إنها حكاية السارق الذي يصرخ: "إلى السارق!".
إغناسيو رامونيه
عندما يصف الإرهابيون الجدد "القوميون العرب" الشعب الأميركي بأنه "شعب لقيط"، فإن هذه الرؤية المريضة لا تخرج عن بناء معارفهم اللقيطة، سواء من البنيوية البائسة تارة، أو من المنظور القومي الألماني النازي تارة أخرى. فلا نراهم اليوم سوى امتداد طبيعي للجاهلية الأولى، امتداد الإرهاب القرشي قبل الإسلام، وليست خلاياهم سوى خلايا أبوجهل "الزرقاوي"، تعبث هنا وهناك. تنتهك حرمة كل شيء حتى الأطفال.
هذا الخطاب القومي "المريض" يذهب إلى أن نكون نحن العرب "شعب الله المختار"، وأن تكون بقية الشعوب والأعراق مجرد زمر فاسدة ستنتهي عما قريب، هكذا يعود بنا خطابهم "الشعري" إلى التغني بالقبيلة والبادية، وبلاشك، فقد كانت باديتنا "الإرهابية" أرقى الحضارات. هكذا يختزل المشهد الإعلامي إلى التنبؤ بالنصر القادم، وبالجنة الموعودة، وبالتاريخ الذي سيعود بالحضارة النقية إلى الصدارة، فالغرب نهوض مؤقت مرهون بيوم تنهض فيه هذه الأمة في الليل، فتمتلك العالم قبل طلوع الفجر!
القوميون اليوم يلبسون عباءة الدين، فبعد أن كان الدين والمتدينون أخف ما تسحقه أدواتهم القمعية في نماذجهم السياسية البائدة، أصبح تدنيس القرآن شغلهم الشاغل، وأصبح الزرقاوي "بطلهم"، وأصبح تحرير الأماكن المقدسة من دنس الأميركيين هدفهم النبيل الذي يسعون إلى تحقيقه، وكأن جدران المقدسات نسيت قذائف دباباتهم، وكأن أجساد الآلاف من القتلى عادت إلى الحياة، بعد أن مزقتها رصاصاتهم "مدفوعة الأجر".
كنت ذهبت في مقال نقدي مطول لإيمانويل تود في كتابه "سقوط الإمبراطورية" إلى التركيز على أن أبرز ما يعيب السياسة الأميركية هو إشكال "نقص الانتباه"، وها هو الأميركي Brian Jenkins المتخصص العالمي في مجال الإرهاب الدولي، يشير في أحد أهم مقالاته الشهر الماضي إلى أسلوب التفكير الخاطئ الذي يتبعه مسئولو الإدارة الأميركية في الفهم لتركيبة العدو الحقيقية. فهم ينتهجون في حربهم على الإرهاب منهجا كلاسيكيا، ويركنون إلى تلك القناعات التقليدية، وهو ما يجعلهم يركزون دائما على ما يستطيعون ضربه من دون التعامل مع أولئك الأعداء الذين يقعون خارج مساحة رؤيتهم المعتادة.
وهذا الإشكال تحديدا هو ما يجعلهم مهتمين في العراق مثلا بتلك التيارات الدينية الأصولية الملفقة، متناسين ذلك الدور المهم والواضح الذي يلعبه القوميون العرب "الإرهابيون الجدد" هناك، بل إن مجمل ما ينتجه القوميون العرب في كل الدول العربية، وخصوصا دول الخليج ومصر دعوات مباشرة وصريحة لكراهية الآخر والتشجيع على الإرهاب.
بماذا يفسر الأميركيون هذا التهافت القومجي التعبوي لصالح مجموعات التخريب في العراق، وبماذا يفسرون أشعار الرثاء للقتلى من مجموعات الزرقاوي، خلاف أنها مشاركة فعلية ومباشرة في هذه التنظيمات الإرهابية. لا يمكن للأميركيين أن يعتقدوا أن هذه الظواهر مجرد أطياف عابرة، بل هي امتدادات حقيقية للإرهاب العالمي. وليست مجموعات الشباب المسلم "المخدوع"، سوى أدوات بعثية قومية عربية.
لا فرق بين الإسلاميين المتعصبين وبين القومجيين العرب من حزب البعث، سوى أن عفلق ورفاقه لم يبشروا بالحور العين لمن يقضي نحبه فداء ايديولوجيته، وفي المشهد العراقي، تكتفي القومجية بالإمداد المادي والعسكري، وعلى الحمقى المهيئين نفسيا "للجنة"، القيام بالخطوة الأخيرة من عمليات "دخول الجنة"
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1053 - الأحد 24 يوليو 2005م الموافق 17 جمادى الآخرة 1426هـ