العدد 1052 - السبت 23 يوليو 2005م الموافق 16 جمادى الآخرة 1426هـ

"اقرأ"... لفظة لها معنى غير "القراءة"

ابراهيم عباس نتو comments [at] alwasatnews.com

فهم لفظة "اقرأ" عندي يختلف عن المتداول بين عامة الناس وخاصتهم في سياق ما جاء في الأثر عبر أكثر من 14 قرنا مضت. فكثيرا، وربما دائما، ما نقرأ أو نسمع عبارات مثل "أول كلمة نزلت من القرآن هي "اقرأ""، يقولونها بغرض توضيح أهمية "القراءة" عندنا وفي تراثنا. ومع أن للفظة صلة كثيبة بـ "القراءة" - كأحد المعاني، ولكن هناك رأيا آخر. فمفهومي، بناء على تتبعي الشخصي والتقصي اللغوي المستمد من إلمامي بإحدى اللغات السامية، يقودني إلى أن المعني الحقيقي للكلمة لا علاقة له بالقراءة في سياق القراءة والكتابة؛ بل هناك معنى آخر. فإضافة إلى عدة قرائن ومؤشرات موضوعية وموضعية صاحبت منطوق العبارة المأثورة "اقرأ بسم ربك" "في سورة "القلم""، بما يتصل بحوادث أوائل و"بدايات الوحي".

"أما إذا تم تقديم الفرضية البديلة، بأن سورة "المدثر" سبقتها، فذاك يجعل كلمة "اقرأ" محل نظر حتى كونها المنطوق "الأول"، على كل حال". ولكن، يبقى المعنى اللغوي لكلمة "اقرأ"، وأنها لا علاقة لها بالقراءة والكتابة، كموضوعنا هنا.

فحسب فهمي ومتابعتي، فإني أدعي بأن كلمة "اقرأ" هنا تأتي لتعني: ادع، بلغ، انشر... وليس بمعنى "اقرأ"، بما يتصل بالقراءة والكتابة وفك الحرف.

وعلى هذا يتم - في رأيي - اتساق الجناح الآخر من المقولات المأثورة: بأن سؤال ومقولة الرسول كانت في صيغة وسياق السؤال والاستفسار، وليس في صيغة "الإنكار" و"النفي"؛ فإن المقولة: "ما أنا بقارئ" لا تعني: لست بقارئ، بل كانت قد جاءت الأولى بصيغة السؤال.

ففي تصوري، فإن استعمال لفظة "ما" هنا لم تأت في سياق الإنكار والنفي: أنا لست بقارئ؛ ما أنا بقارئ؛ لا أقرأ؛ بل كانت بالمعنى الآخر المعتمد على استعمال لفظة "ما" بالمعنى الاستفهامي/ الاستفساري/ التقريري، كقولك: "ما أنا بقارئ؟" بمعنى: ما المطلوب مني قراءته؟ ماذا أنا بقارئ؟ ما هو المطلوب مني "تبليغه"؟ و"ما هو" المطلوب الدعوة إليه/ به؟ فيكون الجواب متناسقا: "اقرأ/بلغ/أدع بسم ربك...".

بل جاء في الأثر أنه "ص" دخل على خديجة "ر" وهي على فراش الموت، فقال لها: "يا خديجة، إذا لقيت ضرائرك فاقرئيهن مني السلام"، فقالت: "يا رسول الله، وهل تزوجت قـبلي؟" قال: "لا، لكن زوجني الله مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وكلثم أخت موسى وأخت هارون".

كما وهناك القول المألوف عند الجميع الذي يبين استعمال كلمة "اقرأ" - بمعنى "بلغ، أوصـل" - وهو القول الذي تداولته عبر العصور كتب القصص والسير، وأيضا كتب التلاميذ، حيث العبارة المشهورة:"يا غلام، اذهب إلى فلان، واقرأه السلام = بلغه السلام"".

فالموضوع - على الأقل بحسب فهمي أنا - ليس له علاقة بالقراءة ولا بالكتابة؛ بل بتبليغ الدعوة.

فإن سأل سائل: وماذا عن المفهوم المتداول منذ فترة طويلة "وهو المفهوم المصاحب لعبارة "ما أنا بقارئ"... بمعنى "الأمية"، ونفي القدرة على الكتابة والقراءة،" فيكون جوابي - ساعتها - أن الرسول ما كان هاجسه "الأمية" ولا كان شاغله في لحظة وخلال فترة تلك المحادثة الحاسمة الشهيرة؛ فلا "أميته" ولا ثقافته، ولا الانهماك في مناقشة مستوى وعناصر اللغة عنده كتابة وقراءة كانت مشغلته في تلك اللحظة، بل كان الشغل الشاغل والحقيقي هو ما مرت عليه قبيلها ومنذ فترة من حادثات استغراقية ومعاناتية وتجاذبية عدة... تتصل بالرسالة وإعلان الدعوة وإشهارها أو - لا سمح الله - التخلي عنها، لولا دعم ومؤازرة السيدة خديجة وابن عمها رجل الدين "ورقة بن نوفل". فلم يكن الشاغل - ولا الموضوع - هنا يتعرض لمدى الاستعدادات اللغوية القرائية أو الكتابية.

أما مسألة "الأمية" فهي الأخرى مسألة فيها نظر، وهي موضع نقاش، أخذا في الاعتبار عدة مواقف ومناسبات أشارت إلى بعده عن الأمية، سواء في الموقف المشهور حينما اعترض مندوب مكة في المفاوضات في "صلح الحديبية" "حينما رفض استعمال عبارة "محمد رسول الله"، وأصر على الاقتصار على "محمد بن عبدالله"؛ وتمت موافقته، بينما تردد وامتعض الإمام علي بن أبي طالب "ر" لهكذا طلب من مفاوض أهل مكة؛ فإذا بالرسول ق يحسم الموقف ويمسحها بنفسه.. بأصبعه. "وهناك مواقف أخرى كذلك".

كان اليهود في يثرب وفي فلسطين يصفون مجاوريهم العرب بكلمة "أميين"، ولا يقصدون الجهل بالقراءة والكتابة بل كانت الكلمة تطلق على كل من هو غير يهودي؛ "وأيضا استعملوا الكلمة العبرية "قوييم" "goyiim" في صيغة الجمع بمعنى "الغرباء"، ومفردها "قـوي" "ه" بمعني أمة،أو فئة من الشعب". واستعملت كلمة "الأميين" لتشير إلى من لم يكن لديهم كتاب، وكما جاء في الآية آل عمران: 20: "فإن حاجـوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن؛ وقل للذين "أوتوا الكتاب" "اليهود والنصارى والأميين: أأسلمتم؟". فكان العرب - إلى ما قبل هذه الفترة - لا يصنـفون كذوي كتاب، بل كـ "أميين" "بهذا المعنى"، وليس بمعنى جهل الكتابة والقراءة. ثم كانت الآية الجمعة: 2: "هو الذي بعث في الأميين "العرب"، ولم يكونوا مصنفين - على الأقل إلى تاريخ تلك الفترة - كـ "أهل كتابة" رسولا منهم يتلو عليهم آياته.."

وأخيرا، لدي إضافة قد يكون فيها مزيد من التوضيح، وهي أن كلمة "أمي" تأتي عادة مكتوبة بالميم المشددة؛ والتشديد في العربية يعني "مضاعفة" الحرف وازدواجيته ولو بالشكل المدغم الخفي؛ فتأتي الكلمة وكأنها "أممي"، مثل أن تقول "المنظمة الأممية" - كما في منظمة "عصبة الأمم"، أو "الحروب الأممية"، ونحوهما. فإن كان ذلك كذلك، فقد يكون المقصود أن هذا الرسول نبي أممي ذو رسالة موجهة إلى عموم "الأمم" في أنحاء المعمورة. فيكون المقصود إذن أنه النبي "الأمي".. النبي "الأممي"

العدد 1052 - السبت 23 يوليو 2005م الموافق 16 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً