في كل عام تمخر عباب منطقة الخليج وخطوط ملاحتها عشرات الآلاف من السفن العسكرية والغواصات، بالإضافة إلى مختلف أحجام الوسائل البحرية التي تنقل في الدرجة الأولى مصادر الطاقة الإحفورية من نفط وغاز ومنتجات التكرير، بالإضافة إلى البتروكيماويات والألمنيوم إلى جميع بقاع العالم، وتجلب إلى أسواقها المحلية النشأة والعالمية المصدر مختلف أصناف البضائع الاستهلاكية والأغذية لتسهم هذه العملية في جزء من عملية النمو الاقتصادي لجميع دولها المطلة على سواحلها.
هذه الوسائل البحرية تجلب لنا ما نحتاجه كمستهلكين وتتخم جيوب حكوماتنا بمئات المليارات من أموال البترودولار، ولكن تترك آثارا سلبية جسيمة على البيئة وبالتالي تهدد صحة سكان المنطقة عن طريق دخول الملوثات السمية لسلسلة الغذاء في البيئة البحرية، وتؤثر على جودة الهواء الذي نستنشقه.
فالأرقام الناتجة من الدراسات البيئية العالمية الحديثة سببت دق جرس الإنذار لحكومات الدول الساحلية، وقد بدأت بعض هذه الدول بالفعل تنفيذ الخطوات العملية لخفض نسب التلوث في مياهها الإقليمية ومقياس نقاوة جوها. خبراء النقل البحري يؤكدون جدية المخاطر الصحية الناتجة من استخدام هذا النوع من وسائل المواصلات. فعلى سبيل المثال، وجد أن كميات الغازات المنبعثة والمسببة لأمراض السرطان والربو من ناقلة عملاقة واحدة فقط توازي ما ينبعث من 50 مليون سيارة. بل إن أحد البحوث وجد أن مجموع ما ينبعث من أضخم 15 وسيلة بحرية في العالم يوازي ما ينبعث من إجمالي عدد السيارات في العالم (760 مليون سيارة).
وعلى سبيل المثال، فإن كمية غازات أكاسيد الكبريت المنبعثة من السيارة الشخصية يبلغ 100 جرام فقط لمسافة مقطوعة تقدر بـ 15,000 كيلومتر، بينما يبلغ كمية نفس الغاز المنبعث من محرك ديزل سفينة تمخر عباب البحر لمدة 280 يوما في السنة حوالي 5,200 طن.
لاشك أن الآثار المترتبة على انبعاث هذه الملوثات في البيئة تمتد لتؤثر صحيا على الإنسان وسلامته، وهذا ما تؤكده الدراسات الأميركية، فقد وجدت أن مجموع أعداد الوفيات الناتجة من النقل البحري يبلغ حوالي عشرات الآلاف من الأشخاص سنويا، وتكبد الخزانة الفيدرالية مئات المليارات من الدولارات بسبب أمراض القلب والرئة.
هذه الحقائق جعلت وكالة حماية البيئة الأميركية تقترح أن تستخدم الوسائل البحرية أنواعا نظيفة من الوقود، وتنصب أنظمة تحكم للملوثات في محركات الديزل لتخفض انبعاث أكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت والمواد الدقائقية (Particulate Matter) بنسب تصل إلى 90 في المئة.
أما الخطوة العملية لتقليل الملوثات فهي قبول منظمة الملاحة الدولية للدول للإعلان عن إنشاء مناطق عازلة بالقرب من سواحلها وتمتد إلى 200 ميل داخل البحر. وأخذت السلطات الأميركية زمام المبادرة وأعلنت وجوب ان تتقيد السفن الملاحية بالأمور البيئية، ومن المتوقع أن تتخذ الدول الأوروبية نفس المنحى.
الدول المطلة على الخليج مطالبة بالتعاون لتخطيط حدودها البحرية وإدخال مفهوم المناطق العازلة لتعزيز البيئة البحرية الخليجية وتحافظ على صحة الإنسان الخليجي وتضمن سلامة غذائه.
إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"العدد 2416 - الجمعة 17 أبريل 2009م الموافق 21 ربيع الثاني 1430هـ