العدد 1054 - الإثنين 25 يوليو 2005م الموافق 18 جمادى الآخرة 1426هـ

نجم: سياحة العالم الثالث تكاد تكون عشوائية

معتبرا نفسه أول متخصص أكاديمي في السياحة الثقافية

أكد مدير الدراسات الاجتماعية والتربوية والسياحية بمركز البحرين للدراسات والبحوث راشد نجم، أن أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراه، والتي كانت بعنوان "تعزيز السياحة الثقافية في مملكة البحرين: دراسة في الإدارة الاستراتيجية"، تعتبر من الدراسات الحديثة حتى على مستوى العالم. لذلك هو يعتبر نفسه أول متخصص أكاديمي بحريني على مستوى الدكتوراه في البحرين ودول الخليج العربي يتخصص في مجال السياحة والسياحة الثقافية وكيفية إدارة هذا المنتج المهم ليكون مصدرا للجذب السياحي وزيادة الدخل القومي ضمن جهود الدولة في تنويع مصادر الدخل.

وأشار في هذا اللقاء - الذي أجرته معه "الوسط" - الى عدة نقاط منها، وضع السياحة الثقافية في دول العالم الثالث ومحددات هذه الثقافة ونقاط أخرى. نفرد هنا اللقاء...

تظل أطروحتك عن السياحة الثقافية من الأطروحات العربية الجديدة، لماذا اتجهت إلى ذلك؟

- ان أطروحتي التي حصلت بواسطتها على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة هال The University of Hull ببريطانيا العام 2003 بعنوان " تعزيز السياحة الثقافية في مملكة البحرين: دراسة في الإدارة الاستراتيجية". فعندما فكرت في اختيار موضوعها حاولت جاهدا ألا يكون موضوعها مكررا أشبع بحثا وتمحيصا من قبل الكثيرين، وأحببت أن يكون الموضوع ذا جدة وتميز... وأنا بطبعي أحب التميز دائما ولا أحب تكرار فعل الآخرين... لذلك رغبت في أن يكون الموضوع الذي سأبذل فيه جهدا غير عادي وسنين من عمري يعود بالنفع على وطني ويمكن الاستفادة منه. وهداني تفكيري إلى اختيار موضوع السياحة الثقافية في البحرين وذلك لأكثر من محرض ودافع للاختيار يمكن إجمالهما فيما يأتي:

- كان جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في كل افتتاح لمهرجان التراث السنوي الذي تقيمه وزارة الإعلام يؤكد أن البحرين غنية بتراثها وعمقها التاريخي وأصالتها وثقافتها وأن المهرجان ما هو إلا حدث تراثي يبرز مكانتها الحضارية. وكان يدعو دائما إلى الحفاظ على هذا التراث البحريني والاهتمام به للأجيال القادمة. وكانت هذه أولى الخيوط لاختيار الموضوع.

- اهتمام الدولة والقطاع الخاص بالسياحة والمشروعات السياحية الكبيرة وزيادة عدد السياح في البحرين حتى وصل إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين زائر آنذاك - يشكل الزائرون من دول الخليج العربي أكثر من 90 في المئة منهم - يعكس الصورة المستقبلية لصناعة السياحة في المرحلة المقبلة ويشجع على اختيار الموضوع.

- الاهتمام الشخصي بالموضوع... فأنا أعتبر نفسي - إن جاز لي ذلك - من المساهمين في الحراك الثقافي في هذا البلد منذ السبعينات حتى الآن ما سمح لي بأن أكون قريبا من مبدعي ومنتجي الثقافة والفنون... كما أن اهتماماتي الشخصية بالتراث والفنون الشعبية والتاريخ خلق لدي مخزونا مهما يمكن أن يكون مصدرا منتجا لهذا النوع من الدراسات.

- عدم وجود أي متخصص أكاديمي في مجال السياحة عموما والسياحة الثقافية تحديدا في البحرين، وهذا ما منحني فرصة السبق والريادة في هذا التخصص.

فعندما شرعت في البحث عن أدبيات الأطروحة حاولت البحث عمن سبقني في تناول موضوع السياحة الثقافية على مستوى دول الخليج العربي، سواء في الجامعات العربية أو في الجامعات الأجنبية فلم أجد...

وهل يمكننا الحديث عن انعدام أو تخلف بالسياحة الثقافية لدينا ضمن ما يسمى بالعالم الثالث ونحن جزء منه ؟

- السياحة في العالم الثالث عموما تكاد تكون عشوائية على رغم وجود الكثير من المقومات السياحية والثقافية التي تمكنها فيما لو تم استغلالها بشكل علمي مدروس لاحتلت مكانة متقدمة على خريطة الجذب السياحي في العالم. فمن المعروف أن السياحة تسهم إسهاما كبيرا في الدخل القومي اذ توفر فرص عمل وترفع من المستوى الثقافي للمواطن وتحقق دعاية سياسية وتعريفية للدولة. وفي الأعوام الأخيرة بدأ التركيز على صناعة السياحة لأن العالم أدرك أهميتها في رفع الدخل القومي وبناء العلاقات الثقافية والسياسية... فالدول الاقتصادية الكبرى تلعب السياحة فيها دورا مهما... فأميركا مثلا الدولة الكبرى في العالم تحقق مردودا من النشاط السياحي والذي يقاس بعدد السياح... فالقياس العالمي للسياحة العالمية يرصد 700 مليون سائح سنويا يصرف ما قيمته 600 مليار دولار... ومن هنا فحتى الدول الأوروبية تعتبر السياحة نشاطا استثماريا كبيرا، فالصين مثلا اقتحمت هذا المجال بقوة. وهي الآن تعد الدولة السادسة في العالم لاستقبال السياح، وكذلك دول أميركا اللاتينية. أما الدول العربية مجتمعة فنصيبها من حصة السياحة في العالم أقل من "2 في المئة"... فلك أن تتخيل مقدار التخلف الذي يعيشه العالم الثالث فيما يتعلق بالسياحة والسياحة الثقافية والبحرين ليست استثناء.

وما هي في نظرك محددات تلك الثقافة؟ بمعنى كيف لنا أن نحكم على شعب بأنه مثقف سياحيا من عدمه؟

- لقد اتسع مفهوم السياحة الثقافية في وقتنا الجاري فلم يعد مقتصرا على التعرف على الحضارات القديمة وزيارة المناطق الأثرية، وإنما أدخلت عليها عناصر جديدة، واستحداث مناسبات واستغلال ظروف معينة بما يحقق تنويع المنتج السياحي لجذب شرائح جديدة من السائحين والزوار الذين يرغبون في إشباع رغبة المعرفة وزيادة معلوماتهم الحضارية والتمتع بما هو متاح من التراث القديم للبشرية من خلال المتاحف والمعابد وغيرها، بالإضافة إلى معايشة الشعوب المختلفة بعاداتها وتقاليدها وفنونها وقيمها. فقد اتسعت محددات الثقافة لتشمل كل المنتج الثقافي لأي شعب من الشعوب من حضارة وتاريخ وأدب ومسرح وثقافة وفنون ومدن وشخوص مؤثرة في صناعة ثقافته. ولو استطاع أي شعب من الشعوب أن يوظف هذا المنتج توظيفا سياحيا بمعنى أنه لا ينتج ثقافة سياحية، ولكنه ينتج ثقافة يمكن أن تكون مادة جذب سياحي ولاستطعنا أن نطلق عليه أنه شعب مثقف سياحيا والعكس صحيح. ونحن في البحرين كشعب ومسئولين عن صناعة السياحة والثقافة لم نصل بعد للأسف الشديد إلى هذا الفهم الراقي والواعي لقيمة الثقافة المنتجة وتحويلها إلى مادة جذب سياحي.

لكن ألا يبدو ذلك مرتبطا بطبيعة ثقافة الشعب نفسه وتجذره في الانفتاح على العالم وتأمل المنجزات والوقوف عليها؟

- ليس بالضرورة، فالشعب البحريني وليد حضارة تمتد إلى 5000 سنة عاصر حضارة وثقافات عدة، والحضارة الديلمونية هي خير شاهد على هذا التجذر... وقلعة البحرين التي صنفت ضمن التراث الإنساني العالمي في الأيام من قبل منظمة اليونيسكو العالمية هي شهادة إثبات على هذا الانفتاح على العالم منذ عصور قديمة تشكلت من خلالها شخصية الإنسان البحريني المتسم بالتسامح والانفتاح على الآخرين. صحيح أن لكل شعب من الشعوب ثقافته وتقاليده وعاداته ولكن المعرفة الإنسانية والمنجز الإنساني لا يعكس قيما ثقافية إذا لم يكن هناك فضاء يسمح لكل الطيور الزائرة إليه أن تحلق في سمائه وتنشر إبداعاته إلى كل الأقطار. إذا ما استطعنا أن نمد جسرا بين السياحة بمدلولاتها الترويجية والترويحية وبين الثقافة ومضامينها الإنسانية والإبداعية فإننا نخلق مكونا قويا قادرا على التشكل والجذب السياحي.

يبدو أن تراجعا كبيرا حدث في بنية الثقافة العربية وامتد ذلك التراجع ليشمل جانبا مهما منها وهي السياحة، فيما الأولون كانوا على قدر كبير من الوعي والعمق بضرورة وأهمية تلك الثقافة... يكفي مراجعة شريط وقائمة طويلة من الرحالة العرب لنقف على حقيقة التراجع المعاصر. هل توافق على ذلك؟

- بلا شك هناك تراجع كبير في بنية الثقافة العربية... فواقعنا الثقافي يقول إننا نعيش في أزمة، وتعود أزمة الثقافة العربية - في جانب أساسي منها في نظري - إلى أزمة الحامل الاجتماعي لهذه الثقافة. فمنذ بداية سبعينات القرن العشرين بدأ المجتمع العربي يعيش أزمة جديدة تمثلت في تصدع الفئات الوسطى، أي الفئات التي كانت الحامل الاجتماعي للثقافة العربية منذ الإخفاق العربي النهضوي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين . كما أن النظام الثقافي العربي ساهم إلى حد بعيد في إبعاد العرب عن دائرة المشاركة الفعلية في النظام الثقافي الكوني، وجعلهم أسرى الثقافة الاستهلاكية. وفي المقابل، حول الثقافة التراثية إلى قلاع مغلقة تحاول تسوير نفسها خوفا من رياح التغيير، وتحتمي وراء التقليد.


راشد نجم

- مواليد المحرق .1949

- دكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة هال The University of Hull ببريطانيا عن موضوع "تعزيز السياحة الثقافية في مملكة البحرين : دراسة في الإدارة الاستراتيجية".

- مدير الدراسات الاجتماعية والتربوية والسياحية - مركز البحرين للدراسات والبحوث.

- مدير ادارة المعلومات والترجمة والنشر- مركز البحرين للدراسات والبحوث.

- حائز على وسام البحرين للكفاءة وعلى جائزة سمو رئيس الوزراء لتكريم "رواد المحرق"





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً