العدد 1047 - الإثنين 18 يوليو 2005م الموافق 11 جمادى الآخرة 1426هـ

ملامح الأدب الشعبي إلماعة تبحث في المكونات

القصص والحكايات الشعبية ترجمة واقعية لما خالج إنسان الأمس من هموم وقضايا يومية كابدها وأضحت له ظلا لا يبارحه، الأدب الشعبي بكل مكوناته وتفصيلاته كان ذلك المتنفس الوجداني الجميل للانسان وما عاناه وما كابده عبر مسيرة حياته من آلام وهموم سواء كانت معيشيه، سياسية، اجتماعية، اقتصادية، أو عقيديه. .. الخ. رسمها بيراع وجدانه المتأجج على وريقات التاريخ مدونا بذلك خلاصة تجاربه الانسانية الراقيه من خلال أغراض ومناح انسانية مختلفة لامست النبض الحقيقي للمجتمع وقرأت دقائق ما خالج الناس وعكست مرئياتهم، فكان الأدب الشعبي بحق المعبر الزميل لما يعتمل في ضمير الشعوب والأمم، والأخير يعتبر محطة تاريخيه مهمة لا يجوز في معيار الأخلاق والتاريخ المرور عليها مرورا فاترا دونما إعمال الوعي والعقل وقراءات الدلالات الناتجة عنه كونه يحمل ارثا إنسانيا عظيما.

أدبنا الشعبي الذي حبكته أنامل الأجداد وصاغته بأبهى مداد كان ذا ملامح تميزه عن ما عداه من الأغراض الأدبية الأخرى بلحاظ الطبيعة المغايرة التي يتسم ويستمد منها الأدب الشعبي، ولجهته المحلية البسيطة التي هي محل توافق كل الشرائح الاجتماعية من أعلى الهرم الثقافي إلى رجل الشارع العادي المتناغم أصلا مع طبيعته اللفظية والمنسجم معها بشكل كبير مما لو كان بخلافة هذه من جهة ومن جهة اخرى لكون القول الغريب تنفر منه الطباع ويكون وقعه مؤلما على النفس وموحشا عليها بعكس القول الجميل السلس الخالي من التعقيدات التي تشوش على ذهنية المتلقي العادي، فمع كونه - الأدب الشعبي - يحمل ألفاظا بسيطة ومتداولة في الوسط الشعبي إلا أنه يحمل من المعاني والرموز والدلالات ما يجعله يضاهي الشعر العربي الفصيح ويرقى لمستواه ولهذا السبب أضحت للأدب الشعبي حظوة في القلوب وأصبح محل تقبل ومحبوبية من قبل الناس وبسهولة كان يتداخل مع النفس ويتغلغل فيها، هذه مجانبة فادحة لعين الحقيقة ومفارقة تبعث على الذهول فلا أخال أن المتتبع لأبجديات أدبنا الشعبي يغفل عن حقيقة ما يحمله بين جنباته من أغراض أدبية كثيرة مثل الهجاء، والرثاء، والبكاء على الأطلال، والغزل والنسيب، والفروسية وغيرها من الأغراض الأخرى التي تحمل من السمات، مثلها مثل الأغراض الأدبية المختلفة كالقصص والحكايات الشعبية، والشعر، النوادر والأهاجي، والحكم والعبر... الخ ولوقت غير بعيد كنت أسمع أحد كبار السن يتغنى بالشعر الغزلي ويذكر لي قصصا وطرائف جميلة كانت في الماضي وخصوصا تحديات العيش اليومية وهم في قعر البحار ليصطادوا المحار أو في حراثة الأديم الأسمر بقصد الاعتياش، فمسألة طغيان جنبة أدبية والتشبث بها كونها تتساوق مع النفس البشرية دليلا وبرهان مراهنة وتعويل لا يرتقي لمستوى الدليل أصلا.

الأدب هو الرئة التي يتنفس الانسان البشري إذا ما صهرته خطوب الحياة أو تقمص دور قيس وليلى على مسرحها، الأدب الإنساني بأغراضه المختلفة هو ذلك الأوكسجين الذي نستنشقه فيبعث فينا الحياة فهل يعقل أن نعيش من دونه، الأدب هو ركيزة ثابتة في حياتنا ومن اللازم علينا أن نرسم ملامحها الجميلة عبر لوحة فنية تحكي جماليتها وتظهر سماتها من دون أي مكياج أو رتوش.

وأولى تلك الملامح الجمالية في أدبنا الشعبي هي الملمح العقائدي اذ ان بحثنا هنا يرتبط في صميم العلاقة الرابطة بين الأدب من جانب والدين من جانب آخر وتأثير كل واحد منها في الآخر وبالتالي انعكاسه على الانسان كإنسان، فمن المسلم به بديهة في التاريخ أن المجاميع البشرية القديمة أينما وجد بإزائها المعابد ولايكاد يخلو ذلك عن مجمل حضارات الانسان قديمها وحديثها لما لعامل الدين والميتافيزيقيا من تأثير جوهري في حياة الانسان وفي تشكل ثقافته وفي وصوغ مفاهيمه وقيمه، فالعلاقة جدا وطيدة ما بين الأدب من جهة والدين من جهة والانعكاسات المترتبة على ذلك التمازج والتفاعل على الوجدان الشري، ولهذا فكان الأدب الشعبي مفعما بوهج العقيدة مترنما بالانتماء ولا يقدح ذلك أبدا في روحه الدقاقة ولا يعني انه منطق عصبيات عرقية أو اثنية لا يجدر بالعاقل السليم أن يخوض غمارها لمالها من نتائج كارثية على واقع الأمة، هذا افتراء ومواربة للحقيقة فأدبنا الشعبي يحمل من الروح التسامحيه والنغمة الوحدودية الكثير، وهل إذا ذكرت ما أؤمن به من عقيدتي واسلامي أكون محل ريبة ومثار زوبعة لا بداية لها ولا نهاية؟! ثم ألا يتعارض ذلك مع أبسط حقوق الانسان في مسألة التعبير عن الرأي والمعتقد بشرط عدم التعدي على الغير والمصادرة حقه في ابداء الرأي وطرح الفكرة، صحيح أن هناك الكثير من العادات والمفاهيم التي درجنا عليها يجب بحثها ومناقشتها على طاولة الحوار والمكاشفة الصريحة بقطع النظر عن الصحة والخطأ في ذلك نعم يجب غربلة الأدب الشعبي وتصحيح المفاهيم المغلوطة لأنه كلام لبشر ليس بالمعصوم، وأخيرا فأدبنا الشعبي العقيدي هو امتداد لمنابع العقيدة، من نهر الاسلام الكبير لننهل منه ما يسد رمق الحب وينير مشاعل الهدى في دروبنا بالعقلنة والتمحيص لا أن نأخذ العادات والتقاليد على عواهنهادونما تفكير في هذا الفهم وذاك وكأننا آلة يقاد بنا ساعة لليمين وساعة للشمال.

أما الملمح الثاني فهو الملمح الانساني فالإنسان هو موضوع الادب وغايته فمن خلال هذه النافذة تنطلق الكلمات المعبرة عن الواقع الانساني وتحكي عن قضاياه وهمومه الحياتية سواء عن طريق قصيدة أو قصة أو طرفة أو غيرها كالحكم والعبر تستقي من المنبع الأصيل في الانسان من نهر وجدانه وعواطفه وتصب فيه ايضا لأنه المعني أولا وأخيرا بالموضوع، فترى البعد الانساني في المشهد الأدبي الشعبي يتجلى في الكثير من جنباته يحكي عن خلجات ونبض الانسان سواء كانت نابعة من واقعه الذي يعايشه أم كانت عبر تفاعلاته مع المحيط من قبيل الحب والغزل، الاشتياق للأوطان، التناغم مع قضايا الأمتين العربية والاسلامية، فكان أدبنا الشعبي بحق ذا بعد انساني صادق يكرس الأنسنة الحقيقية في واقع الأمة ويعكس ما كان يضطلع به من مسئوليات وما يبعثه من دلالات وإشارات في وعي الشعوب كان بمثابة المنبر الإعلامي الثقافي الأبرز الموجه للجماهير والمعبر عن نبضهم وهمومهم





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً