بعد أقل من شهر على البدء في تنفيذ بنوده، يواجه اتفاق السلام في السودان الذي توقفت بموجبه الحرب في الجنوب، عقبة كأداء تتمثل في الخلاف في إحدى المناطق الثلاث المهمشة التي أخرت التفاوض من قبل. تلك هي منطقة أبيي المتنازع عليها عبثا "فهي لم تكن يوما من الأيام تابعة إلى جنوب السودان الذي من المتوقع أن ينفصل عن الشمال في استفتاء بعد ست سنوات" بين قبائل المسيرية العربية والقبائل الزنجية دينكا نقوك التي تمردت مجموعة من أبنائها في حركة قرنق. يقضي اتفاق السلام بتكوين مفوضية برئاسة سفير أميركي سابق في السودان وعضوية خبراء دوليين بالإضافة إلى نحو عشرة من أبناء القبائل المتنازعة لتحديد المناطق التي ضمت من الجنوب إلى الشمال في العام 1905 على رغم عدم وجودها أصلا. فالمنطقة المتنازع عليها تقع في الجنوب الغربي لإقليم كردفان "أحد الأقاليم الشمالية" واستوطنت فيها المسيرية العربية منذ 1775 وفقا للمؤرخين الإنجليز. وفي العام 1904 تقرر أن يتبع أحد السلاطين الجنوبيين الذين يقطنون جنوب أبيي، بناء على طلبه، إلى كردفان ومن ثم رسمت الحدود. في العام 1905 وقع ميثاق أخاء بين العرب ودينكا نقوك تم بموجبه عبور الأخيرة لبحر العرب نحو الشمال والاستقرار وسط المسيرية، فيما يعرف الآن بمدينة أبيي وبهذا الفهم فهي قطعا خارج النزاع الجنوبي الشمالي الذي يستند إلى الحدود قبل الاستقلال في العام .1956
الشاهد على أن المنطقة مرشحة لأن تكون حجر عثرة في السلام هو أن الخبراء الدوليين تجاوزوا التفويض الذي منح لهم أثناء المحادثات وفشلوا في تحديد معالم المنطقة واعترفوا بذلك كتابة لكنهم أيضا ارتكبوا خطأ بوضع خرائط جديدة للمنطقة تلتهم مزارع وآبار ارتوازية للقبائل العربية الرعوية لم يكن الجنوبيون يحلمون بأن تكون في ملكيتهم والسبب وجود اكتشافات للنفط لم يشأ الخبراء الدوليون "لحاجة في نفس يعقوب" أن يكون نفطا عربيا هذه المرة. ولذلك تحيزوا لقبيلة نقوك الزنجية على أمل أن تصوت للانفصال. طبعا رفضت القبائل العربية الأبية هذا التجاوز ورفعت مذكرة إلى رئاسة الجمهورية قائلة إن لديها خيارين لا ثالث لهما إما أن تعيش بظاهر أرضها في إخاء مع غيرها أو تستشهد بباطنها ما جعل الرئيس البشير الذي يرى أن الحق معها وقرنق الذي يرى غير ذلك في حيرة من أمرهما
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1056 - الأربعاء 27 يوليو 2005م الموافق 20 جمادى الآخرة 1426هـ