"نقطة واحدة من النفط تعادل نقطة من الدم" جورج كليمنصو في مقال أكثر من رائع للكاتب "بوب هيربرت" في صحيفة "نيويورك تايمز" الصادرة في 28من شهر يوليو / تموز الجاري بعنوان: "النفط والدم" يفتتحه بما يأتي: "يفهم الآن عموما أن الحرب بقيادة الولايات المتحدة في العراق أصبحت كارثة كبيرة"، ويضيف أنه من المفترض الآن وعلى رغم كارثية هذه الحرب "أن يكون العراقيون قد صدقوا على دستورهم" وهم ماضون في "طريقهم إلى انتخاب حكومة دائمة" مع "نهاية هذه السنة". كل المفردات السابقة "هي بوابة الخروج المنطقية لجورج دبليو بوش، اذ بإمكانه "أي الرئيس" "أن يعلن النصر"، تماما "كما اقترح عضو مجلس الشيوخ ذات مرة إلى ليندن جونسن في بداية سنوات حرب فيتنام، ويعيد القوات إلى الوطن بأسرع ما يمكن".
ويتوقع الكاتب حالما أن تكون كلمات الرئيس السحرية التي ستصحب عودة القوات المحاربة من ساحات المعارك في "العراق" على النحو الآتي: "هناك حكومة رسمية. ربحنا الحرب. نحن خارجون من هناك". غير أنه يتدارك ليقول إن هذه الأمنية أو الحلم لا يمكن الاعتماد عليها، وذلك بسبب بسيط يتمثل في أن "بوش" و إدارته "ليس لها خطط لجلب القوات إلى الوطن" فمازال هناك متسع من الوقت لتحصد "هذه الحرب الخاطئة" والكارثية مع ما حصدت من "عدد مخيف من خسائر في الأرواح" أكثر من حياة المواطنين، إصابتهم بإصابات لا يمكن علاجها، عاهات دائمة، هي - هذه الإدارة - "في الوقت ذاته تضاعف الجيش"، ما يزيد في الإساءة "إلى السمعة الدولية للولايات المتحدة" وتعمل هذه السياسة "كأداة" قوية وفاعلة "عالمية" على "تجنيد" الجماعات "الإرهابية وكعاصفة رهيبة تحفر هوة بحجم بغداد في موازنة واشنطن". إنها خسائر بشرية وخسائر مادية لا يمكن أن تحدد أو تحصر. الحديث هنا فقط عن الخسائر في الجانب الأميركي ليس إلا، وعليكم تصور الخسائر في الجانب الآخر.
في مقاله هذا يؤكد الكاتب أنه لو كان هناك "زعيم أعقل" "وهو يقصد هنا الرئيس بوش" فلابد أنه "سيبدأ بتقليل بعض من هذه الخسائر"، غير أن الحقيقة المرة تقول إن هذا ليس هدف الحرب المعلن، هدفها وبكل صراحة "أن يؤسس لوجود عسكري طويل المدى في العراق لضمان الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط واحتياطاته النفطية الثمينة" وهي "الاحتياطات النفطية" كما وصفها المؤلف دانيال يرجن عمهى، بـ "الجائزة الوحيدة الأعظم في كل التأريخ". وسبقه إلى ذلك قياصرة روسيا وملوك الغرب، اذ قالوا: "من يسيطر على الخليج يسيطر على العالم" ومقولة وزير خارجية بريطانيا في الحرب العالمية الأولى لورد كيروزن: "ستقول الأجيال القادمة، وبحق، إن الحلفاء حققوا النصر على موجة من النفط". ولا يمكننا أن ننسى أن السبب الرئيسي الذي جعل "هتلر" يغزو "الاتحاد السوفياتي" هو رفض "ستالين" مشاركة ألمانيا في "مصادر النفط الروسية" بعد أن أجبرهم "هتلر" على ضخ 16 مليون برميل من النفط الروسي من "بداية الحرب العالمية الثانية حتى بداية غزو الاراضي السوفياتية لألمانية النازية" وكان هدفه احتلال "حقول باكو" التي لم يستطع احتلالها، فلو تم له ذلك لتغير مجرى التاريخ عموما وليس نتيجة الحرب وحدها.
وليبرهن على ما ذهب إليه بالقول إنه بإمكان المرء أن يعود إلى مراجعة " كل الأسباب الجوهرية المختلفة جدا لهذه الحرب" فيعددها جميعا بدءا من "أسلحة الدمار الشامل" التي لم يجد لها أثرا أبدا، والحاجة الماسة التي مازالت كما هي، وهي إزالة "الشر التام لصدام" وعلاقته بـ "تنظيم القاعدة" الذي في الأصل لا وجود له إلا في مخيلة بعض الأفراد، وأخيرا مفردات الرئيس "جورج بوش" المحببة: "الحاجة لمحاربة الإرهابيين "هناك" لكي لا نحاربهم هنا في وطننا".
من ثم يشير الكاتب إلى أن الذي غاب بشكل كلي وعلى الدوام في مجمل هذا الكلام عن "الإرهاب" و"أسلحة الدمار الشامل" هو "الحقيقة" المرة والصعب مضغها بأن الكثير من أعضاء "إدارة بوش" لديهم "الرغبة الاستحواذية لغزو العراق" وهذه الرغبة الجامحة قد "سبقت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول" كما أنها قد "سبقت إدارة بوش". لقد كان "المحافظون الجدد neoconservatives" يدقون "طبول الحرب على العراق إلى ما قبل نهاية التسعينات".
وليس هذا فحسب بل هو يذهب إلى أبعد من كل ذلك ليقول صراحة إن "العراق" كان العتبة الأولى أو الخطوة الأولى لما بعدها من عتبات أو خطوات منها "إيران" بكل تأكيد التي كانت ضمن التصور الكلي للسيطرة الأميركية "على المنطقة "وعلى نفطها"، لكي يتبعها تحقيق حلمها النهائي: امبراطورية أميركية عالمية". غير أنه يقول بكل تأكيد "يبدو جنونا ليس إلا" فعليه من واجبنا "أن نسلط انتباهنا إلى هذا الأمر من البداية".
مع هذا الأمر فهو يعيد التأكيد على أن "الجنون" هذا أخذ بعقل "سترانجلوفيان" ليعلن في صيف 2002 كما جاء في صحيفة "واشنطن بوست" أنه قد قدمت توصيات إلى " لجنة وزارة الدفاع الأميركية الاستشارية المؤثرة" مصدرها "محلل شركة راند" جاء فيها أنه يجب على الولايات المتحدة "أن تأخذ في الاعتبار الاستيلاء على حقول النفط والأصول المالية للعربية السعودية إذا هي لم توقف دعمها للإرهاب". وهذا ضمنا يشير إلى أن السعودية هي الأخرى ضمن مخطط المحافظين الجدد ومعها دول أخرى.
إذا كانت "النقطة المركزية" هي "احتلال العراق" وهي الجزء الصغير جدا من الجزء الكبير جدا "من سياسة طويلة الأجل" هدفها أن "تجعل الولايات المتحدة تفرض إرادتها، عسكريا عند الضرورة، في جميع أنحاء الشرق الأوسط وما بعد"، فلماذا إذا "سارت الحرب بشكل سيئ" مع ازدياد "وحشية التمرد في العراق" وتناثرت جثث عشرات الآلاف من القتلى في الشهور القليلة الماضية؟ لهذا يقول الكاتب إنه من الواجب "تسليط الضوء" على " فكرة المغامرات الوقائية الأخرى لإدارة بوش"، قبل فوات الاوان.
إن الكاتب لا ينفي أن "الحلم بالامبراطورية يموت ببسالة" فهو من نسج الخيال ليس إلا، مع أن الأسس الأولية لهذا الحلم قد بنيت في "العراق" لكون الحرب "قد تسير بشكل سيئ" غير أنه ومع هذا السير السيئ للحرب يذكر أنه لا مجال الآن للتراجع لأنه "مازالت كمية كبيرة من النفط مهددة بالضياع، ثاني أكبر الاحتياطات على الكوكب"، وإن "تخيلات المحافظ الجديد neocon الجانبي" عن "المنافسة العالمية لاحتياطات الكوكب النفطية المحدودة تشتد بالساعة"
في ختام عجالته يذكر الكاتب الرئيس "جورج بوش" بأن الرئيس "ليندن جونسن" قد "أهمل" نصيحة السيناتور "جورج أيكن" من "فيرمونت" لإنهاء الحرب في "فيتنام" التي استمرت لعقد بإعلانه النصر في العام 1966 ويدعوه إلى التبصر وعدم الوقوع في الخطأ نفسه. غير أن "الأرقام الحكومية العالية المستوى بأن القوات الأميركية ستكون في العراق لحد أدنى من أكثر من 5 سنوات وربما 10".
وعلى ما تقدم يجب أن يفهم العقلاء من الناس وغير العقلاء الذين يعتقدون "بأن تشكيل حكومة عراقية دائمة سيؤدي إلى انسحاب القوات الأميركية أنه ليست هناك خطة انسحاب حقيقية. القتال والموت سيستمران بشكل غير محدد".
والسبب؟... إنه النفط يا سادة على خلاف ما أنهيت به هذه العجالة بكلمات اقتبسها الكاتب من عنوان كتاب حائز على جوائز عدة للمؤلف "يرجين" تقول: "إنه النفط، يا أغبياء"
العدد 1059 - السبت 30 يوليو 2005م الموافق 23 جمادى الآخرة 1426هـ