قامت إحدى مؤسسات دراسة الرأي العام بالولايات المتحدة الأميركية بدراسة عن معدل كراهية الشعوب في العالم لأميركا، وجاءت النتيجة مخيبة لآمال الحكومة الأميركية، إذ أظهرت ارتفاع معدل الكراهية لها بين شعوب العالم، ولم يقتصر هذا الإحساس على شعوب العالم الثالث المضطهدة من قبل الحكومة الأميركية بل شاركها في ذلك الشعور شعوب العالم المتقدم في أوروبا مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا.
وقد جاءت النتيجة مخيبة لآمال الحكومة الأميركية بسبب الجهود الكبيرة التي قامت بها حكومة الولايات المتحدة من خلال رصد ملايين الدولارات لأجل تحسين صورتها في الخارج وبشن حملة علاقات عامة من ضمنها إنشاء قناة "سوا" الإذاعية ومحطة قناة "الحرة" التلفزيونية، وكلتاهما باللغة العربية. يضاف إلى ذلك الدعم الذي تقدمه الحكومة الأميركية للكثير من القنوات والإذاعات والصحف العربية وخصوصا في العراق في سبيل التأثير على الرأي العام العربي، ولم تستطع هذه القنوات وهذه الحملة في التأثير على الرأي العام العالمي.
وكثيرا ما يتساءل المسئولون الأميركيون: لماذا يكرهوننا؟ وعلى رغم السهولة في الرد على هذا السؤال، ولكن هؤلاء المسئولين لا يريدون أن يروا الحقيقة، وها هو الرئيس الأميركي جورج بوش وبعد صدور التقرير لا يريد أن يعترف بالحقيقة فيلقي اللوم على الشعوب بدل أن يلوم نفسه. ويحاول أن يضلل الرأي العام الأميركي والعالمي من خلال خطبه التي تخلط الحق بالباطل، وآخرها خطابه أمام الجنود الأميركان عندما حاول أن يستدل ببعض كلمات أسامة بن لادن لبدء حربه على العراق بعد فشله في إثبات الأسباب التي ادعاها لشن الحرب على دولة ذات سيادة، وهي امتلاك أسلحة الدمار الشامل ومساندة الإرهاب. وأراد بوش بهذا الخطاب الذي يثير الشفقة أن يعيد الثقة التي بدأت تهتز ليس لدى الرأي العام العالمي، فقد قال العالم جميعا وقبل شن الحرب إن هذه الحرب غير شرعية، ولكن بدأت تهتز لدى الرأي العام الأميركي الذي بدأ يطالب الحكومة الأميركية وبعد زيادة ضربات المقاومة الناشطة في العراق وازدياد عدد القتلى الأميركان، بدأ يطالب بوضع جدول زمني لخروج القوات الأميركية والمتحالفة معها من العراق، إذ ارتفعت نسبة المطـالبين إلى أكثر من 60 في المئة من الشعب الأميركي، وهي مرشحة للزيادة مع ارتفاع معدلات الضحايا والجرحى الأميركان، وحتى لا تتحول العراق إلى فيتنام جديدة، مازال الضمير الأميركي يتألم بسببها.
إن كراهية شعوب العالم لأميركا ليست موجهة إلى الشعب الأميركي، فهذا الشعب العظيم الذي شارك في تقدم العالم ورقيه ليس هو المعنى بهذه الكراهية. إن الكراهية موجهة بالأساس إلى سياسات الحكومة الأميركية في العالم، وإلى هذا اليمين المتصهين الذي ملأ الدنيا دما ورعبا، وإن الشعوب العربية والإسلامية لا تلام على ذلك إذا وضعنا في الاعتبار السياسة الأميركية في المنطقة العربية. فهي التي تقدم الدعم للكيان الصهيوني ومنذ خمسين عاما وتساعده على قتل إخواننا في فلسطين من أطفال ونساء وشيوخ، وكل ذلك بالسلاح الأميركي وبالدعم الاقتصادي والسياسي الأميركي.
من منا يستطيع أن ينسى صورة الطفل محمد الدرة الذي قتلته يد الإجرام الصهيونية وبمشاركة من الولايات المتحدة؟ من منا يستطيع أن ينسى حال المعاناة التي يعانيها إخواننا الفلسطينيون سواء بسبب مصادرة الأراضي وإقامة جدار الفصل العنصري وإقامة المستوطنات أو عمليات القتل اليومي وبمباركة من الحكومة الأميركية.
وهي التي قامت باحتلال احدى البلدان العربية "العراق" وهي دولة ذات سيادة، عضو بالأمم المتحدة، ضد إرادة الرأي العام العالمي، بل ضد إرادة شعبه وتمارس عمليات قتل يومي ضد شعبه المقاوم.
وما قامت به الحكومة الأميركية من ممارسات بأيدي جلاديها في سجن أبوغريب لتقوم ببعض المحاكمات الصورية لبعض جنودها الأشاوس! الذين مارسوا جميع أشكال القهر والتعذيب ضد المواطنين العراقيين في ذلك السجن الرهيب. وما يحدث كذلك في سجن غوانتنامو بحق السجناء العرب والمسلمين من تنكيل واضطهاد بعيدا عن رقابة المؤسسات الحكومية وجمعيات حقوق الإنسان ما أعطى الولايات المتحدة الحق في نزع الحقوق الشرعية للإنسان. وما يحدث في أفغانستان من أعمال وحشية في حق هذا الشعب المسلم.
لماذا لا تريد الولايات المتحدة أن تصدق على اتفاق محكمة الجنايات العالمية ليحاسب جنودها وقادتها العسكريون والسياسيون على ما يرتكبونه من أفعال وأعمال ضد الإنسانية. من الذي أعطى الولايات المتحدة حق محاسبة الحكومات وتوزيع شهادات حسن السيرة والسلوك عليها في وقت تغض الطرف عن حكومات استبدادية تسير بحسب الأجندة الأميركية. هل يريد الرئيس الأميركي مزيدا من الأمثلة لتوضح له لماذا يكره العالم سياسة أميركا، راجع الكثير من سياساتك ستكتشف بوضوح لماذا تزداد كراهية العالم لكم، و إلا لماذا تتم محاكمتكم شعبيا.
نريد من الرئيس الأميركي أن يضع مصلحة الشعب الأميركي على سلم أولوياته وليست مصلحة الكيان الصهيوني، نريده أن يقرأ حيثيات المحاكمة الشعبية التي أقيمت لمحاكمته وتابعه بلير والتي أقيمت في إسطنبول في تركيا، وبحضور ممثلين من 40 بلدا لمحاكمتهم على حربهم اللاشرعية في العراق ومطالبة هذه المحكمة التحقيق معهما بسبب جرائم الحرب التي ارتكبت بحق الشعب العراقي، ومطالبتهم بالاعتذار للشعب العراقي والانسحاب من هذا البلد الذي هدمت مقدراته وبنيته الأساسية وسرح جيشه الذي كان من أقوى الجيوش العربية ونهبت ثرواته سواء بواسطة الإدارة الأميركية أو عن طريق السراق الذين جاءت بهم أميركا على ظهور دباباتها.
دروس كوندليزا رايس
وها هي وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس تقوم بزيارة للمنطقة العربية لتعطي الدروس للحكام العرب، بل للشعوب العربية، وها هي تعترف بما اقترفته الإدارات الأميركية المتعاقبة على مدى 60 عاما بدعمها للأنظمة القمعية في الوطن العربي تحت ما أسمته بـ "المحافظة على الاستقرار"، فلم يتحقق الاستقرار ولا الحرية التي وعدتنا بها رايس هذه المرة على الطريقة الأميركية. هذا الاعتراف من وزيرة خارجية الولايات المتحدة يتطلب منا نحن الشعوب العربية أن نرفع قضايا ضد هذه الدولة بسبب الانتهاكات التي مورست ضدنا كشعوب وبالدعم الأميركي. في الوقت الذي نطـالب رايـس بالاعتذار عما اقترفته يد الإدارات الأميركية المتعاقبة عن جميع الانتهاكات التي مورست علينا سواء في فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو في باقي الأرض العربية الإسلامية.
نحن نتطلع إلى قيام علاقات صداقة مع الولايات المتحدة وأن نحافظ لها على حقها في الحصول على النفط، ولكن ليس وفق سياسة السيد والمسود، وإنما وفق سياسة احترام الأطراف لبعضها بعضا، وأن تحترم هذه الدولة حقوق وكرامة وحضارة هذه الأمة العظيمة التي ساهمت في بناء الحضارة الإنسانية
العدد 1049 - الأربعاء 20 يوليو 2005م الموافق 13 جمادى الآخرة 1426هـ