امتدت ازمة الحدود السورية - اللبنانية طوال أكثر من اسبوعين متواصلين، ولم تتشكل حتى الآن ملامح معالجة لهذه الازمة، ولا تم وضع اطار او خطة، يمكن اتباعها للخروج من هذه الازمة، التي يحيط الالتباس بتعريفها. فتظهر في بعض التعريفات بأنها ناتج "مخاوف امنية" سورية، أو يقال، انها "فنية" تتعلق بقدرات المنافذ الجمركية السورية المحدودة على مراقبة وتمرير الشاحنات، أو يقال انها ذات بعد سياسي اساسه غضب السوريين من مواقف لبنانية، برزت في الأشهر القليلة الماضية، تضمنت "اساءات للعلاقات السورية - اللبنانية ومستقبلها".
وبغض النظر عن خلفية ازمة الحدود السورية - اللبنانية، فقد صارت الازمة اليوم ذات ابعاد امنية وفنية اضافة إلى اعتبارها ازمة سياسية بامتياز، خصوصا في ضوء تراكماتها في المستويين السوري واللبناني، وهي تراكمات يمكن القول، انها جعلت الازمة اصعب حلا، بل ووضعتها على قاعدة التعريب والتدويل بعد ان تعذر حلها بواسطة الجانبين السوري واللبناني، سواء بسبب عدم قابلية الاول نتيجة التباس رؤيته للازمة أو عدم رغبته في الحل، أو لعدم قدرة الثاني نتيجة الظروف السياسية التي يعيشها لبنان بعد انتخاباته البرلمانية الاخيرة.
لقد ترتب على ظهور وتطور ازمة الحدود السورية - اللبنانية تفاعلات، كان منها انها رفعت وتيرة النقد اللبناني للسياسة السورية وخصوصا في مناطق تمثل الوسط المقرب إلى سورية كما في البقاع والجنوب والشمال، التي تأثرت صادراتها الزراعية ولحقتها اضرار مباشرة من جراء اغلاق الحدود وفي موضوع صيادي طرابلس، وجعل ذلك اقرب المقربين من سورية، يتساءلون عن معنى الازمة وهدفها وموقعهم منها، والامر الثاني في نتائج الازمة انعكس على حركة الركاب السوريين واللبنانيين عبر منافذ الحدود، بحيث انخفضت اعدادهم الى ادنى معدلاتها منذ بدء التطورات السلبية في العلاقات السورية - اللبنانية في اعقاب اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري في فبراير/ شباط الماضي، وترافق هذا التدني مع تشديد سوري - لبناني على انتقال البضائع، وتضييق على الركاب عبر مراكز الحدود في الجديدة والمصنع، وفي ظهور سلوكيات مرضية في تلك المراكز، وان كانت سلوكيات فردية، والامر الثالث في تفاعلات ازمة الحدود، تمثل في عجز الآليات السورية - اللبنانية القائمة، بمن فيها رئيس المجلس الاعلى السوري - اللبناني عن التدخل والتأثير في الازمة.
وبطبيعة الحال، فإن هذه التفاعلات، احالت الازمة إلى بعد يتجاوز الجانبين المعنيين بصورة مباشرة، بحيث صار الباب مفتوحا امام تدخلات عربية ودولية في ازمة تعني بلدين بينهما نمط ومستوى خاص من العلاقات المحكومة بما يتجاوز التاريخ والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية إلى مصالح الراهن والمستقبل في المستويات كافة، وسيفتح التدخل بوابات تأثير اطراف اخرى في العلاقات السورية - اللبنانية خصوصا في ظل ضعف مستوى وتأثير التدخل العربي، وقد يوصلنا الامر في النهاية إلى نتائج تتقارب وتتماثل مع نتائج التدخل الدولي وفرض القرار 1559 بعد ان عجزت الجهود السورية - اللبنانية، ثم العربية لاحقا في معالجة الاشكالات في العلاقات السورية - اللبنانية التي فرضها التمديد للرئيس اميل لحود خريف العام .2004
ان تداعيات الازمة والعجز عن حل سوري - لبناني حرك الرغبة في دخول عربي على خطها، وفي هذا السياق يمكن رؤية الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء اللبناني المكلف فؤاد السنيورة مع سفراء عرب في بيروت، وتندرج في السياق نفسه مبادرة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى بزيارة دمشق وبعدها بيروت بحثا عن حل عربي للازمة، غير ان ما تم في هذا السياق، لا يشجع على قول، انه سيضع حدا للازمة، وهي نتيجة تستند إلى وقائع الازمة وإلى سياق من تجارب المبادرات العربية في حلحلة ومعالجة ازمات زمن الضعف العربي العام.
ومثلما دفعت الظروف الى تحرك عربي باتجاه ازمة الحدود، فقد حركت المحيط الدولي من دون تدخلات معلنة من جانب الدولتين، وبداية التحرك في اعلان قيام الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن ببحث الملف اللبناني السوري بما في ذلك ازمة الحدود بين لبنان وسورية مع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في بروكسل.
واذا كان من المبكر القول، ان اللقاء المرتقب ستترتب عليه نتائج عملية في حل الازمة ومعالجتها، فإن من المؤكد انه سيعطي الاتحاد الاوروبي وبعض دوله التي لديها كثير من الحساسية في الموضوع السوري - اللبناني فرصة التحرك وربما اعلان المواقف، وقد يتجاوز الامر ذلك الى اقامة توافقات دولية نحو مبادرات لمعالجة ازمة الحدود السورية - اللبنانية، لكن ليس في اطار مصالح البلدين المشتركة، بل غالبا بالتوافق مع مصالح تلك الدول واهدافها على نحو ما جاء عليه مضمون القرار الدولي .1559
ان وقائع ازمة الحدود السورية - اللبنانية واحتمالاتها، تضع سورية ولبنان امام مرحلة خطيرة في علاقات البلدين، وفي علاقات البلدين مع محيطهما العربي والدولي، الامر الذي يتطلب مبادرة قوية ونشطة تنطلق من سورية أو لبنان، أو من الاثنين معا من الحكومات ومن الجماعات السياسية والمدنية من أجل وقف تداعيات ازمة الحدود ومعالجتها بصورة نهائية، ما يغلق الباب امام تدخلات دولية في شئون البلدين وفي علاقاتهما
العدد 1050 - الخميس 21 يوليو 2005م الموافق 14 جمادى الآخرة 1426هـ