى روح كلمات الرب، التي لا تميّز بين اللون والعقيدة، والموجودة في جميع رؤى الأديان الإلهية. إنها مشيئة الله أن تكون مجتمعاتنا متنوعة ثقافياً ودينياً، كما يقول في قرآنه الكريم: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» (هود: 118).
يكمن دور جميع القادة الدينيين في تعليم وتشجيع القيم التي تدعو إلى التفاهم في التنوع، بغض النظر عن عقيدتهم، وهو أمر يدعو إليه القرآن الكريم بشكل مستمر.
كإمام عملْت في الولايات المتحدة لمدة عشرين سنة، وفي سوريا لمدة تسع سنوات قبل ذلك، أشكر الله تعالى لتجربة العيش في مجتمع متنوع ثقافياً ودينياً. أتساءل أحياناً: كيف ستقدّر أسرتنا الإنسانية التي تسكن هذه القرية العالميّة التي حباها الله تعالى اتصالات جماهيرية ومواصلات، كيف ستقدر الأمور المشتركة التي تزيد كثيراً على خلافاتنا؟
أدركت بعد قدومي إلى الولايات المتحدة بفترة قصيرة أن العديد من الناس لا يفهمون التعاليم الحقيقية للإسلام، والمساهمات التي قدمتها الحضارات الإسلامية للمجتمعات الأميركية والأوروبية. يشكّل انعدام هذه المعرفة والتفاهم معوقات أساسية أمام تحقيق تعايش متناغم بين المسلمين وغير المسلمين، فالإعلام لا ينقل في نهاية المطاف قصصاً تظهر ما تشترك فيه الأديان، ولا يركز على الحاجة للعلاقات بين الأديان.
شكل ذلك واحداً من القوى التي دفعتني لإنشاء «مؤسسة التبادل والتعاون بين الحضارات» وهي منظمة ترعى التعاون بدلاً من المواجهة بين الشعوب من جميع الديانات والثقافات، وذلك من خلال برامج التبادل بين رجال الدين والمهنيين والطلبة، إضافة إلى حلقات دراسية ودروس التثقيف المتوافرة في الولايات المتحدة والأردن ومصر وإسبانيا والمغرب.
ومن الأجزاء الجوهرية «لمؤسسة التبادل والتعاون بين الحضارات» مؤتمراً سنوياً لقيادات الشباب وحوار الأديان عنوانه «تفهم أفضل من أجل عالم أفضل»، قمت بتأسيسه بهدف جمع الطلاب من الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا الشمالية. وبعد المؤتمر الأول العام 2006 بدأت أدرك الحاجة الماسّة لتوفير تجارب كهذه لشباب العالم، مما يعطيهم فرصة للقاء زملائهم من نحو 35 دولة للتشارك بالمعلومات حول التاريخ والثقافة والأديان والسياسة في بلدانهم وشعوبهم.
إلا أن أكثر ما يثمّنونه هو عنصر حوار الأديان في البرنامج. يتم أخذ كل مجموعة في رحلة مع مرشد إلى مسجد وكنيس يهودي وكنيسة، يمكنهم فيها مقابلة رجل دين من الأديان الإبراهيمية الثلاثة، يصف خلالها معتقدات دينه وتاريخ تقاليد ذلك الدين. لم يحصل العديد من هؤلاء الطلاب على فرصة للإصغاء إلى رجال دين من ديانات أخرى يشرحون معتقداتهم الأساسية ويلقون الضوء على ممارساتهم الدينية. وباعتقادي أن العديد من هؤلاء الطلاب سمعوا فقط رسائل مشوّهة عن الديانات الأخرى أو عرفوا عنها عبر منشور السياسة والنزاع.
مما يثير عاطفتي دائماً أن أشهد التغيرات التي يظهرها هؤلاء الشباب، الذين يجسّدون أمل ومستقبل كل من الدول التي يمثلونها، في نهاية المؤتمر.
ومع ازدياد معرفتهم حول الديانات والثقافات والشعوب المختلفة فإنهم لا يكتسبون الثقة بأنفسهم فحسب وإنما يطورون تقديراً لقيمة حوار الأديان. يبكي بعضهم عندما يغادرون للعودة إلى أوطانهم، وهم يعرفون تمام المعرفة كم سيشتاقون لهذه الأيام التي أدّت إلى تغييرات هائلة في حياتهم.
قال أحد الطلاب من لبنان في نهاية أول مؤتمر لـِ «تفهّم أفضل من أجل عالم أفضل» في أورلاندو العام 2006: «شعرت بأن قلقاً هائلاً أزيل عن قلبي. أرى الآن كم نحن متماثلون. شخصياً، تعلمت من كل نشاط، أدركت كم هو غبي أن نتقاتل بسبب الدين». وعلّق طالب آخر من غانا حضر مؤتمر العام 2010 في بلتيمور على أثر التعلّم عن السلام من خلال حوار الأديان، مدعياً أنه «منذ عودتي من المؤتمر، وفي كل مرة أجلس للتفكير به، فإنه يدفعني لأفعل المزيد من أجل العالم... حان الوقت لي الآن لأن أعود إلى بلدي غانا وأعمل من أجل السلام بالارتباط مع مؤسسة التبادل والتعاون في الحضارات».
السبيل الوحيد إلى الأمام لنا جميعاً، كأسرة واحدة ذات خلفيات وديانات متنوعة، صغاراً وكباراً، هو أن نسير معاً على طريق حوار الأديان، الذي يستبدل الجهل بالتفاهم والإهمال بالاهتمام والطمع بالكرم والنزاع بالسلام والحب.
- رئيس مجلس الشئون الإسلامية في ولاية ميريلاند ومؤسس «مؤسسة التبادل والتعاون في الحضارات»، والمقال جزء من سلسلة حول القادة الروحيين وحوار الأديان، وينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2945 - الثلثاء 28 سبتمبر 2010م الموافق 19 شوال 1431هـ