يونس أحد الذين يعملون في القطاع الخاص منذ عشر سنوات عجاف براتب 150 دينارا، حاول أن يجمع دراهم معدودات ليكون بها نفسه ويشتري سيارة ويتزوج ويفتح بيتا، فما استطاع إلى ذلك سبيلا، لم يكن ذنبه أنه لم يجد وظيفة في القطاع العام، وإنما كان ذلك ذنب المحسوبيات والواسطات التي يلعنها كل صباح عندما يفتح عينيه من النوم ويذهب إلى عمله، وأيضا عندما يخلد إلى النوم بعد عودته من عمله.
أيقظته أمه ذات يوم فرحة مسرورة "بني استيقظ، استيقظ، هذه جارتنا تقول ان الحكومة ستوزع على المواطنين راتبا إضافيا هذا الشهر"، فقام من نومه مسرعا ولم يغسل حتى وجهه، خرج لشراء صحيفة يقرأ فيها الخبر، فلما وصل إلى المحل انقض على الصحيفة انقضاض الصقر على فريسته، يبحث عن السطر الذي يؤكد خبر أمه، وسقطت عيناه على الموضوع، فسقطت دموع من عينيه لأنه وجد أن الراتب لموظفي القطاع العام، فأرجع الصحيفة إلى البائع وطلب المئتي فلس اللتين دفعهما، ورجع مبتئسا يائسا، يحوقل كاظما راغما.
مضت على الحادثة سنوات بعدها صار النواب يتحدثون عن "بونس" وزيادة رواتب، فصارت دقات قلب يونس تتسابق مع بعضها بعضا فرحا وأملا، ومع كل تصريح لأحد النواب يشتري صحيفة عله يعوض المئتي فلس اليومية بـ "البونس" أو زيادة الرواتب.
وبقي يونس معلقا أمله بـ "البونس" وزيادة الرواتب، ولم يفارق هذا الأمر تفكيره يوما حتى أن أمه اقتربت يوما من الأيام منه وهو نائم، وسمعته يقول "يونس، تونس، بونس نسنس..." فأدركت أن ابنها يحلم، فدعت الله التعجيل بصرف "البونس" ليونس، وفي يوم من الأيام جاءت تصرخ وتقول لقد استجاب الله دعائي يا ولدي يونس، فهذه جارتنا تقول انهم أكدوا أن البونس والزيادة خلال أيام، فقام يونس على صراخ أمه وهو يقول آن الأوان لأشتري سيارة وأتزوج، وأفتح بيتا، فذهب مسرعا، يخطو خطوة ويتعثر بأخرى قاصدا بائع الصحف، فناول البائع دينارا وقال له أريد صحيفة وباقي الدينار "بخشيش" فبحث يونس عن سطر البونس، فوجد أن البونس والزيادة أيضا لموظفي القطاع العام، وليس الخاص، فسقط مغشيا عليه وكان يردد قبل سقوطه، هل المواطنون هم موظفو القطاع العام فقط، مرددا لا يميزنا عن الأجانب إلا "الدفتر الأحمر" وأخاف أن يأتي يوم يكون هذا "الدفتر" حكرا على موظفي القطاع العام، قال وقال إلى أن أخذته أمه إلى أحد مستشفيات الأمراض النفسية، ولا يزال
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1055 - الثلثاء 26 يوليو 2005م الموافق 19 جمادى الآخرة 1426هـ