العدد 1053 - الأحد 24 يوليو 2005م الموافق 17 جمادى الآخرة 1426هـ

تقديم مشروع قانون الأحزاب الجديد للبرلمان المغربي

من أجل تعزيز الشرعية القانونية للأحزاب السياسية وربطها بتكريس الديمقراطية

المصطفى العسري comments [at] alwasatnews.com

دخل مشروع قانون الأحزاب السياسية الجديد مراحله الأخيرة، بعد أن عرضه الأسبوع الماضي وزير الداخلية المغربي المصطفى ساهل على البرلمان مصحوبا بردود وتعديلات الأحزاب المقترحة. وقدم الوزير مشروع القانون أمام لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات التحتية بمجلس النواب.

وقال الساهل خلال تقديمه للمشروع "إن الممارسة السياسية قد أفصحت عن وجود الكثير من النقائص التي تعتري العمل الحزبي الحالي، والتي لا يمكن تقويمها من خلال الترسانة القانونية المتمثلة في ظهير المرسوم الملكي العام 1958 المنظم للحريات العامة الذي لم يعد إطارا قانونيا قادرا على مسايرة المستجدات المتواترة التي يعرفها الحقل السياسي بالمغرب".

وأضاف أن الحكومة انطلقت في إعدادها لهذا المشروع وتحديد اختياراته ومضامينه، من تشخيص الوضعية الحالية للممارسة الحزبية "من خلال استحضار جميع العراقيل التي تحول دون فعالية العمل السياسي" في أفق إيجاد مقتضيات قانونية ملائمة من شأنها تنظيم العمل الحزبي وإعطاء المزيد من الصدقية للممارسة السياسية.

وعن الدعوى من أجل جعل هذا القانون ثمرة للتوافق الإيجابي بين مختلف الأطراف "حكومة وأحزاب ومجتمع مدني ومؤسسة ملكية"، أوضح الوزير أن الحكومة اعتمدت في إعدادها لهذا المشروع على مبدأ التشاور الواسع والبناء بين مختلف الفاعلين السياسيين. مضيفا أنه تم في هذا السياق عرض الصيغة الأولى على مختلف الأحزاب السياسية والهيآت الحقوقية وذلك بهدف الدراسة وإبداء الرأي ما ساهم في تنظيم الكثير من اللقاءات والندوات العلمية الأكاديمية وجلسات الحوار، مبرزا أن مختلف الأحزاب بادرت إلى تقديم مذكرة جوابية تضمنت آراء وملاحظات واقتراحات عكست الاهتمام والرغبة التي تحدو الجميع في العمل على تطوير الممارسة الحزبية والانخراط في ورش إصلاح الحقل السياسي بشكل يضمن تحصين المسار الديمقراطي الحداثي بالمغرب.

مراعاة مطالب الأحزاب

وقال الساهل إن الاقتراحات التي تقدمت بها الأحزاب السياسية بشأن المشروع اهتمت بالجوانب المرتبطة بقواعد التأسيس والتي طالبت جل الأحزاب بتبسيطها وعقلنتها في إطار ترسيخ مبدأ الحرية في التأسيس والممارسة طبقا لدستور المملكة. وأضاف أن الأحزاب اتفقت على ضرورة إقرار دعم مالي سنوي من طرف الدولة كفيل بالمساهمة في مصروفات تسيير الأحزاب ودعم عملها يتم توزيعه بينها وفق معايير موضوعية وعادلة، مؤكدا أن اقتراحات الأحزاب شملت أيضا المطالبة بضرورة التصدي لما يصطلح عليه بظاهرة "الترحال السياسي" الذي يعيشه البرلمان المغربي بفعل انتقال النواب بين هذا الحزب وذاك، وذلك من خلال إقرار آليات قانونية تمنع استمرار هذه الظاهرة السلبية لما لها من آثار وخيمة على الممارسة الحزبية بالمغرب، وكذا تعزيز دور القضاء وإقرار اختصاصه في البت في القضايا المرتبطة بالأحزاب السياسية.

واعتبر الوزير أن إعادة الاعتبار للعمل الحزبي لن يتأتى إلا بالعمل على تكريس الديمقراطية داخل المؤسسة الحزبية. وأضاف أن المشروع الذي يندرج في إطار الإصلاحات السياسية التي يعرفها المغرب والتي شملت مختلف الميادين، يتضمن أحكاما تنص على ضرورة التزام الأحزاب السياسية بالمبادئ الديمقراطية سواء في تنظيمها وتسييرها أو في اختيار مرشحيها وتزكيتهم لمختلف الاستشارات الانتخابية.

وذكر وزير الداخلية أن مشروع القانون يضم 62 مادة موزعة على سبعة أبواب، مستعرضا في هذا السياق الخطوط العريضة للمقتضيات الجديدة التي جاء بها المشروع بما يتلاءم مع المنظومة القانونية للمملكة ومرتكزاتها الدينية والسياسية، إذ تطرق في هذا السياق لمسألة تأسيس الأحزاب وأنظمتها الأساسية، وإعادة الثقة والصدقية للعملية الانتخابية عبر التصدي لظاهرة "الترحال السياسي"، وتجديد الهياكل الحزبية، وتحفيز النساء والشباب على الانخراط الفعلي في العمل الحزبي، والدعم المالي للأحزاب، موضحا أن المشروع حرص على احترام دولة القانون بإسناده للسلطة القضائية ممثلة في المحكمة الإدارية بالرباط اختصاص توقيع الجزاءات على الأحزاب السياسية في حال مخالفتها لأحكام هذا القانون سواء تعلق الأمر بالتوقيف أو الحل أو الإعلان أو البطلان.

هواجس الحكومة

وفي السياق ذاته، أشار الوزير إلى أن العقوبات السالبة للحرية لم يقررها مشروع القانون إلا بالنسبة إلى حالتين اثنتين اعتبارا لخطورة الفعل الذي تمثلانه، هما حال الإبقاء على حزب سياسي وقع حله أو إعادة تأسيسه وحال تلقي أموال من جهة أجنبية قصد تأسيس حزب سياسي أو تسييره، قبل أن يخلص إلى أن هاجس الحكومة في كل مراحل إعداد المشروع تمثل في إيجاد إطار تشريعي ملائم يحظى بثقة الجميع، ويقوي من دور الأحزاب السياسية، ويمكنها من الاضطلاع بوظائفها الدستورية والسياسية، ويشكل مدخلا لتصالح المواطنين مع العمل الحزبي والممارسة السياسية.

وبحسب المتتبعين للعمل السياسي في المغرب فإن مشروع قانون الأحزاب هذا يشكل إطارا تشريعيا لتعزيز الشرعية القانونية للأحزاب السياسية وربطها بالمشروعية الديمقراطية وتمكينها من القيام بدورها الحقيقي في تنظيم المواطنين وتمثيلهم والمساهمة في التنشئة السياسية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة وتكوين نخب قادرة على تحمل المسئوليات العمومية وتنشيط الحقل السياسي.

ويتضمن القانون الذي صدق عليه مجلس الوزراء برئاسة العاهل المغربي 62 مادة موزعة على سبعة أبواب هي: الأحكام العامة وتأسيس الأحزاب السياسية وأنظمتها الأساسية وتنظيمها وتسييرها وتمويلها واتحاداتها، في حين يتضمن الباب السابع أحكاما انتقالية.

وعلى اختلاف ردود الفعل ومواقف الهيئات السياسية من مقتضيات هذا القانون فهو بالمقابل يعكس الحاجة الملحة لتنظيم عقلاني للأحزاب السياسية وتكريس الديمقراطية الداخلية بها وإعادة الاعتبار للعمل السياسي ووضع حد لظاهرة الانشقاق وترحال النواب من لون سياسي إلى آخر، وتناسل الأحزاب التي ناهز عددها الثلاثين، والتي لا تعرف هويتها وخطها الأيديولوجي إلا عشية إجراء الانتخابات.

كما يعكس رغبة المجتمع المدني المتمثلة في ضرورة تقوية الأحزاب واعتماد برنامج تعاقدي تمد بمقتضاه الدولة الأحزاب بوسائل العمل بمراعاة لإشعاعها، وتمثيليتها المستمدة من نظام انتخابي فعال وملائم وفي نطاق احترام أحداثها، وبرامجها الداخلية للديمقراطية والشفافية، وكل ذلك في ظل سيادة القانون ومراقبة القضاء، مع ما يفرضه ذلك من ضرورة عقلنة وتجديد وتحصين المشهد السياسي الوطني وتحفيز الأحزاب المتجانسة على الاتحاد في أقطاب قوية.

ولتكريس هذه الإرادة، تم إقرار إصلاحات سياسية موازية شملت بالأساس إصلاح مدونة الانتخابات وكذا القانونين التنظيميين لغرفتي البرلمان الذي شمله بدوره الإصلاح فأصبح مشكلا من غرفتين وإحداث مجلس دستوري لتجاوز ثغرات الغرفة الدستورية.

وفي سياق ورش الإصلاح هذه، يأتي قانون الأحزاب الذي يسعى إلى تمكين الهيئات السياسية من الاضطلاع بدورها الدستوري كاملا في تأطير المواطنين وتحمل إدارة وتدبير الشأن العام وذلك تماشيا مع إرادة الملك الذي ما فتئ يؤكد أن التنمية والدمقرطة والتحديث تتطلب تحسين وتقوية التأطير السياسي المتمثل في الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والجمعيات ووسائل الإعلام.

وعلى صعيد الأحكام، شدد القانون الجديد على مبدأ الحرية في تأسيس الأحزاب السياسية وممارسة العمل السياسي عبر تبسيط إجراءات التأسيس، كما عزز دور القضاء من خلال منحه صلاحيات التصدي لخرق القانون وممارسة اختصاصات التوقيف والحل والتصريح والبطلان.

ولأول مرة، نص القانون على جعل فلسفة التأسيس مبنية على قاعدة التعاقد كشرط أساسي لتحديد علاقة التمثيلية بين المواطن والحزب، من خلال ربط مسئولية الأحزاب بحق المواطنين ومراقبة الالتزامات المتقابلة. كما أن الزمن السياسي لتأسيس الأحزاب لم يعد مرتبطا بالزمن الانتخابي بل بضرورة الاستجابة لحاجة اجتماعية ملحة ولقاعدة انتخابية ذات دلالة.

مراقبة نفقات الاحزاب

ومن أجل إقرار الشفافية، واعتماد آليات المراقبة المالية الدورية، أصبح لزاما على الأحزاب أن تقوم بحصر حساباتها سنويا، وأن يشهد بصحة هذه الحسابات خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين، كما أنها ملزمة بالاحتفاظ بجميع الوثائق المحاسبية لمدة عشر سنوات تبتدئ من التاريخ الذي تحمله.

ويتولى المجلس الأعلى للحسابات مراقبة نفقات الأحزاب السياسية برسم الإعانة السنوية لتغطية مصروفات تسييرها، إذ توجه الأحزاب لهذه الغاية للمجلس في 31 مارس/ آذار من كل سنة على أبعد تقدير جردا مرفقا بمستندات إثبات النفقات برسم السنة المالية الماضية وجميع الوثائق المتعلقة بحسابها السنوي.

وبهدف ضبط وعقلنة مصادر تمويل الأحزاب تماشيا مع متطلبات قواعد التنافسية العادلة والتعاقدية، وضع القانون في هذا الإطار قواعد توضح دور الدولة بناء على معايير متكافئة تضمن لكل حزب مكانته على ضوء النتائج الانتخابية التي يحققها.

واشترط القانون كذلك توفر الحزب على برنامج سياسي مكتوب يصدق عليه المؤتمر التأسيسي ويحدد الأهداف والتصورات ومختلف برامج العمل في احترام للدستور ولمقتضيات هذا القانون

العدد 1053 - الأحد 24 يوليو 2005م الموافق 17 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً