قانون الجمعيات السياسية المقر من قبل غرفتي المجلس الوطني لا يفرق كثيرا عن حزمة قوانين تلقى كل يوم في طريق الحرية لمصادرة البقية الباقية منها ذلك لأن الحكومة أصبحت هي اللاعب الأوحد في المجلس الوطني وذلك بحكم العلاقات الحميمة مع بعض نوابنا الأفاضل الذين أصبحوا كل يوم يخرجون علينا بتقليعات جديدة. يوما لتوقيع المواكب ويوما لاختزال النوادي والمراكز الرياضية وهكذا دواليك.
لا أعلم ماذا يراد من الجمعيات السياسية؟ هل يراد منها القبول بكل شيء، وإذا كانت الإجابة: لا، فلماذا تعطى وزارة العدل صلاحية وضع اللائحة التنفيذية للقانون؟
هل الهدف أن تصاب جمعياتنا السياسية بالذبحة الصدرية فلا يكون لها دور في العمل السياسي على رغم تيقن الجميع أن معالجة الديمقراطية تكمن في تقديم مزيد من الديمقراطية؟ إلى أين تذهب جمعياتنا بعد هذا القانون وإلى أين يقودها؟ هل القانون دعوة صريحة وتحريض واضح للجوء إلى العمل السري؟ القانون عمل تحريض للعمل السري من الطراز الأول. القانون يجب ألا يصادر دور الجمعيات ولابد من أن يمنح مساحة للآخر كي يعمل خارج منطقة نفوذ الحكومة. أنا أعلم أن غريزة الصراخ لا تغير شيئا في معادلة التوازنات وكلما زاد الصراخ بلا آليات في الميدان نامت الحكومة مطمئنة من أية محاسبة أو رقابة خصوصا إذا علمنا أنه بمكالمة هاتفية واحدة يمكن أن يبدل بعض نوابنا - كما حصل في أزمة التأمينات والتقاعد - مواقفهم على رغم أنهم هم من أشعلوا الحريق في الملف وهم أيضا من مارسوا دور رجال المطافئ، فجاءت التوقيعات بعدم إدانة أو استجواب عبدالله سيف وكأنك يا زيد ما غزيت ورحنا نصرخ: يحيا العدل، عاشت الديمقراطية، لا فض فوها ومات حاسدوها. وها نحن نخرج من نظرية المطوع "الاشتغال والانشغال" لنقع في قانون يقود إلى أين؟
وسيخرج علينا غدا الراقصون في الصحافة تحت الأعمدة الطوال الخائبة غير المقروءة في الصفحة الأولى ليقولوا في ديماغوجية فظة إن قانون الجمعيات هو قانون يعمل به في الغرب تماما كما قالوا في قانون تنظيم الصحافة سيئ السمعة الذي تمتهن مواده قطع أصابع الصحافيين وتكميم أفواههم وجرجرتهم إلى السجن.
إننا إذا لم نعط الجمعيات حق إصدار صحف خاصة بها أو قيدناها بطريقة تعجيزية فمعنى ذلك اننا نقودها إلى المنشورات... إننا بذلك نقتلع رئتيها، فمن أين ستتنفس؟ الديمقراطية لا تقوم بلا أحزاب، والأحزاب لا تعيش بلا صحف وبلا مقرات، بل الحكومة يجب أن تقتطع جزءا من الموازنة لصالح الجمعيات لتبني لها مقرات لا أن تتركها في العراء تتوسل الناس أو التجار للتصدق عليها. خوف الدعم الخارجي يتلاشى ويتبدد بالدعم الداخلي المادي. أخاف من قانون الجمعيات أن يصبح رسالة واضحة إلى الجمعيات بأن: لملموا ثيابكم واجمعوا حقائبكم وعليكم الخروج من البلد وهذه دعوة لا نريدها فسلبيات الديمقراطية خير ألف مرة من مزايا الاستبداد.
أنا أعلم أن الأمور تداخلت ونحتاج إلى دقة في بعض الخطابات وإلى إعادة قراءة الساحة بلغة أكثر براغماتية وواقعية في بعض مفاصلها لكن كل الأخطاء يجب ألا تبرر أي قانون يسحب الصلاحيات من تحت أقدام المعارضة.
لن نطعم هذا القانون باللوز والفستق ففي هذه القضية يجب ألا تسكت الصحافة وكما قال أحد الأدباء "عندما تتعرض الحرية للخطر فعلى المثقفين أن يقولوا كلمتهم، فالكتابة لا يمكن أن تبقى كالبوليس الدولي في المنطقة المحايدة".
الوطن يقوم على الشراكة، والإلغاء لا ينتج وطنا فاعلا يجب أن نتحمل بعضنا بعضا ويدك منك وإن كانت شلاء وأنفك منك وإن كان أجذعا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1051 - الجمعة 22 يوليو 2005م الموافق 15 جمادى الآخرة 1426هـ