العدد 2416 - الجمعة 17 أبريل 2009م الموافق 21 ربيع الثاني 1430هـ

قراصنة البحر الأحمر 2/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الطبيعي أن يثير هذا التساؤل علامات استفهام كبيرة مثل لماذا الآن؟ وما هي الأسباب التي تجعل «قراصنة البحر الأحمر» يحتلون الصدارة في قائمة الأعداء التي تحاربهم الولايات المتحدة، وتحاول، كما رأينا أن نزج الدول الأوروبية في هذا الصراع الذي تخوضه ضد أولئك القراصنة؟ فمن المعروف أن «القرصنة» التي تحاربها واشنطن حاليا، ليست بنت اليوم، بل بدأت في العام 1991، أي قبل احتلال صدام للكويت، عندما نجحت مجموعة من أمراء الحرب المستفيدين من انهيار الدولة الصومالية حينها، في الاعتداء على بعض السفن الأجنبية التي كانت في تلك الفترة، هي الأخرى، تحاول الاستفادة من حالة الفوضى التي رافقت انهيار سلطة الدولة من أجل ممارسة عملية نهب منظمة لخيرات الصومال.

لكننا كي نفهم ظاهرة «القرصنة» المعاصرة هذه لابد لنا من العودة قليلا إلى الخلف كي نستعين بالتاريخ للاستفادة منه في قراءة الحاضر واستقراء المستقبل. نحن نعلم أن بريطانيا استخدمت ما أطلقت عليه «حربها ضد القرصنة» في الخليج، من أجل توقيع الاتفاقيات التي مهدت الطريق أمام شرعنة استعمارها للمنطقة، وتكبيل الدول الخليجية ببنودها الجائرة. وليست معاهدة 1920 التي تلت حملة القبطان فرانسيس لوخ، التي وجهت ضربة عسكرية قوية وحاسمة للوجود العربي، وخاصة العسكري منه، إلا نموذجا لمثل تلك المعاهدات.

لجأت بريطانيا إلى إطلاق صفة «القرصنة» على أنشطة السفن الصغيرة، مقارنة بالبوارج العسكرية والتجارية البريطانية، كي تبرر محاربة تلك السفن الصغيرة وتدميرها. لم يكن في وسع بريطانيا حينها مطاردة تلك السفن الصغيرة في مياه الخلجان الضحلة المنتشرة بين شاطئي الخليج العربي، والتي كانت تلك السفن الصغيرة تلجأ لها هروبا من فتك البوارج البريطانية، التي لم يكن أمامها من وسيلة أفضل من تحريم أنشطة تلك السفن، وانتزاع شرعية محاربتها، أو بالأحرى التخلص من منافستها في السيطرة على الطريق التجاري الذي يربط بين أوروبا والهند، وعلى وجه التحديد في الجزء الحساس منها الممتد بين خليج عدن وشواطئ شبه القارة الهندية.

يكرر التاريخ نفسه اليوم، فهذه المنطقة ( الشرق الأوسط) الاستراتيجية تاريخيا لكونها تتحكم في طرق المواصلات والتجارة، ازدادت أهميتها بفضل اكتشاف النفط في أراضيها. هذه الأهمية المتزايدة التي تسيل لعاب الاحتكارات النفطية من جهة، وتحرك أطماع الاحتكارات الأخرى الباحثة عن أسواق جديدة تخرجها من الأزمة القاتلة التي تخنق أسواقها من جهة ثانية، هي التي تدفع الدوائر الأميركية نحو البحث عن أسباب تبرر بها زيادة وجودها العسكري في المنطقة من جهة، وتسهل لها إحكام قبضتها على مجريات الأمور فيها من جهة ثانية، وفوق هذا وذاك وتدفع حكام المنطقة، تحت هواجس الخوف من أخطار «القرصنة» الجديدة إلى المزيد من الارتماء في أحضان الدول العظمى والقبول بشروطها المجحفة التي تحكم العلاقات بين تلك الدوائر وهذه البلدان. وتحاول واشنطن، من أجل تخفيف أعباء محاربة ما يجري قرابة الشواطئ الصومالية من حروب، أن تشرك أكبر عدد من الدول الغربية في محاربة هذه القرصنة.

على نحو مواز تعمل واشنطن على حشد أكبر عدد ممكن من الدول من أجل تشكيل جبهة عالمية تعمل تحت إمرتها، أو وفقا لتوجهاتها لضمان سيطرة الاستراتيجية الأميركية على اتجاهات السياسة الدولية. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية أن «وزيري الدفاع الفرنسي ارفيه مورين والبريطاني جون هاوتون سيتوجهان مطلع الشهر المقبل إلى مركز المهمة الأوروبية المقبلة لمكافحة القرصنة قبالة الشواطئ الصومالية، في نورثوود ببريطانيا». ولم تكتف واشنط بالموقف الفرنسي – البريطاني ، بل نجدها تنجح أيضا في كسب موقف روسيا إلى جانبها، الذي جاء على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أنها «تسعى لكي تحرم القراصنة الصوماليين الذين يهددون حركة النقل البحري على شواطئ إفريقيا من إمكانية «إشاعة الفوضى».

ولكي تضمن واشنطن استمرار عمل هذه الجبهة العالمية، وزيادة حجم تدخلها، نجدها لاتكف عن حشد المزيد من القوى العالمية تحت مظلة «محاربة القرصنة»، وحماية العالم من مخاطرها، من خلال تضخيم إمكانات من تطلق عليهم صفة «القراصنة»، فنجد قائد القوات البحرية الأميركية الادميرال، مايك مالن، يبذل أقصى ما بوسعه كي يثبت للعالم أن «القراصنة الضالعين في هذه العملية كلهم مدربون تدريبا جيدا، وأنه من الصعب مواجهتهم خاصة وأن لديهم رهائن». تعزز من أقواله هذه قائدة الاسطول الخامس في البحرية الأميركية جين كامبيل، في تصريح لها لهيئة الإذاعة البريطانية تقول فيه «لا يمكننا أن نكون في كل مكان، ولذلك نشجع الشركات على اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية».

منطق سير الأمور يكشف أن واشنطن تحاول، من خلال الترويج لتصاعد عمليات «قراصنة البحر الأحمر» أن تفتعل أزمة تمتلك مقومات تهديد أمن المنطقة من جهة، ومقومات النمو والاستمرار من جهة أخرى. وعندما نربط ذلك مع تأزم أوضاع الوجود الأميركي في العراق، وحراجته في أفغانستان، ترتفع أمامنا علامة الاستفهام الكبيرة التي وردت في البداية، والتي تحاول أن تبحث عن الأصابع الأميركية وراء ما يجري قبالة الشواطئ الصومالية. فمن مصلحة أميركا المباشرة أن تبقى الأوضاع متوترة في مداخل ومخارج البحر الأحمر، خاصة حين تتحمل بلدان أخرى، بما فيها بلدان المنطقة، كلفة توفير الحماية المطلوبة لخط التجارة العالمية منذ أن يغادر قناة السويس حتى يصل إلى شواطئ شبه القارة الهندية.

وليس أفضل من يدلل على صدق ما نذهب إليه من التقاء المصالح الأميركية مع استمرار تأزم الأوضاع في البحر الأحمر من الاستشهاد بأقوال أحد مهندسي السياسة الخارجية الأميركية والذي هو وزير خارجيتها الأسبق هنري كسينجر، الذي يكرر في أكثر من موضع في كتابه «الدبلوماسية القول «إن مهمة الدبلوماسي الأميركي ليس حل الأزمة، بقدر ما هي الإمساك بخيوطها وإدارتها، وكلما طالت الأزمة كلما كان أمام أميركا فرصة كبيرة لتطويع الأزمة أيا كانت، أينما كانت، كيفما كانت».

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2416 - الجمعة 17 أبريل 2009م الموافق 21 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً