الحمد لله الذي رد عن شعب البحرين "قانون التجمعات"، بفضل كلمة مباركة واحدة: "المواكب"، التي أثارت استنكار الرأي العام والجمعيات ورجل الشارع البسيط، لما استشعره الجميع من عبث بالبلد وتاريخه. القانون تم تأجيله يوم أمس إلى الدور الرابع، على إثر "اتصالات جرت خلال الأيام الثلاثة الماضية وشملت نوابا وجمعيات مع أصحاب اختصاص"، كما ورد في بيان النائب الأول لرئيس المجلس عبدالهادي مرهون.
البيان وصل ظهر أمس عبر الفاكس، بعد أن أجمعت الصحف المحلية على تمريره في أعدادها أمس، ولكم أن تقرأوا المانشيتات الواثقة جدا: ""النواب" يقر "المسيرات""، "توافق نيابي على تمرير المسيرات"، فيما ينحو المانشيت الاخير منحى أدبيا: "التجمعات سيمر بسرعة البرق"، نظرا لأن من صاغ الخبر كان واثقا تماما من خطة اللعب المحكمة!
هذا المشروع الذي كتبنا عنه خلال اليومين السابقين بمرارة شديدة وغضب أشد، كتب الله له هذه "العرقلة" والحمد لله، انطلاقا من تشخيص يلتقي مع توصيف مرهون: "هذا المشروع يسلب كثيرا من الحقوق المدنية مهما أضفنا عليه من تعديلات، وكنت أحاول أن أجد إجابة على السؤال: كيف لمجلس النواب أن يقر قانونا بهذه الأهمية في أيام"؟. والسؤال نفسه نعيد طرحه من باب المصارحة الوطنية: كيف سمح المجلس لنفسه بتمرير القانون الآخر: "الجمعيات" مع ما فيه من سلب للكثير من الحقوق المدنية وفي يوم واحد؟
عند متابعة القانونين وكيف تسللا إلى البرلمان، يشعر المرء بهاجس الخوف وراءهما. والبرلمان كالقاضي، لا ينبغي أن يصدر قرارا أو حكما يمس الأفراد والجماعات وهو واقع تحت وطأة الخوف أو الطمع والتهديد. ومؤسف جدا أن القانون الآخر تم تمريره بالطريقة التي تعرفونها، "لا من شاف ولا من درى"، كأن شعب البحرين ليس طرفا في المعادلة، وكأن الجمعيات ليست جزءا مهما وفاعلا من نسيج المجتمع، وكأن كل هذا المجتمع النشط والحراك السياسي الذي يميز البحرين في محيطها الإقليمي ليس له قيمة تذكر!
الطعنة الأولى "الجمعيات" مرت، وهذا الشعب الحي سيمتصها كما امتص غيرها من القوانين المتخلفة التي لم تكن تواكب العصر، وصبر على ما فيها من جور حتى جفت وسقطت أو جمدت، وكلنا يعلم أنه "لا يصح إلا الصحيح". ونحمد الله الذي وقى شعب البحرين من الطعنة الأخرى "التجمعات"، وأملنا أن يضع النواب في الدور الرابع مصلحة هذا الشعب الكريم فوق كل اعتبار طائفي أو مذهبي أو فئوي صغير.
غير أن الطعنة غير المتوقعة جاءت من جهة أخرى: من المؤسسة العامة للشباب والرياضة، بإقدامها على حركة "التجييش" غير الموفقة على الإطلاق، بنشر إعلان مدفوع عن موقف الأندية مما حدث من احتجاجات العاطلين. "ولعلم القارئ هذا الإعلان المثير للجدل كلف الموازنة 1500 دينار أقلا".
كان بودنا ألا تنجر المؤسسة العامة للشباب والرياضة إلى مستنقع السياسة، وألا تتورط في عملية "التسييس"، خصوصا بعد أن أثبتت هذه السياسة في تاريخنا القريب أضرارها السيئة على وحدة المجتمع وانسجامه، وخصوصا الوسط الرياضي، وما تشيعه فيه من تذمر واحتقان. وليت المؤسسة تتنبه إلى انها "مؤسسة عامة"، تشمل الرياضيين جميعا، والأجمل أن تقف على الحياد، ولا تتورط أو تورط الأندية في عملية الاستقطاب الطائفي الجارية على قدم وساق. وإذا عجزت برامجها عن لم شتات الشباب العاطل وغير العاطل، فالأفضل لها أن تكتفي بموقف المتفرج، فذلك خير لها من الدخول على خط المهاترات، والمشاركة في "زفة" لعن المطالبين بحقهم في كسب الرزق.
ثم، هل نسيت المؤسسة سياستها التقليدية بإبعاد الشباب عن السياسة ورفض استخدام الاندية للعمل السياسي؟ فكيف تذهب إلى السياسة برجليها؟ ماذا لو اقترح عليها أحدهم أن تفتح الاستاد الوطني لتنظيم مهرجان سياسي تنظمه الجمعيات السياسية، فهل ستوافق المؤسسة؟ وهل ستقبل بفتح الصالات الرياضية المكيفة للندوات التي تتناول الشأن العام؟ وهل ستقبل بتحويل استاد مدينة عيسى إلى "هايد بارك" البحرين، في كل يوم جمعة، لاحتواء الاعتصامات والتجمعات الشعبية المختلفة؟
يوليوس قيصر حينما أحاطت به الخناجر من كل الجهات، كان يتوقع الطعنات من أي شخص... إلا من قائده العسكري بروتوس، الذي كان آخر من طعنه، فنظر إليه وأطلق تلك الكلمة الاحتجاجية التي خلدها التاريخ قبل أن يهوي على الأرض مضرجا بالدماء: "حتى أنت يا بروتوس..."
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1048 - الثلثاء 19 يوليو 2005م الموافق 12 جمادى الآخرة 1426هـ