العدد 1056 - الأربعاء 27 يوليو 2005م الموافق 20 جمادى الآخرة 1426هـ

مارسيل خليفة: مشروعي هو كيف نتعلم الحب

موسيقاه تشدو بين جدران قصر التازي بالرباط

الرباط - المصطفى العسري 

تحديث: 12 مايو 2017

تميز حضور الموسيقار اللبناني مارسيل خليفة في الرباط، بالإضافة إلى الليلة الفنية الساحرة التي أتحف بها جمهور قصر التازي التاريخي بالعاصمة المغربية "الرباط" على هامش مهرجانها الدولي 11 بالمؤتمر الصحافي الذي كان خلاله وكما عهده الجمهور العربي صريحا إلى حد الصدمة.

فقد اعتبر الموسيقار والفنان اللبناني الملتزم مارسيل خليفة في مؤتمر صحافي أن دور الفن في مكافحة العنف والتقتيل "يجعلنا في كل يوم نسأل عن حصتنا في الحياة، لأننا لا نريد مزيدا من الغربة والعذاب، ولا يمكن أن نستقيل ونتوقف عن طرح الأسئلة بعمق تاريخي ونبحث عن معنى جديد لمشروعنا الثقافي والحضاري"، معتبرا أن ما يشهده العالم اليوم من فظاعات "يدفعنا لكي نشتغل أكثر، لذلك أجدني أتوجه في مشروعي الموسيقي نحو موضوع أعتبره أساسيا هو كيف نتعلم الحب من جديد الذي قد نكتشفه كل يوم مع شروق كل شمس والشعور بدفئها وحرارتها، أعمل لأكتشف معنى جديدا لهذا الحب الذي نحتاجه".

وأضاف أن مدينته "بيروت" مثلها مثل عدد من مدن الوطن العربي "تعيش لحظات عصيبة إلى جانب ما يشهده العراق من حرب تقتيل، وفلسطين، إذ يسقط كل يوم ضحايا جدد، هذا في اعتقادي نتاج للنظام العالمي الجديد الموغل في القدم، وعلينا أن نعي ماذا يخطط لنا في المغرب كما في المشرق وذلك يتطلب صحوة حقيقية في كل جوانب الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية" لأننا على رسل درويش "نحن نحب الحياة لما استطعنا إليها سبيلا ونتابع".

ويرى الفنان اللبناني أن بعض الأمور يجب تفسيرها بدقة وقال "أنا كفنان أجد نفسي مع كل شخص إذا احتلت أرضه عليه أن يقاوم الاحتلال لأنه حقه الشرعي"، مضيفا أن ما يجري في فلسطين وجنوب لبنان والعراق "هو دفاع عن الحق والأرض، إلا ان الضحايا الذين يسقطون في هذه الأرض يوميا لا يثيرون اهتمام العالم بخلاف ضحايا آخرين يشكلون الحدث ويحظون بالاهتمام" في إشارة إلى تفجيرات لندن الأخيرة.

وعبر خليفة في هذا الصدد بمرارة قائلا "يجب أن نتساوى في الموت على الأقل لأننا لا نتساوى في الحياة. فالمقاومة تسعى إلى تحرير الإنسان والأرض من رواسب خطيرة"، مضيفا أن العرب شعب لا ينتج فقط "العنف ولكن أيضا يبدع في الشعر والأدب والفن والثقافة في كل تجلياتها". وقال "جئت إليكم لأعصف ما في صدري ولأستعيد الثقة في الروح تلك الثقة التي أرهقتها الانهيارات الشاملة والهزائم الصغيرة والكبيرة". ثم أضاف بشأن ما اعتبره ترديا للذوق وسيطرة للأغنية التجارية "يجب أن نوجه الاتهام مباشرة للذين أفسدوا الأغنية، هناك مؤسسات حقيقية تسيرها عقول لا تفكر، بل تنحرف بذوق الجمهور الذي لا يخلق أبدا بذلك إحساس، بل ما يقدم له هو السبب، هذه أشياء خطيرة... هناك قوة اقتصادية تنطلق من خليج النفط بتمويل فضائيات خطيرة وتصل إلى الشرق عندنا مرورا بالقاهرة... ووصولا إلى المغرب". داعيا في هذا الشعب المغربي والعربي إلى الخروج في مظاهرات للاحتجاج على غزو الفضائيات التي تسوق فنا تجاريا "في إطار مقاومة مشروعة... لأننا لا نريد أن يسقطوا كلمة مقاومة من قاموسنا. أنا مع المقاومة وضد الإرهاب". وقال خليفة إن: "هذه الفضائيات أصابت المواطن العربي بانفصام في الشخصية"، مشاهدته لصاحب "الفيديو الكليب" في سيارة فارهة ونساء جميلات، بينما هذا المشاهد يعيش في بؤس وفقر. وأضاف انه لا يطالب بإلغاء "أحد على حساب الثاني... وإنما إعطاء حرية الاختيار وألا تفرض هذه الفضائيات علينا وتقتحم بيوتنا... من يريد الكاباريه فهو حر ليذهب إليه ولكن ليس أن يدخل إلى بيوتنا بالقوة". فلنحاول أن نحدث اختراقا بسيطا وسط جمهور اضطهدته وسائل الإعلام وذلك لحماية الثقافة من الفضيحة لم يبق لنا سوى البوح العميق لندافع عن أنفسنا.

وبخصوص مشاركته في مهرجان الرباط لهذه السنة وهو يحمل صفة فنان اليونيسكو عبر عن شعوره الغامر بالفرح وقال "فرحت أكثر عندما اقترح علي توسيع مشاركتي والغناء في منطقة سأكتشفها لأول مرة في المغرب وهي بلدة تيفلت الصغيرة شمال الرباط، إذ سأحيي حفلا موسيقيا وغنائيا ولن أترك الفرصة تنفلت من يدي".

وفي ما يتعلق بشأن مشروع فني مشترك مع المغاربة، قال خليفة "أنا أحب المغرب والمغاربة وما يعنيني هو هذه الألوان والإيقاعات وهذه الحداثة ولدي صداقات حميمة مع شعراء وأدباء وأنا شغوف بالتراث المغربي الكلاسيكي منه والأندلسي والفلكلور، فالمغرب أرض فيها غنى عندما أخرج منها آخذ معي كل هذه الألوان كزاد لي".

وقال أيضا "كنت أتمنى أن أكون مغربيا أو على الأقل أن أجد فرصة أكبر لأمنح من هذا التنوع الاستثنائي في الموسيقى الموجود على هذه الأرض وأنا واثق إذا اشتغل الموسيقيون عليه بشكل جيد سيخرجون بعمل رائع جدا ومميز".

وكان جمهور العاصمة المغربية على موعد يوم السبت الماضي، مع الفن الأصيل، المجسد في فن المبدع اللبناني مارسيل خليفة، وذلك في إطار تظاهرات مهرجان الرباط الدولي، إذ سافر مارسيل خليفة في فضاء قصر التازي التاريخي بالحضور إلى عوالم تنتفي فيها الحدود المادية والرمزية لتفسح مجالا خصبا يغتني فيه الفكر والروح بثقافة ملؤها التواصل بين الإنسان وعالمه الروحي الداخلي، ليجعله منفتحا على عالمه الخارجي، تحدوه الرغبة في التعبير عن عشقه للقصيدة، للحياة.

وأدى مارسيل خليفة قصائد تناولت موضوعات تنهل من عمق الحياة البسيطة، فارتوت كلماته من معين الأرض الطيبة، أرض فلسطين التي رمزت إلى كل الأرض، ليثبت أن القضية لا تموت وإن أخذت يد الردى شبابا أبوا إلا أن تغسل دماؤهم الأرض التي فدوها بأجسادهم لتظل أرواحهم خالدة فيها في أبدية رمزية. كما أهدى مارسيل أنشودة لكل من الطفل والسجين العربي، فكان العصفور خير أنيس لبراءة الطفولة وغربة السجين، لتنجح بذلك الموسيقى، التي ترشح بنبرات الحزن، في أن تخلق بصيص الأمل الذي تسكن إليه القلوب. وغنى مارسيل أيضا للمرأة، رمز الوجود، الأم التي تعيش في الوجدان، في التفاصيل الدقيقة للروح والذاكرة، في الحركات البسيطة اليومية، في خصلة الشعر الذهبي، في فنجان القهوة اليومية، كما أهدى القصيدة لرفيقة الدرب التي تشكل امتدادا لوجود المرأة في حياة مارسيل، باعتبارها رمز إلهام يلتحم بقضية الإنسان العربي التي حملها على عاتقه.

وتنوعت فئات الجمهور الذي عبر عن تعطشه لقصائد تحمل الرسالة هم الإنسانية، والتقت الأجيال في توافق يندر أن تحققه الكثير من الألوان الموسيقية، فالجميع، كبارا وصغارا تهافتوا على ترديد القصائد التي تغنت بالأرض والمرأة والسلام والحب، ورفعوا راية الفن الملتزم. وتلقى جمهور الرباط رسالة السلام التي حملها مارسيل من خلال قصفة الزيتون والنعش، وكلام صباح الليل، وريتا التي حالت دون وجودها البندقية، لكن مارسيل سيمشي على الدوام منتصب القامة، وسيسير قدما على الدرب، رفيقه العود والكلمة البسيطة التي تجعل المستمع - المتلقي يمعن التفكير في رموز الحياة، ليأخذه إلى العالم الذي تتوقف فيه الكلمة عن التعبير لتطلق العنان لموسيقى تشدو بلحن الحياة.

يذكر أن الموسيقار اللبناني مارسيل خليفة اشتهر بأغانيه الملتزمة التي تعتبر تأريخا للقضايا العربية المعاصرة خصوصا تلك التي نسج أبياتها الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش منذ أول ألبوم له في نهاية سبعينات القرن الماضي وعود من العاصفة، مرورا بـ "أعراس" و"العصافير تموت في الجليل" و"بيروت" و"أحمد العربي"، و"منتصب القامة أمشي" التي كانت انتفاضة في وجه القمع بوجهيه الداخلي والخارجي، قبل أن يتوجه في السنوات الأخيرة نحو التأليف الموسيقي





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً