في صبيحة يوم الخامس عشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كنت عائدا من دمشق إلى بيروت عن طريق البر، باتجاه صحيفة "السفير"، ومنها كنت سأقصد مطار بيروت عائدا إلى البحرين. وبعد جلسة مع عدد من المحررين من مختلف الأقسام، أبديت رغبتي في الاطلاع على قسم الأرشيف، وزيارة المكتب الذي كان يجلس عليه ناجي العلي ليرسم للعالم العربي أوجاعه.
اصطحبني الأخوة أولا إلى الطابق الذي يحتوي على أرشيف ناجي العلي، ملفات كثيرة وظروف تحتوي على رسوماته الأصلية، بعضها نصف مكتمل، وبعضها شاهدناه في "الوطن" الكويتية و"الخليج" الاماراتية قبل عقود، و"السفير" في الفترة القصيرة جدا التي أتاحت لها الرقابة بدخول البحرين.
بعد الانتهاء من زيارة العلي، قصدت قسم "الأرشيف"، فاكتشفت انه موزع على ثلاثة طوابق، فسألت تحديدا عن ملفات "البحرين"، لأعرف ماذا تحتفظ ذاكرة "السفير" من ملفات عن هذا الوطن الصغير. قادني المحرر المسئول بالقسم إلى الرفوف القائمة بين ممرات ضيقة. وتوقفت عند كلمة "البحرين"، وفي الصف الأول كانت قبالتي ستة ملفات من الحجم الكبير، موضوعة بحسب الترتيب الهجائي. فسألته من دون أن ألتفت إلى الرفوف الأخرى: هل البحرين كلها في هذه الملفات فقط؟ فابتسم وقال: "استنى علي، انظر"، وأشار إلى الرفوف السفلى، إذ يقبع أكثر من ثلاثين ملفا كبيرا يحتوي على ما نشر عن البحرين طوال ثلاثين عاما، هي عمر "السفير" تقريبا. التقطت بعض الملفات لأقرأ فيها أخبار "الوطن".
قصاصات احتوت الكثير من الوقائع السياسية المهمة في تاريخ البلد، والكثير من المعلومات والأرقام الاقتصادية والعسكرية، إلى جانب مقابلات أجريت مع الشخصيات الرسمية والمعارضة التي كانت تعيش في الخارج. ملفات تحتاج قراءتها إلى إقامة شهر كامل في بيروت، بينما كان السائق ينتظرني في الدور الأولى من مبنى "السفير"، للذهاب إلى مطار بيروت.
ثلاثون ملفا، بمعدل ملف عن كل سنة من سنوات الاستقلال، سنوات عرفنا فيها الكثير من حالات الصعود والهبوط، والمد والجزر، والأفراح والآلام، وكانت سمعة بلادنا ترتبط بما تحفل بها من تطورات.
وأحسب أن هناك ملفات أخرى لم أشاهدها، كانت تغص بالأخبار عن البحرين خلال الاعوام الثلاثة الأخيرة، غالبيتها كان واعدا بمستقبل أكثر إشراقا، كان يحمل الصحف العربية والأجنبية على الحديث بصورة إيجابية عن هذا البلد الصغير الناشط ذي العنفوان، الذي يبشر بحمل شمعة الإصلاح.
في العام الأخير، أعتقد ان هناك ملفا آخر أكثر ثقلا أضيف إلى الأرشيف، لكن أكثر أخباره هذه المرة لا تشرف الوطن، ولا تعتز بها حكومة، ولا ترفع رأس شعب. مظاهرات من أجل لقمة العيش في بلد نفطي، وعودة الهراوات، أعيدوا حساباتكم أيها السادة، لتكون صوركم في "الأرشيف" كما تحبون
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1050 - الخميس 21 يوليو 2005م الموافق 14 جمادى الآخرة 1426هـ