المصريون معروفون بأنهم أسياد النكتة، يقابلون بها ما يلاقونه من معاناة وشظف العيش ومهازل الدنيا عبر القرون. شعب صبور يتعامل مع الحياة نفسها كأنها أضحوكة كما يقول عنهم الكاتب العراقي خالد القشطيني، إذ يحولون أية قضية خطيرة إلى نكتة.
الكاتب المصري إبراهيم عبده وصف شعبه بالقول: "إنه شعب ضاحك... وهو أخف شعوب الأرض ظلا، فقد عاش ألوف السنين ونصف هذا الشعب يتساقط من البرد والجوع، ونصفه الآخر يطلق النكات". حتى الرومان عندما احتلوا مصر، منعوا المصريين من ممارسة القضاء في محاكم الاسكندرية، لانهم اعتبروا "تنكيت" المحامين المصريين ومرحهم يذهب بهيبة القانون!
في أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر، كان اسم سعد زغلول يتردد على كل الالسنة، حتى خلط المصريون الدعابة بالوهم، بل ان طبيبا قال إنه كان يفحص امرأة حاملا فسمع جنينها ينادي بأعلى صوته: "يحيا سعد"!
حتى جمال عبدالناصر، الزعيم العربي الذي حقق الكثير لمصر، علقت إحدى الصحف في سياق تغطيتها لزيارته إحدى القرى بقولها: "حتى دجاجات القرية طارت فرحا بزيارة الريس"!
أما عهد السادات كثير الكلام، فارتبط اسمه بـ "اللحمة"، التي باتوا لا يذوقونها إلا يوما واحدا في الاسبوع، بعد أن كان يعدهم بالرخاء!
على أن المصريين الذين قابلوا كل مهازل القرون بالسخرية والتنكيت، قرأوا رسالة مفتوحة لمحافظ ما، في دولة بعيدة، باسم أهالي محافظته، فدار رأسهم من الاستغراب: "فبحكم المعزة والمحبة، وبحكم روابط العروبة والإسلام، وبحكم التوأمة... نقترح إرسال طائرة خاصة لإخواننا من أهالي شرم الشيخ تضم مئة من أهالي المحافظة"!
التقارير الواردة من القاهرة حتى الآن، تشير إلى أن المقترح أثار جدلا واسعا في الشارع المصري، وبدأ الناس يتساءلون: لماذا مئة بالضبط؟ لماذا لم يقترحوا عشرة، ألا يكفي عشرة؟ ولماذا "طائرة خاصة"؟ هل هم مشجعو منتخب كرة قدم أم وفد تمثيلي؟ وفي أي فندق في شرم الشيخ سيسكنون؟ في الهلتون أم في غزالة غاردنر؟ الظاهر انهم مش عرفانين حاجة...
على ان ما حير المصريين وأدار رؤوسهم في المقترح هو كلمة "التوأمة"، فهم يعرفون كلمة العروبة والإسلام منذ قرون، لكن كلمة "توأمة" كانت غريبة على أسماعهم، فبدأ بعضهم يتساءل: ايه يعني "توأمة"؟ ايه البدعة ديه؟ ثم إن كل توأمة تعني تبعث لك وفد من مئة شخص؟ وليه "شرم الشيخ" بالذات؟ هل لأنه صار فيها "كم انفجار"؟ كمان لندن صار فيها انفجارات... ليه ما يقترحوش طائرة خاصة كمان؟ وبغداد كمان كل يوم فيها تفجيرات وقتل أطفال، مهماش مسلمين كمان؟ ليه ميروحوش بوفد من مئة شخص "باسم العروبة والإسلام... ليعبروا لإخوانهم عن استنكارهم للأعمال الارهابية الوحشية والوقوف معهم صفا واحدا" كما يقولون؟ كمان في إسبانيه و"الدار البيضه" والرياض والرباط صار فيها تفجيرات إرهابية وقتل أطفال ونساء، ليه مطلبوش طائرة خاصة؟ بس اللعبة دي علينا إحنا؟
وبحسب التقارير الواردة فإن الجدل كان محتدما حتى كتابة هذا المقال، إذ تتزايد الأسئلة أكثر وأكثر، كلما وصل المقترح العجيب إلى عدد أكبر من الناس، حتى أن أحدهم علق على عبارة: "انها رسالة نطلقها لنشجب فيها أعمال الإرهاب"، بقوله: "متطلقوهاش وأنتم في بيوتكم من دون طيارة خاصة ولا يحزنون"! فيما علق آخر بقوله: "هو احنه ناقصين شجب واستنكار... متطلقوهاش وتخلصونا"!
المصريون الذين اعتبروا الدنيا أضحوكة كبرى، الذين صبروا صبرا جميلا على عهود الرومان والانجليز والسادات، من حقهم على الآخرين أن يصبروا على نكاتهم، وخصوصا إذا كانت من النوع الذي يذهب بهيبة الإنسان
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1057 - الخميس 28 يوليو 2005م الموافق 21 جمادى الآخرة 1426هـ