لم يدر بفكر المراقبين للشأن السياسي المحلي إمكان تغيير قمة التيار السياسي السلفي البحريني بهذه السرعة والسهولة، وذلك للكاريزما التي كان يتمتع بها الشيخ عادل المعاودة داخل التيار، وللثقل والاحترام السياسي بين القيادات السياسية البحرينية، فضلا عن العلاقات والاتصالات الخارجية مع قيادات السلف في البلدان الخليجية المجاورة.
إلا أن خروج المعاودة من الأصالة في هذا الوقت تحديدا قد يكون له من الإيجابيات الشيء الكثير، ويمكن رصد هذه الإيجابيات في الآتي:
أولا: إتاحة الفرصة أمام القيادات السلفية الشابة بالظهور وممارسة العمل السياسي، إذ مازال التيار بحاجة إلى إتاحة الفرصة للجيل السلفي الشاب لممارسة السياسة، واكتساب المزيد من الخبرة التنظيمية بعيدا عن الأجواء الفكرية والدينية التي عادة ما تميز قواعد التيار وتحول دون إنهاء عزلته.
ثانيا: المساهمة في زيادة مأسسة التيار بدلا من الشخصنة، إذ ارتبط التيار السلفي البحريني بشخص المعاودة ولم يرتبط في أحايين كثيرة بجمعية الأصالة الإسلامية أو حتى جمعية التربية الإسلامية. ومادامت التيارات الإسلامية في منطقة الخليج تشهد حاليا حركة مأسسة منذ ما يزيد على خمس سنوات فإنه من المناسب أن يتيح ابتعاد المعاودة عن تنظيمه السياسي فرصة لتفعيل مأسسة السلف، وإبعاد ارتباط سياسات التيار بشخصيته وشخصه، لتظهر في المقابل مؤسسات قوية ومؤثرة في تفاعلات النظام السياسي البحريني.
ثالثا: إزالة الصورة النمطية التي سادت في المجتمع البحريني عن التيار السياسي السلفي البحريني، والتي اتسمت في الغالب بأنه بعيد تماما عن مطالب المواطنين، وأنه يسعى إلى تحقيق أجندته الخاصة وفق منطلقاته الفكرية الجامدة. ما ساهم في تراجع شعبية التيار لدى النخب، وكذلك قطاع عريض من المواطنين. ولذلك فإن ظهور التنظيم السياسي الإسلامي السلفي بقيادات مختلفة عن الأعوام القليلة الماضية من شأنه أن يساعد في تحسين هذه الصورة، وتعديلها إيجابا.
طبعا فإنه مقابل الإيجابيات هناك جملة من السلبيات من المتوقع أن تتأثر بها جمعية الأصالة الإسلامية بشكل لافت خلال الفترة المقبلة بعد استقالة الشيخ المعاودة، ويمكن تحديد أهمها في الآتي:
أولا: غياب الخبرة السياسية لدى القيادات الشابة والجديدة في الأصالة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى خلق أزمات تنظيمية مع بعض القوى السياسية الأخرى. فضلا عن إمكان وصول بعض الفئات السلفية المتطرفة إلى دائرة صنع القرار لتساهم بذلك في تغيير بعض التوجهات السلفية، خصوصا فيما يتعلق بالقوى السياسية الأخرى، والعلاقة مع السلطة، أو حتى المشاركة في انتخابات .2006
ثانيا: عدم امتلاك القيادة الشابة والجديدة في الأصالة لعلاقات تنظيمية متعددة الأطراف ومعقدة مع التنظيم الرئيسي خارج البحرين، أو مع بقية التنظيمات الإسلامية أو السياسية في البحرين. الأمر الذي قد يؤثر في توجهات التنظيم المستقبلية، خصوصا فيما يتعلق بالتنسيق لاتخاذ مواقف سياسية مع الكتل البرلمانية، أو مع القوى السياسية البحرينية المختلفة تجاه جملة من القضايا. في الوقت الذي تولى فيه الشيخ المعاودة المهمة منذ الإعلان التاريخي عن دخول السلف في السياسة.
في نهاية المطاف فإن ابتعاد المعاودة عن دائرة صنع القرار في الأصالة قد يضع التيار السياسي الإسلامي السلفي في مواقف محرجة، مع تأكيد إيجابياته وسلبياته. إلا أن خروجه المفاجئ قد يكون صعبا، لأنه باعتقادي لم تظهر قيادات أخرى على قدر من الكفاءة والخبرة التنظيمية والفكرية مثل ما يتمتع به المعاودة شخصيا. وكان من الأجدى أن يتم هذا القرار تدريجيا بحيث يعلن عنه داخليا في التنظيم نفسه، على أن يغادر المعاودة دائرة صنع القرار في التنظيم بحلول الانتخابات البرلمانية للعام .200
العدد 1048 - الثلثاء 19 يوليو 2005م الموافق 12 جمادى الآخرة 1426هـ