في هذا الزمن الردئ ليس صعبا اكتشاف منافق هنا ومتملق هناك، وثوري في زمن وانبطاحي في زمن آخر. والبعض يتخطى المحظورات الشرعية "التي هي من الدين بالضرورة"، فيذهب في تأليه نظام سياسي معين ويقدسه ويرفعه إلى أعلى عليين، إلى مرتبة آلهة الأغريق!
من جانب آخر، فإن اكتشاف متسلقي أكتاف الجماهير وأصحاب البطولات الفارغة ليس صعبا، هؤلاء المتفيقهون بمقارنات تاريخية وتشبيهات ساذجة لحكم بني أمية وعكسه على الواقع المعاش، أو ذاك الذي ذهب لأقصى حدود الخيال وسرح بعيدا وألقى كلاما أقل ما بحقه أنه لا يقال من رجل الشارع العادي فضلا عن رجل سياسي، من المفترض أن تكون الحكمة ضالته، وليس التهور وتهييج الناس وحشو صدورهم وتلويث عقولهم بجرثومة الطائفية المذهبية البغيضة.
النفاق السياسي الرخيص لا يبني الوطن، بل المصارحة والمصالحة القائمة على العدالة، وعلى أن "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة" كما قال الزعيم المصري سعد زغلول. وكذلك العنتريات المنبسطة بأريحية تامة لحالة الناس المأزومة، هذه العنتريات لا تخلق ثقة أو توافقا مجتمعيا، ولا تؤسس لدولة المواطنة و"القانون". بل هي تؤدي إلى النفور والحساسيات والتناحر الأهلي... إن تدهور الأمر لا سمح الله.
المطبلاتية وحملة المباخر يؤدون أدوارهم في اتساق تام مع أسيادهم ومن يغدق عليهم من مداخيل الدولة الريعية، وكذلك الاستئصاليون الحالمون بوطن طائفي يسرحون ويمرحون فوق أرضه ويسومون الآخرين سوء العذاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
النفاق ومسح الجوخ أنواع، منها ما هو عند أبواب السلاطين من حمل للدفوف ورقص على المزمار، وأيضا هناك طراز رفيع من النفاق، وهو ذاك الكلام الذي يكتب بأقلام "المونت بلانك"... هذا وذاك سيان ويؤديان إلى النتيجة نفسها: سحق كرامة الناس وتركيعهم!
وعلى الضفة الأخرى: الطائفيون والاستئصاليون هم أيضا منهم من لا يتورع أن يستخدم أدنى العبارات في المناقشات والحوارات المختلفة، وإظهار صلافة ليس بعيدا عنها صلافة مدرس الثانوية - الذي هو اليوم عضو في أكبر جمعية سياسية - وهو الذي كان يقوم بفرز الطلبة في الفصل الدراسي "الشيعة في هذا الجانب والسنة في ذاك! أو ذاك الذي يقول لك: إنني معك وأنا ضد الطائفية، وهو لابس البذلة و"التاي"، وتقول في نفسك الحمدلله غيرته الدراسة والتعليم والحياة المدنية، وما هي إلا لحظات لتكتشف حمله للخنجر خلف ظهره!
عطني إذنك
على أرض البحرين، شعب البحرين توافق حين التصويت على الميثاق على أن الحكم في أسرة آل خليفة الكرام، وبذلك كان من المفترض أن تكون القوى السياسية وجميع الأفراد في المجتمع حسموا خياراتهم بالنسبة لهذه المسألة. والبحث عن طرائق متعددة للمشكلات الاجتماعية القائمة "الفقر، البطالة، الإسكان، التجنيس العشوائي... إلخ" والابتعاد عن دهاليز سياسية لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بهذه الأولويات، فإن موضوع الحكم تم حسمه في الاستفتاء العام على الميثاق واستقر الرأي لـ 98,4 في المئة من مجموع الشعب على ذلك. فهذا موضوع محسوم سياسيا وواقعيا، فما الفائدة من ترديد شعارات مضادة سوى خلق بطولات عنترية واللعب بعواطف الناس؟ إن من يدفع بنا نحو الهاوية وإعادة حياة الرعب والدولة البوليسية هما طرفان لا ثالث لهما: المنافقون ومساحو الجوخ، والموتورون الاستئصاليون
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1056 - الأربعاء 27 يوليو 2005م الموافق 20 جمادى الآخرة 1426هـ