"المثقف العربي اعتاد على حليب النص، فكان يرضع ثدي نقد النص الماركسي، ولما نضب التفت لثدي ثان هو النص السلفي، ومن اعتاد على حليب النص يصعب عليه أن يفطم نفسه، يجب على المثقف ان ينعتق من النص، ويتجه إلى الواقع، بالانصراف الكلي إلى ممارسة وظيفته الحقيقية، وهي التفكير". جورج طرابيشي

الفردية، وعدم الانضباط، والتذبذب، وأخيرا الشك، مجموعة - اعتقد - أنها تلعب دور السلطة الرمزية للمثقف في المجتمع الرأسمالي الجديد. أما مفردات التجمع والالتزام والثبات اليقين فهي ببساطة أدوات "قبرنة المثقف" وتفريغه من محتواه وحقيقته ودوره الضابط في المجتمع.

لا استطيع ان أصنف المثقف في طبقة البوليتاريا، فهو بطبيعة حاله برجوازي صغير، على أنه مشغول بهذه بطبقة البوليتاريا وقد ينتمي لها مرحليا. المثقف المفرط في "الإنسانية" في التجربة الأوروبية الشرقية لم يكن مشغولا بالدفاع عن حقوق العمال مقارنة بتضحياته في حماية تلك الطبقة الحاكمة من "المثقفين البرجوازيين".

المثقف لا يعرف خيارات "العنف"، فسلاحه عقله وتجربته ومعتقداته الآنية، بمعنى أنه لا يستطيع أن يكون مثقفا إلا في فرديته، لذلك لا يمكن للمثقف أن يشارك مؤسسات المجتمع السياسي همومها كاملة، كفاعل معتمد ورئيسي، وما إن يرتبط المثقف بمصلحة كلاسيكية أو عضوية فهو بذلك خارج الثقافة. المثقفون هم تلك الأجزاء القلقة الباعثة للحياة في المجتمع، ولا يجوز لنا "عضونتها".

قد تنمو لدينا صور للمثقفين بوصفهم "اختصاصيي المعرفة التطبيقية" وهو توصيف أطلقه كارل ماينهايم على المثقفين "الذين يكرسون كل أوقاتهم للمهنة، أي أنهم يقدمون منتجات ثقافية من أجل الحصول على مقابل أو أنهم يخدمون طبقة من السلطة بترويج أفكارها أو من خلال تبريرهم غير المباشر لأفعال السلطة وقمعها للناس، أو من خلال تلوين الدكتاتورية بألوان الحرية والديمقراطية"، وهؤلاء يمثلون أخطر أنواع المثقفين على المجتمع.

أخيرا، تأتي صعلكة المثقف كصورة نموذجية لذلك الهائم في المجتمع بلا هدف أخير، وهو وإن كان برجوازيا متعاليا، إلا أنه يقف مع الناس، ويعرف أنهم يحتاجون لكلمته وتجربته وقناعاته، بعيدا عن قناعات من يدفع له