العدد 1049 - الأربعاء 20 يوليو 2005م الموافق 13 جمادى الآخرة 1426هـ

"الأصالة" وأبعد من استقالة "الرئيس"

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

ترمومتر العمل السياسي في حال ارتفاع وانخفاض دائم، ويواجه العمل السياسي كباقي النشاطات الإنسانية في المجتمع، نجاحات وإخفاقات. .. إلا أن اسباب الاستقالة كما أوضحها الشيخ المعاودة لا تنم عن الاعتراف بمثل هذا الأمر، وكما هي التنظيمات والأحزاب العربية تحاول دائما إخفاء عيوبها ومداراة السلبيات، بدلا من مواجهتها وممارسة النقد الذاتي والموضوعي لتداركها في المستقبل، وإنما تتغنى الأحزاب كما الحكومات العربية بالإيجابيات دائما، وبما يتسق مع عواطف الجمهور ورغباته.

الاستقالة لم تأت من فراغ، بل هناك أمور لابد من إصلاحها، ولعل أهمها آلية اتخاذ القرار في الجمعية السياسية الذي يجب أن يختلف اسلوب العمل بها عن العمل الخيري، ولكن هذا الخلط هو ما وقع فيه الإخوة في الأصالة. فنمط تعاطي الأصالة مع الحكم في الشأن السياسي لا يختلف عن النمط ذاته في العمل الخيري، وذلك خطأ كبير وقعت فيه الجمعية. ولعله ليس من الحكم المستعجل القول إن تغيرا جديدا أو جذريا في التعاطي مع الحكم سيطرأ بعد استقالة الرئيس، لأن أمر التغير مرتبط أساسا بقلة متنفذه في الجماعة السلفية ذات مصالح مادية أو اجتماعية "وجاهية"، وأي مطالبة بالتغيير في نمط التعاطي مع الحكم تواجه عن طريق هذه "القلة" صاحبة الواقي الشرعي "الديني/المذهبي". هذه القلة القابضة على سلطة اتخاذ القرار لها منهج مقولب ذو حدود قاطعة، تفصله فصلا باتا عن الآلام الشعبية، فإن أرادت الجماعة السلفية التغيير يجب عليها ابتداء مأسسة الأصالة، وإبعاد الشخصانية أو القرابية حال اتخاذ القرارات.

وبالتالي، فإن استقالة الشيخ أبي عبدالرحمن من رئاسة الجمعية "لتمكين إخوانه من العمل في الشأن ذاته وتولي المسئوليات" المتعارف عليها في العمل الحزبي هي منقبة للشيخ، إلا ان الحديث الأجدر بالمناقشة هو عن مدى التغيير في قيادة الخلف لجمعية السلف؟

جمعية الأصالة بحاجة إلى الابتعاد عن قضية الـ "مع والضد"، والكف عن البيانات المضادة وردود الفعل، بل ينبغي - بحسب ما أعتقد - التركيز على الأركان الأساسية لقيام دولة القانون والمؤسسات. بمعنى آخر إن إصدار بيان مضاد لمسيرة دستورية لا يغني عن الحق شيئا، أي لا يغني عن وجوب إجراء تعديلات دستورية، وعلى الجمعية بدلا من إصدار البيان العمل على التعديلات الدستورية التي تهيئ الأرضية "للأصالة" وغيرها من قوى سياسية من الرقابة على أموال الطفرة النفطية والمحاسبة لأعمال السلطة التنفيذية، وذلك بدلا من المناكفة السياسية، وتطبيق مبدأ: "بما أنكم تريدون كذا... فنحن نريد العكس"!

الأصالة مطلوب منها ابتكار أساليب جديدة، وليس الوقوف على رف "السيستام" السياسي وعند الحاجة يتم استخدامها من قبل الحكم. الأصالة عليها الكف عن ممارسة السياسة بالشكل "الاستتباعي" أو "الاستجدائي"، بل المطلوب منها التأطير لعمل مؤسسي قائم على تقبل جميع الآراء، وعدم إقصاء أفراد منها فضلا عن خارجها. وعليها حث أعضائها للنزول إلى الشارع وتلمس حاجات المناطق ورصد آراء أبناء الدوائر البلدية "بالنسبة للأعضاء البلديين"، ومن ثم السعي إلى وضع الحلول المناسبة. في مسألة المطالب الشعبية سواء في رفع مستوى الدخل أو حلحلة قضايا رئيسية كالاسكان والبطالة والتأمين ضد التعطل يجب على الأصالة التحرك بقوة في هذه الملفات. وقد أثبتت جميع تلك الملفات بأن التحرك فيها معلق على "شرط واقف" هو التعديلات الدستورية والإصلاح الدستوري، بما يعطي للنواب مساحة في التشريع والرقابة بدلا من التفرج على ما تقوم به الحكومة. ومن هذا المنطلق أعتقد ان على الأصالة التحرك في مجرى هذا النهر: المطالبة بتعديلات دستورية.

بإعلانه الاستقاله من التنظيم السياسي يؤكد الشيخ المعاودة على عدم ترشحه للانتخابات النيابية في .2006 والشيخ المعاودة حاله كباقي الناس يصيب ويخطئ، واستطاع أن يثبت في غير موقع أنه جدير بقيادة الجماعة باشتماله على خصائص كريزما القيادة، إلا أن المضايقات التي واجهها المعاودة إبان إلتقائه بقيادات دينية شيعية أو يسارية، وكذلك الضغوط المتزايدة من أحد أقطاب الحكم من جهة ومن بعض المنتسبين للجماعة من جهة أخرى في شأن بعض الموضوعات المطروحة على الساحة السياسية، جميع ذلك، جعل المعاودة بين مطرقة "القطب" وسندان بعض من جماعته. تلك الضغوط كانت شديدة عليه للدرجة التي لم يستطع المعاودة تأجيل خيار الاستقالة إلى ما بعد انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، فهي حتما ضغوط كبيرة!

إذن نخلص إلى ضرورة بل وجوب تغيير نمط التعاطي داخليا في الجمعية ومع الحكم والقوى الأخرى في ساحة العمل السياسي والاجتماعي... فهل يتحقق شيء من ذلك؟

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1049 - الأربعاء 20 يوليو 2005م الموافق 13 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً