العدد 1056 - الأربعاء 27 يوليو 2005م الموافق 20 جمادى الآخرة 1426هـ

الجمال في "إلياذة" هوميروس

البلاد القديم - أحمد الدفاري 

تحديث: 12 مايو 2017

يعتبر التخليد واحدا من أهم المرتكزات الأساسية للملاحم الباحثة عن السلام، وجانبا مهما يبرز الدور الأدبي لمحاربين آخرين، خرجوا ليناضلوا بإبداعاتهم الأدبية إلى جانب حملة السيوف والرماح على رغم اختلاف الأزمنة. واحد من هؤلاء الجنود هو هوميروس، أبرز شعراء الإغريق، صاحب الملحمتين الأدبيتين الشهيرتين الإلياذة والأوديسة. لم تغب عن ذهن هوميروس لحظة أهمية تخليد حرب طروادة التي يعتقد حدوثها العام 1250 ق.م، فسعى لتخليدها شعرا بدقة متناهية. ولم يكتف بذلك حتى أنجز ملحمة شعرية أخرى تروي مغامرات أوديسيوس وهو عائد لوطنه بعد سقوط طروادة في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.

ليست الإلياذة رواية شعرية تقص حوادث متسلسلة لحدث ما، بل امتازت بسلاسة واضحة، وبلاغة لغوية راقية، ما جعلها أكثر دقة في السرد والرسم، وكان دقة رسم الملامح من أهم خصائصها، إلى جانب حسن استخدام تقنية التصوير والتشبيه، التي أحصيت - بحسب المترجمين - إلى أكثر من مئة وثمانين تشبيها، تعكس الفعل الملحمي بدقة مفصلة. إلى جانبي السرد والرسم كان للتحليل والتنبؤ موقع بارز في ملحمة هوميروس، وذلك بعد تصوره بأن الحرب تشمل العالم الإغريقي إلى جانب إلهاب الأنفس البشرية في تقلبها. بقدر ما أرادت الإلياذة من تخليد حرب طروادة، خلدت في نفوس الأدب والتعليم الإغريقي، بل صار لها أثر كبير على الأدب العالمي، لخصائصها المذكورة إلى جانب دورها في تمثيل الشرف والشجاعة، ولما تتمتع به من جمالية السرد الشعري، الذي اعتبرها الكاتب الإيطالي اليساندروا باريكو الوجه الآخر الجميل للحرب والمعبرة عن السلام. ويرى باريكو ضرورة إعادة قراءة الإلياذة في هذا العصر لما تكتظ به من حروب ومعارك واغتيالات وعنف و... إلخ. ولم يحصر باريكو الإلياذة في زاوية الثناء على المحاربين والشجاعة، ولم يكتف بتعليقها كتحفة ممجدة على رف التاريخ فقط، بل رأى فيها ما يعكس القوة الناقلة لحجج المهزومين.

واحدة من جمالية الإلياذة هي ربط الحرب بالرغبات الأنثوية، إذ تذكر في أكثر من مناسبة دور الأنثى ظاهرا ومستترا وعلاقتها مع الحرب والمقاتلين، كذكرها ذلك البطل الهارب من الحرب الذي يصطدم برغبات ثلاث إنسيات؛ دعوة أمه للصلاة، ورغبة هيلين للوقوف بجانبها عاطفيا، وأمنية اندروماك بالزواج والإنجاب. هذه الدقة في السرد تعد مكملة لحوادث الحرب الأساسية، إذ تعبر عن مدى تأثير العاطفة الأنثوية على الحرب، ولما للمرأة من صوت بارز. وهو تفصيل نادرا ما يتداوله الرواة والقاصون. تعد إلياذة هوميروس واحدة من معجزات التاريخ الأدبي، وأهم مكتسبات العطاء الثقافي. إذ استطاعت أن تفرض نفسها كواحدة من أهم كلاسيكيات الأدب العالمي، وكان لبلاغتها اللغوية دور بارز في إبراز جمالية أخرى من جمالها. وعلى رغم إساءة بعض المترجمين لعظمة بلاغة لغتها أو التركيز على الجانب العنفي في الملحمة، فإنها تظل المعجزة الأدبية الشاملة، التي تتناقل بي أذهان الأدباء وأرباب التاريخ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً