حين قرأت الخبر الذي نشر عن ما يسمى "بجمعية تنشيط السياحة" وأنها تضع "إمكاناتها" تحت تصرف الإعلام، تذكرت نكتة تتحدث عن تعليق للرئيس المصري الراحل أنور السادات حين علق على التسمية الجديدة والطويلة لدولة عربية مجاورة بأنها تحتاج "لأخذ نفس" بين كل كلمة وأخرى، وتقول النكتة انه حين وصل إلى الكلمة الأخيرة تساءل مندهشا: "كمان عظمى؟".
العارفون ببواطن الأمور يعلمون ما هي قصة هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم جمعية تنشيط السياحة تحت التأسيس، والذين فشلوا في انتخابات جمعية فنادق ومطاعم البحرين، كما يعلمون من وراء هذه الجمعية التي لا تنشط إعلاميا إلا حين تطرح بعض الأسئلة أو تفتح بعض ملفات وزارة الإعلام في مجلس النواب أو في الصحافة أو حين يطالب المستثمرون في القطاع السياحي بسرعة تأسيس الهيئة المستقلة للسياحة.
المثير للسخرية والمستفز للمعنيين بالشأن السياحي هو عنوان الخبر: "تنشيط السياحة تضع إمكاناتها تحت تصرف الإعلام"، فعن أية إمكانات يتحدثون؟ ألهذا الحد وصل الاستهزاء بذكاء الناس؟ إلا إذا كانوا يقصدون "الدعم اللوجستي" من خلال المقابلات المكتوبة سلفا والبيانات والتصريحات الركيكة التي تصور الوضع السياحي على غير حقيقته والإشادات والتلميع للمسئولين في وزارة الإعلام، ما يضع علامة استفهام كبيرة على الجهة التي لها مصلحة في إظهار أن السياحة في وضع ممتاز، وأن الفنادق لم تتأثر بالقرارات الإدارية العشوائية التي تتخذ، وأن إدارة السياحة بإشراف الوزارة ومتابعتها تقوم بواجبها على أكمل وجه، في محاولة من خلال التصريحات المتواترة لإيصال رسالة خاطئة إلى الرأي العام والجهات المسئولة تظهر المستثمرين في القطاع وكأنهم لا يحبذون فكرة الهيئة المستقلة وأن إنشاء وزارة للسياحة يوضع على رأسها صاحب الإنجازات هو الحل الأمثل فهو القادر على أن يوجه دفة السياحة من "بحر بوغزال إلى رأس البر"، مستندين في ذلك إلى ما ينشره أحد الصحافيين الذي تتوارد خواطره بشكل غريب وتتشابه في الطرح مع ما ينشرونه باسم هذه الجمعية. فكلما كتب هذا الصحافي عن السياحة، ألحق ذلك بخبر أو تصريح عن "جمعية تنشيط السياحة" "تحت التأسيس"، متجاهلا جمعية فنادق ومطاعم البحرين، المشهورة رسميا منذ ما يقارب العام.
وفي رد الوزير أمام مجلس النواب تم إقحام إسم الجمعية أيضا وكأنها طوق النجاة للسياحة في البلد، مع أنه لا وجود لهذه الجمعية رسميا! ألا يثير ذلك الاستغراب ويطرح أسئلة تحتاج لإجابات مقنعة، وهي لماذا هذا الإصرار على إبراز جمعية تحت التأسيس لم تسجل ولم تشهر رسميا وليس لديها برنامج أو أهداف معروفة أو دور محدد؟ فضلا عن أن عدد أعضائها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، هذا مع تجاوز حقيقة أن تنشيط السياحة يناط بهيئة عامة كبرى تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ويدخل في عضويتها وزارات ومؤسسات حكومية وأهلية وشركات الطيران الوطنية والفنادق المصنفة وجمعيات الفنادق والمطاعم وشركات النقل السياحي المتخصصة وغيرها. أي أن مهمة التنشيط تحتاج لتعبئة إمكانات دولة بأجهزتها ومؤسساتها وليس لإمكانات جمعية تحت التأسيس؟ ثم لماذا كل هذا الانتظار منذ نصف عام لتسجيل الجمعية إذا كانت مستوفية للشروط؟ أم أن أعضاءها كانوا منشغلين بجرد إمكاناتها التي ستضعها تحت تصرف وزارة الإعلام والمتمثلة في مكاتبها الترويجية ومراكز البحث والإحصاء في المجال السياحي المنتشرة في مختلف البلدان من الفاتيكان إلى خورفكان؟
إن هذه الأساليب القديمة في تزييف الواقع وتصويره بأنه وردي، وتلميع صور المسئولين وتملقهم بمناسبة أو من دون مناسبة، و"تنشيط" الإشادات والتصاريح وكأن "الجمعية" هي الناطق الإعلامي للوزارة، لن ينشط السياحة ولن يؤدي إلى التطوير بل ان هذه الأساليب هي احدى الأدواء التي نعاني منها، وهي من أسباب زيادة حدة المشكلات التي يعاني منها القطاع، وهي التي تؤخر تحقيق أهداف المشروع الإصلاحي الذي من أهدافه اجتثاث الفساد الإداري والمالي. وواجبنا هو دعم المشروع بكشف الحقائق أمام أجهزة الدولة والرأي العام حتى لا نعود نلقي باللوم على سوء التخطيط وانعدام الاستراتيجيات وغياب البرامج والسياسات وتفشي الفساد والمحسوبية وتدني مستوى الخدمات وغياب التأهيل والحرفية المهنية.
إذا أردنا التغيير للأفضل فعلينا أن نمتلك الشجاعة الأدبية لنقول الحقيقة ونوصلها إلى المسئولين، وهي أن المستثمرين محبطون، وأن القطاع يحتاج لهيئة مستقلة لتنمية السياحة يشارك في إدارتها رجالات القطاع نفسه، وتقوم بدورها تجاه القطاع السياحي كما تقوم غرفة تجارة وصناعة البحرين بهذا الدور تجاه القطاع التجاري. وهذه الحاجة ليست ترفا أو بدعة بحرينية، بل هي حاجة مبنية على تجارب وخبرات دول سبقتنا في هذا المجال، فضلا عن أن منظمة السياحة العالمية تدعو تكرارا ومرارا جميع الدول الأعضاء، لتفعيل دور القطاع الخاص ومشاركته في وضع السياسات والاستراتيجيات والقوانين المنظمة للقطاع السياحي بحضوره كعضو كامل الصلاحية في الهيئات المناط بها القيام بهذه المهمات سواء كان وصوله عن طريق الانتخاب أم التعيين.
وهذه دعوة للجهات المسئولة بأن لا يتم تعيين أي من مسئولي وزارة الإعلام الحاليين أو السابقين في هذه الهيئة، لأن مثل هذه التعيينات ستسبب المزيد من الإحباط للمستثمرين والمعنيين في القطاع السياحي، لأنهم ينتظرون تغييرا جذريا وحاسما يضع المملكة على خريطة السياحة العالمية. فالتجربة أثبتت عدم قدرة هؤلاء على إدارة وتوظيف هذا القطاع الحيوي والمهم بشكل يخدم التنمية والاقتصاد الوطني. لهذا فإن نجاح دور الهيئة القادمة سيعتمد كثيرا على وجود شخصيات لها علاقة بالقطاع السياحي وتمتلك الشجاعة والثقافة والخبرة والقدرة على اتخاذ القرار الذي يصب في مصلحة القطاع والاقتصاد والتنمية، وعلى وجود عقليات عملية ومبدعة ولديها طموح للأفضل، وتؤمن بأن القرار المبني على إحصاءات علمية والذي يشارك في اتخاذه جميع المعنيين وتكون مرجعيته القانون والمصلحة العامة لن يحتاج إلى جيش من المفتشين وسيحترم من قبل الجميع. وقبل كل ذلك وضع آليات وأنظمة عمل للهيئة تكون تنافسية ومرنة وجاذبة للاستثمارات، تكفل الشفافية وتكافؤ الفرص وتقديم خدمات ذات جودة عالية تتميز بالحرفية المهنية والسرعة والدقة، وبإنجاز المعاملات بلا محاباة أو تمييز، وبآلية عمل لا يخضع فيه توقيع المعاملات للمزاجية أو لغياب أو سفر أو اجتماع هذا أو ذاك من المسئولين مهما كان منصبه، طالما أن الشروط القانونية للطلب مستوفاة. فنحن في سباق مع الزمن وأمام مفترق طرق لنقرر الوسيلة التي نواصل بها الرحلة، إما الإبحار في بحر متلاطم الأمواج بتقنيات "النوخذة بن عيدان" وإما الطيران بجناحي العلم والإبداع لنعوض ما فاتنا من وقت واستثمارات وفرص ضائعة على جميع المستويات
إقرأ أيضا لـ "أنور الحايكي"العدد 1057 - الخميس 28 يوليو 2005م الموافق 21 جمادى الآخرة 1426هـ