خرجت يوم أمس وأنا أخاطب نفسي: ماذا أهدي إلى عريس الرياضة العالمية والعربية البطل طارق جعفر الفرساني. .. هذا الشاب الجميل الوادع والوطني الغيور على بلده... ماذا أهديه؟ اشتريت له باقة ورد وليس هنالك أجمل من الورد تعبيرا عن الحب... طرقت بابه... جلست معه... شاهدت ميداليته الفضية، فقلت له: أنت يا طارق رسول الرياضة البحرينية وكل العرب في العالم وسفير لهذه المملكة... تبادلت الأحاديث معه وعلى عفويته راح يرتل لي حزنه... فرحه المنقوص... ومشوار العمر فوجدت نفسي مضطرا إلى الكتابة فقلت له أعطني قلما وأوراقا، ما قلته يحزنني كبحريني وطني أسعى إلى أن أرى الوطن يزرع نخيلا في واحات القلوب... كيف يكون ذلك وأين هو الحنان الرسمي على هذه الطاقات. نفثاته خلتها قطعا حرى يقذف بها وجعا من كل الآلام لذلك اسمحوا لي إذا ما سميت مقالي هذا بعنوان تراجيدي حزين: "دموع على سفوح المجد".
رحت أحاوره ولست صحافيا رياضيا لكني أحاوره إنسانيا لأني أرى الرياضة فنا وإنسانية وثقافة ومعرفة ولا فرق بين وجع الثقافة والاجتماع ووجع الرياضة... لن أطيل دعوني أطرح بين أيديكم بعض هموم طارق لنتيح فرصا للمواطنة أن تتكلم وللإنصاف أن يقول كلمته لنعلم جيدا أن الممارسات الخاطئة والإهمال هما اللذان يقودان إلى الإحباط والحزن في الوطن... يقول طارق: عندما فزت بالبطولة لم أكن فرحا - وهذا واقع - لأني جئت بالذهبية في دورة الألعاب الآسيوية في بوسان وهي بطولة عظمى، لكن ماذا كانت النتيجة: بطل بحريني يتوسل منزلا كل صباح على صفحات الصحف!
شعرت بالفرح لأن علم البحرين ارتفع ورفعت علم البحرين واسم البحرين عاليا وهذا هو إنصافي لوطني... هذا هو ولائي لوطني... هذا أقصى ما يقوم به مواطن لوطنه أن يتعب ليالي وسنين... أهجر عائلتي لأتمرن... أفارق ابني لأبقى على استعداد للبطولات... أقترض أموالا لبعض الأكل... وفي النهاية هذه هي المكافآت... ألاحق المسئولين للحصول على منزل!
وراح طارق يسرد بقية القصة: "يا سيد بعد الفوز وبعد انتهاء الأضواء، أفكر كيف أسدد ديوني لقد اقترضت مبلغا لشراء سيارة واشتغل عملا إضافيا، علي أن أغير وضعي... هل تعلم يا سيد أن راتبي لا يتجاوز 250 دينارا.
يا سيد من هم مثلي من اللاعبين ومن يطمحون إلى الميدالية الذهبية لابد أن يتدربوا طوال العام، وذلك يستدعي توفير الأكل الخاص وهو يكلف في الشهر 600 دينار. وكل اتحاد عربي يوفر لمحترفيه ذلك، أنا بقيت شهورا من دون كل ذلك، ولم أستعد للدورة إلا قبل 4 أشهر، ولو أني أستطيع أن أستعد طوال العام لجئت بالميدالية الذهبية! اللعب والتدريب يريدان مالا ودعما ومعنويات عالية لا التسكع على صفحات الصحف أتوسل بيتا أو راتبا. كل الذين نافسوني في الدورات متفرغون تفرغا تاما طوال العام ويختارون المعسكر الذي يريدونه، والسؤال: ماذا عن طارق؟ يا سيد بعد حصولي على الذهبية في بوسان كنت في الطائرة وكان في الطائرة أحد المسئولين وراح يسأل لاعبا تايلنديا كان حصل على ميدالية ذهبية... قال له: لماذا أنت فرحان؟
فأجابه: لأني سأذهب وسأعطى 1- منزلا و2- سيارة و3- راتبا مدى الحياة. و4- مكافأة كبرى قد تصل إلى عشرة آلاف دينار. دعني أضيف لك أكثر يا سيد. اللاعب اللبناني محمد عانوثي حصل على لقب أفضل رياضي في لبنان وأعطي بيتا وسيارة، اللاعب الإيراني حسين زادة حصل على لقب أفضل رياضي في إيران بعد فوزه في بوسان هو قال لي: سيعطى بيتا وسيارة، لاعب آخر سريلانكي فاز بميدالية ليست ذهبية وموعود ببيت وسيارة، ولعلك تسألني وماذا حصلت يا طارق؟ أنا رجعت وأعطيت ألفين وخمسمئة دينار فقط، والمنزل الذي أقر جلالة الملك إعطائي إياه في العام 2003 رقم الرسالة "26/25" لم أره إلى يومنا هذا. وقلت لكثير من المسئولين... جلالة الملك كافأني بمنزل يليق بي كلاعب وطني رفعت اسم البحرين عاليا لماذا بعض المسئولين تجاهلوا هذه المكافأة؟ ألا أستحقها؟ لماذا أحبط؟ وأنا اليوم أعد أبطالا جددا أقوم بتدريبهم وبعضهم حصل على ميداليات، وكل ذلك رفعة للوطن فلماذا المقابل يكون هذا الإهمال؟ شبعت من كلام الصحف... وعلى رغم ذلك الآن ذهبت إلى المانيا وجئت لهم بميدالية دولية ولو تدربت طوال العام ووفروا لي كل الدعم ولو كانت نفسيتي بالمستوى الجيد، لا أحمل هم قروض أو راتب أو منزل لجئت لهم بالذهبية. جلالة الملك شجعني... احتضنني وقال لي: "ابشر بخير" ومازلت أتذكر تشجيعه لي، لذلك، أتمنى من المسئولين أن يجيبوني: إلى متى هذا الوضع؟ أنا أطمح إلى ترقية على مستوى العمل ليرتفع راتبي وأن أفرغ للحصول على الميدالية الذهبية. مستحيل أن أقبل أي عرض من الخارج سواء جاء صريحا أو تلويحا لأن قلبي مع البحرين... إن ورائي أرضا تربيت فيها وجمهورا ينتظرني يقدر لي موقفي من هذه المملكة الغالية.
وأقول للاتحاد وللبحرين وللجميع: أنا جئتكم بالميدالية الذهبية في دورة الألعاب الآسيوية في بوسان وفضية بطولة آسيا في كازاخستان 2004 وذهبية في بطولة آسيا في البحرين وميدالية فضية عالمية اليوم ولكن السؤال: ماذا قدمتم لي؟ من يحب الآخر أكثر؟ أنا أم الوطن؟ أيها المسئولون؟ ماذا تقولون؟ يا مؤسسة العامة للشباب والرياضة؟
هذا بطل عالمي بين أيديكم واحمرت يداه وهو يرفع علم البحرين في المحافل الدولية، فماذا ستعطونه؟ هل ستعملون على تفريغه للبطولة المقبلة في الصين وتلك أمنيته؟ ماذا سيقول شبابنا وهم يرون ذلك؟
الوطنية حقوق وواجبات... الوطنية ليست كلاما في الصحف. أنصفوا هؤلاء الشباب الطالع الطامح الذي يتفجر وطنية وصدقا وحبا واعتدالا ليكون مثالا لأبنائنا... الإحباط يقتل الإبداع وعدم المساواة يقتل الطموح. لا يريد طارق معجزة، يريد منزلا كبيرا يليق به وسيارة تناسبه وراتبا ومكافأة يسد بها قروضه وتفريغا. طارق يقول بكل عفوية... أخي منذر وقف معي موقفا كبيرا، الأخ عدنان الخان صاحب بيت الطاقة دعمني كثيرا وكذلك زوجتي أم فراس، فأنا ممتن لها، تستيقظ منذ الصباح الباكر الساعة الخامسة لتعد لي طعاما خاصا... تصبرني... تمنحني الحماس لنيل البطولة.
أبي توفي قبل ذهابي إلى دورة الألعاب الآسيوية في بوسان بأشهر... وعلى رغم ذلك ذهبت وكنت حزينا وجئت بالذهبية، وقد كانت أمنيته! أقول: إذا وفرت لي حاجاتي وقدرت هذه المرة وشعرت بأهمية فوزي سأعد العدة للحصول على ذهبية العالم التي ستعقد في الصين. جعفر الفرساني. نم قرير العين فابنك رفع رأسك عاليا... لم تحضر معنا لتهنئه لكن روحك فيه تظلل عشه... تسامر وجدانه. نم قرير العين فابنك أصبح بطلا عالميا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1049 - الأربعاء 20 يوليو 2005م الموافق 13 جمادى الآخرة 1426هـ