الأوضاع السياسية في البحرين إجمالا لا تبشر بخير أبدا فالأمور تتحول من سيئ إلى أسوأ، فنطاق الحريات أخذ يتقلص أكثر فأكثر مولدا بذلك احتقانات سياسية شديدة لا أول لها ولا آخر، كل ذلك يتم بشكل لافت للنظر.
المشروع الإصلاحي الآن وفق المعطيات الموجودة مهدد، إذ إن القوى السياسية قبلت المشاركة في المشروع الإصلاحي بشكل أو بآخر حتى الجمعيات السياسية الأربع المقاطعة للانتخابات النيابية السابقة شاركت في العرس السياسي، من خلال مؤسسات المجتمع المدني، على رغم أن هامش الحريات المتاح والمتوافر حينها كان بسيطا نسبيا، ولا يشجعهم على المضي قدما فالقوانين المقيدة كثيرة آنذاك، أبرزها قانون المطبوعات وقانون الجمعيات ،1989 والذي يهمش ويحجم دور الجمعيات كما أنه لا يعترف بوجود جمعيات سياسية، ولكن ربما المراهنة على عامل الزمن والتغيير، كانا سببا حقيقيا في المشاركة السياسية، على أمل أن هذا الهامش البسيط الذي تعاني منه في الوقت الحالي قد يتحول إلى واحة من الحريات، ويتطلب منهم المزيد من توحيد الرؤى والجهود في كل المنعطفات إلى أن جاء اليوم الذي اعترفت فيه الحكومة بوجود جمعيات سياسية، والآمال معقودة للتحول إلى الحزبية، في هذا الوقت بالذات تفاجأت القوى السياسية وبتكتيك حكومي، بتقييد ما تبقى من حريات أمامهم تحت عناوين مختلفة فتارة العنوان يكون قانون التجمعات والمسيرات والمواكب الحسينية وتارة أخرى قانون الجمعيات السياسية محدثا ربكة حقيقية في صفوف الجمعيات السياسية. والمضحك المبكي في الأمر أن المجلس النيابي الذي يفترض به أن يكون لسان حال الشعب وينطق بالنيابة عنه نجده هذه المرة ومثل كل مرة ومثل ما عودنا أن ينطق بالكلمة التي تريح الحكومة ولا تضايقها، وتزعج الشارع برمته، فقانون الجمعيات السياسية السيئ قد أقره النواب قبل الانتهاء من دور الانعقاد الثالث حتى يشعروا بالراحة والاطمئنان في إجازتهم السنوية فلا رسائل تهديد ولا إنذار فقد حققوا هذه المرة الشيء الكثير الذي يرفع رأسهم ويقيد عمل من يحاسبهم، قد نجحت الحكومة هذه المرة في جر النواب إليها.
وبذلك تخسر وقوف القوى السياسية، فلا أحد يتعجب أصلا من فكرة إغلاق الجمعيات السياسية وحل مجلسها ولجانها، وهذا ما أعلنت عنه جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في الأيام القليلة الماضية، إذ إنها أغلقت الجمعية لبضعة أيام وقد تتخذ قرارا بالاستمرار في ذلك، إذا ما أقر مجلس الشورى قانون الجمعيات السياسية. وفعلا، حدث وأقر مجلس الشورى القانون على "علاته" وهذا ما كان متوقعا. فمنذ متى ينطق الشوريون المعينون بلسان حال المواطن؟ هذا القرار لم يكن قرار "الوفاق" وحدها، وإنما قرار ست جمعيات سياسية كرهت أن تقيد بأطر ضيقة وأن تمتهن العمل السياسي في جو خانق، فالمطلع على أقل تقدير يعرف جيدا أن قانون الجمعيات البائد ،1989 لم يعد يصلح استخدامه في الوقت الحالي فقد انتهت صلاحيته، فما بالكم بأن يؤتى بما هو أسوأ منه. القانون البائد لطالما تضررت منه الجمعيات السياسية تحت تأثير التهديد والوعيد الذي تتلقاه الجمعيات السياسية من وزير العمل والشئون الاجتماعية سابقا ومن وزيرة الشئون الاجتماعية في الوقت الحالي.
كما أن القانون ذاته الذي أغلقت جمعية العمل الإسلامي بسببه هو نفسه القانون الذي هددت به "جمعية الوفاق" بالغلق في فترة المسيرة الدستورية لسترة. أتصور أن الأوضاع إذا ما استمرت على ما هي عليه فإن ذلك يبشر بانتهاء العمل المؤسسي فلا أحد يريد أن يعمل وهو مكبل اليدين، وأظن أن العمل وفق التحرك الشعبي على رغم محاذيره سيكون أسهل بكثير من العمل بالنهج الذي تريده الحكومة، فلا وزيرة الشئون الاجتماعية تخرج إليهم عبر صفحات الصحف مهددة بالغلق وحل مجلس الإدارة، ولا وزارة الداخلية تتهم بين الفينة والأخرى بالخروج على القانون، وبالتالي على الحكومة أن تعيد حساباتها من جديد، فهي الرابح الأكبر من وجود جمعيات سياسية بهذا المستوى من النضج والوضوح والتحضر. كل مشكلتها مع الحكومة أنها تريد أن تؤكد أهمية أن يؤخذ رأيها والتشاور معها في القوانين التي تمت لها بصلة. أتصور أن ذلك ليس بكثير عليها أبدا ولا أحد يظن بأن ذلك يعد نوعا من الترف السياسي أو الاستهلاك السياسي، الحياة عموما تأتي بهذا الاتجاه؛ أطفالنا في البيت لا يريدون منا أن نفرض عليهم شيئا ضد قناعاتهم الشخصية، ويتطلب الأمر في الكثير من الأحيان من والدي الطفل التحاور معه وإقناعه، ليكون على ثقة تامة بأن القرارات التي تأتي من "فوق" أي من أولياء أمورهم تكون في غالبيتها لمصلحتهم الخاصة، فما بالكم بالعمل السياسي. لا أحد يريد أن تفرض عليه قرارات وقوانين "فوقية" من دون أن يكون شريكا في العمل السياسي، فالحوار إذا مهم ومطلوب في كل المراحل ولاسيما المرحلة الحالية التي تتطلب ذلك للتخفيف من الاحتقان الموجود.
بالأمس القريب لوحظ العنف المفرط من قبل قوات الأمن ضد "مسيرة البيض والطماطم"، إذ تعرض العاطلون عن العمل والمطالبون به إلى شتى أنواع الضرب والعنف، كل ذلك حدث بسبب التعنت والإصرار وتمسك كل طرف من الأطراف برأيه وعدم التنازل، فقد وصلوا إلى مرحلة صعبة جدا وبالتالي مزيد من الاحتقان السياسي، ويجب ألا ننسى أن العنف لا يولد إلا عنفا آخر، ماذا يجري مثلا لو أن قوات الأمن أغلقت الشارع المؤدي إلى المجلس النيابي ومنعت المتظاهرين من الوصول إليه، وتحلت بالحزم بدلا من العنف؟ مثال بسيط يدل على الاحتقان السياسي الذي نعاني منه.
نريد أن نطوي هذه الصفحة من الزمن بلا خسائر على كل المستويات، كما نريد استثمارها لصالح العمل السياسي الذي لا يقدر له أن ينمو ويزدهر إلا بتضافر كل الجهود، أمازالت الحكومة لا ترى أن الوقت قد أزف وحان؟ وهل للحكومة أن تضع الحوار على أجندتها؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1052 - السبت 23 يوليو 2005م الموافق 16 جمادى الآخرة 1426هـ