ثمة سحابة «سوداء» ورعد وبرق في السماء النووية الإيرانية مع اقتراب المواعيد والوعود «المقدسة» من نهاياتها وشعور الجميع بأنه آن أوان قطف الثمار!
المفاوضون الإيرانيون بالإجمال يجدون أنفسهم على موعد مع تحقيق إنجاز ما لصالح ملفهم القومي الذي لا يقبل المسّ ولا التفريط، إذ يطالبون الأوروبيين بالوفاء بوعودهم عند نهاية شهر يوليو/ تموز الجاري، ليقدموا بدورهم ما وعدوا الشعب به بالحفاظ على حقهم القانوني والمشروع في دورة متكاملة للوقود النووي تخدم الأغراض السلمية.
المفاوضون الأوروبيون بالإجمال - كما كل طرف على حدة - يجدون أنفسهم هم أيضاً على موعد مع نهاية شهر يوليو الجاري، حتى يقدموا إنجازاً يعتقدون أنهم يستحقونه يقضي بمنع إيران «قانونياً» من الدخول إلى النادي النووي الاحتكاري الخاص بالدول الكبرى المسلحة بالترسانة النووية غير مهتمين كثيراً أن تخسر إيران من جراء ذلك دورتها النووية المتكاملة لأن ما يهمهم بالأساس أن يثبتوا للأميركيين أنهم نجحوا في «السيطرة» على المشروع النووي الإيراني سلماً وعبر التفاوض مجنبين بذلك العالم دفع أثمان حرب كاذبة جديدة أو حتى «مشروعة»!
المتحمسون للحسم وللمواعيد «المقدسة» في الإدارة الأميركية من جهتهم ينتظرون على أحر من الجمر فشل المفاوضات الأوروبية الإيرانية عند نهاية الشهر الجاري ليقولوا لمناكفيهم في الحرب على العراق من الأوروبيين إنه آن الأوان لتدفع الثمن - ثمن مراهناتكم على دول التمرد والخروج على القانون - مرتين مرة لأنكم خسرتم الرهان ومرة لأنكم وقفتم بوجه قراراتنا الصائبة!
المقامرون الإسرائيليون وطلاب الحرب على «الغوييم» من دول العالم بأي ثمن كان هم الآخرون أيضاً على الموعد «المقدس» لهم للانتقام من الإيرانيين كما من الأوروبيين في حال وصلت المفاوضات بين الطرفين إلى الطريق المسدود كما يأملون.
لكن ثمة طرف هو الأهم في كل هذه المعادلة الصعبة والشائكة هو الآخر على موعد مع استحقاق هو الأهم ربما في تاريخه السياسي ألا وهو مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي وهو الرجل الذي بات يمسك بكل أوراق اللعبة والمعادلة السياسية من دون مزاحم أو مناكف مع اقتراب تنصيب الرئيس المنتخب الجديد محمود أحمدي نجاد، إنه الموعد المقدس أكثر من غيره ربما ألا وهو الجمع بين تلبية مطالب الإجماع القومي الإيراني في حق الأمة في الدورة النووية المتكاملة للأغراض السلمية وبين توق هذه الأمة وشوقها اللامحدود أيضاً لأن ترى المواجهات والحروب وراءها تماماً بعد أن ذاقت الأمرّين من جارها الغربي الأهوج - نظام صدام حسين - فيما جرَّبت بالمقابل متعة الأمن والأمان والاستقرار وتجنب حرب جديدة كانت قاب قوسين أو أدنى من الوقوع على خلفية استفزازات الطالبان أيام حكمهم الشهير وحربين أخريين على خلفية الغزو الأميركي لكل من أفغانستان والعراق بفضل ما بات يصطلح عليه هنا بسياسة «تشخيص مصلحة النظام» أي الدراية والحكمة واختيار سياسة «خير الشرين»!
في الاجتماع القيادي المهم الذي عُقد قبل أيام بين رأس القيادة الإيرانية، أي المرشد، وبين الرؤساء الثلاثة؛ رفسنجاني وخاتمي وأحمدي نجاد، قيل إن القرار الذي اتخذ هو إخطار الأوروبيين باقتراب موعد نهاية الشهر «المقدس» والذي ليس في نية القيادة الإيرانية مجتمعة تمديده، وهو الموعد الذي تصبح فيه إيران في حِلّ من قرارها التطوعي بخصوص وقف عمليات تخصيب اليورانيوم، على أمل أن تقدم أوروبا اقتراحاتها النهائية بخصوص حصول إيران على حقها بالدورة النووية المتكاملة للأغراض السلمية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي، وان إيران في حال لم تتسلم مقترحات عملية من أوروبا تحفظ لها هذا الحق القانوني والمشروع فإنها ستبادر إلى استئناف النشاط النووي المتعارف مهما كانت تداعيات ذلك على مسار المفاوضات مع الجانب الأوروبي.
الأوروبيون إذاً ومعهم العالم الغربي مجتمعاً قد يجدون أنفسهم ابتداءً من الأسبوع الأول من أغسطس/ آب أمام وضع إيراني جديد ومتفاوت. وفي مواجهته قد لا تنقصهم الحيلة في مجال التهديد والوعيد، لكن ستنقصهم الصدقية والمقبولية لدى طرفي النزاع الأصليين في هذا الملف، أي إيران اللائمة وأميركا الشامتة ومن وراءها «إسرائيل» المتحفزة لاستقبال أي توتر ومواجهة.
بالمقابل، فإن الجانب الإيراني هو الآخر سيكون عند ذاك مع حال جديدة مع الخطاب والتعامل من جانب أوروبا والعالم الغربي مع التأكيد أن كل ذلك سيترافق مع تسلم الرئيس المنتخب مهمات عمله. وقد لا تنقص الحكومة الجديدة الحيلة أيضاً في مواجهة العالم كله إذا تطلب الأمر للدفاع عن ملف يحظى بإجماع وطني قلّ نظيره حتى الآن. لكن هذا الإجماع نفسه كما أسلفنا سيكون متحفزاً بالنصاب نفسه من أجل منع حصول حرب ملعونة جديدة. وهذا هو الملف الأبرز الذي سيكون في صدر جدول أعمال الرئيس الجديد وفريق عمله. إنها المفارقة التي تبحث عن مخرج لا إفراط فيه ولا تفريط.
مخرج يعتقد البعض هنا أنه لا سبيل إليه إلا بتطعيم مطبخ صناعة القرار الإيراني «القديم» بفريق عمل أحمدي نجاد الجديد وليس بتغيير المطبخ القديم تماماً. ذلك لأن في التغيير هنا مجازفة دونها مصير الوطن والنظام
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1058 - الجمعة 29 يوليو 2005م الموافق 22 جمادى الآخرة 1426هـ